· ما الذى حدث يوم 25 يناير الماضى؟
لم ننتبه إلى أن هؤلاء الشباب أصبحت لهم لغتهم الخاصة، أيضاً، انقطعوا جيلياً عن الاجيال السابقة وأصبح لهم عالمهم ومعاييرهم ونظرتهم للحياة…إلخ، كما أنهم فكوا ارتباطهم بالمرجعيات التقليدية كالأسرة والمؤسسة الدينية والمؤسسة التعليمية، وبدأوا يشكلون هم مرجعياتهم بأنفسهم، وهكذا فى لحظة ما فوجئنا أن 25 يناير تعتمد فى قوامها الرئيسى على الشباب من جهة وعلى التقنيات الحديثة من جهة أخرى، هذه الكتلة الشبابية الطالعة (إذا استعرنا مسرحية الجيل الطالع لنعمان عاشور) وجدنا أن العمود الفقرى للحركة هو الشباب وممثل فيه كل ألوان الطيف فى المجتمع، (أولاد وبنات، أقباط ومسلمون،…..) بدأت بشباب من الطبقة الوسطى الذين لديهم بعض من الفائض المالى الذى مكنهم من التعامل مع التقنيات الحديثة يرفعون شعارات سياسية ولحق بهم شباب من الطبقة الوسطى المتوسطة والطبقة المتوسطة الدنيا، هاتان الطبقتان رفعتا شعارات طبقة اجتماعية تتعلق بالعدالة الاجتماعية، لذا كان شعار الجميع هو إحداث تغيير يحقق الحرية والعدالة الاجتماعية.
· هل ما حدث يوم 25 يناير الماضى يرقى إلى مستوى الثورة أم لا؟
* * جرى العرف على وجود صعوبة فى توصيف ما يحدث بدقة فى وقته، فالأمر يترك بعض الوقت كى الظروف نفسها أو نتائج ما حدث هى التى تدلنا بدقة عن طبيعة ما حدث، بمعنى أن هناك ما يعرف بهياكل القوى التى إذا حدث لها تغيير جذرى، هنا نستطيع أن نطلق على ما حدث ثورة أما دون ذلك أى إذا لم يحدث تغيير جذرى أو كان هناك تغيير جزئى فيمكن القول إنها انتفاضة أو حركة…
والمقصود بهياكل القوى: نوع الطبقة الحاكمة وقدرتها على السيطرة على الموقف، النمط الاقتصادى أو البنية الاقتصادية القائمة هل تم تغييرها كلياً بعد أن فشل اقتصاد السوق، نمط التفكير أو البنية الثقافية: هل هى ثقافة ذات طبيعة أبوية أو طبيعة عشائرية، هل هناك رجوع إلى الانتماءات الأولية مثل عودة الأقباط إلى الكنيسة لحل مشكلاتهم أم أن الدولة الجديدة أو المرحلة الجديدة تستطيع أن تؤمن حقوقهم باعتبارهم مصريين بغض النظر عن الدين؟ فاللجوء إلى القنوات المدنية وليس الرجوع إلى الطائفة أو القبيلة أو العشيرة فى الصعيد فهذه كلها معايير الدولة الحديثة فعلى سبيل المثال، تجاوز الترقيات كنوع من الظلم بسبب العقيدة المسيحية، فهل الدولة لديها من الضمانات بحيث عند رفع قضية ينال المظلوم حقه. فهل نحن عبرنا إلى ما يمكن تسميته بالدولة الحديثة بحدوث تغيير جذرى أم لا؟ إذ حدث هذا التغيير الجذرى فيمكن أن نطلق على ما حدث ثورة.
· ما دور شباب الأقباط فى ما حدث يوم 25 يناير؟
* * كما أسلفنا منذ قليل أن الشباب القبطى شأنه شأن الشباب المصرى، مشاركاً فيما حدث من حراك ليس على أساس دينى أو مذهبى ولكن على أساس اجتماعى وسياسى، فنجد أن من قيادات الشباب الذين ظهروا أثناء الحراك وبعده عدد من القيادات المسيحية، هذه القيادات تحركوا بدوافع اجتماعية سياسية، وهذا يؤكد أن فكرة الحضور فى الحياة العامة يعتمد على الرؤى والمصالح التى ترى كيف يكون التغيير، لذلك وجدنا أن هناك من الشباب الذين قادوا هذا الحراك مسيحيون، فالذى دفع الشباب مسلم أو مسيحى نفس النوازع أو الدوافع، والشباب الذين لهم انتماءات اجتماعية دنيا من المسلمين شأن ذات المسيحيين يطالبون بالعدل الاجتماعى، والشهداء الذين استشهدوا سواء فى الأيام الأولى للحراك الشبابى أو يوم الأربعاء الدامى 2 فبراير وصل عددهم حتى وقتنا هذا ثمانية من الأقباط، وهنا لابد أن نفرق بين رؤيتين: رؤية ترى أن الأقباط تتحرك ككتلة، ورؤية أخرى ترى أن الأقباط يتحركون وفقاً لرؤى تسعى للتغيير وهو ما حدث يوم 25 يناير.
ويكمل سمير مرقس: عندما طرحت يوم الأربعاء 9 فبراير فكرة الاحتفال بشهداء كنيسة القديسين بالإسكندرية ضمن تظاهرات التحرير كانت تحمل دلالة رمزية وهى أن هؤلاء ليس فقط شهداء مسيحيون بل أنهم مصريون وطنيون ينبغى الاحتفاء بهم كشهداء ملك الوطن كله وليس ملك فئة بعينها. إن ما حدث فى الإسكندرية جزء من الحركة الوطنية والنضالية وخاصة بعد أن تسربت بعض المعلومات من جهاز المخابرات البريطانية عن تورط بعض عناصر من الأمن المصرى فى تفجير حادث الإسكندرية. أى تعرض بعض المصريين لمساوئ النظام غير المقبول والفاسد… لقد وجدنا فى التحرير كيف أن الحاضرين ألاف من المصريين (مسلمين ومسيحيين)، ومن المتكلمين من الطرفين وجدنا مشاعر فياضة وشعارات وهتافات تؤكد أن الحركة النضالية التى يتحرك فيها المصريون من أجل حياة أفضل لا يوجد فرق بين مصرى وآخر، فكلنا فى شوق إلى عدالة اجتماعية ومساواة كاملة بغض النظر عن الدين والمذهب، والجنس، والثروة، والمكانة، والعمر، واللون… أى بغض النظر عن كل أشكال التمييز.
· ما حدث من إبهار فى تجسد العلاقة بين المسلمين والأقباط فى ميدان التحرير- هل هذا يعبر عن حالة مؤقتة أم تنبع من صميم الشعب المصرى؟
* * هذه هى طبيعة اللحظة التى يحدث بها نوع من أنواع التوحد بين الناس، بمعنى أنه فى لحظة ما تجتمع الرغبات فى التغيير… أننا تحملنا الكثير وقد زاد الفساد عن الحد الطبيعى الذى يمكن للمجتمع أن يتعايش معه، فاذا كانت كل المجتمعات بها فساد فأن هناك فرقاً بين فساد مقبول وفساد آخر لا يمكن قبوله أو التعايش معه لانه يولد عدم مساواة وعدم عدل بين البشر وأشياء أخرى كثيرة كأن يصل الفساد إلى ظاهرة أن تباع الأراضى المصرية بلا معايير وبلا ضوابط أى بالبخس، تزاوج السلطة برأس المال حيث يستغل من فى السلطة موقعه ليستفيد هو وعائلته، مما يحدث ذلك كله من توحد بين المواطنين على اختلافاتهم اتجاه ما يجرى، تواصل بين المصريين فى لحظة واحدة: من يعانى ومن لا يعانى، أولاد وبنات أى المشهد الذى رأيناه…
رأينا المشهد بالتحرير وتجليات أخرى له فى كل المحافظات يؤكد أن ما حدث لا يمكن السكوت عنه أو التعايش معه، إذن الواقع يؤكد أن الأزمات لا تفرق…
قبل 25 يناير عند معالجتنا لملف التوتر الدينى كنت من التيار الذى يميل لفكرة أن البشر فى مصر عل اختلاف أديانهم هناك ما يجمعهم اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً هناك خلاف فى الدين، فهذا الخلاف الدينى أو التوتر الدينى كان يغطى على التوافق بين المصريين من المسلمين والمسيحيين اجتماعياً واقتصادياً… كنا نقول عملياً هل طابور الخبز يفرق بين المسلم والمسيحى؟ أيضاً مشكلة المرور يعانى منها المصرى المسلم والمصرى المسيحى.
إذن هناك مساحة كبيرة من المعاناة (الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية) تجمع بين المصريين بالرغم من أختلاف الدين، لذلك فى لحظة ما عندما زادت المعاناه عن الحد الطبيعى، تحرك المصريون كمصريين فى مواجهة هذه المعاناة، وهذا أمر طبيعى سبق وتكرر فى تاريخنا، ومن الأمثلة على ذلك: عندما استدان الخديو إسماعيل بشكل تجاوز الحدود الطبيعية، دخلت مصر فى أزمة، فكان مجلس شورى النواب بما يضم من أعضاء مسلمين ومسيحيين هم الذين واجهوا هذه المشكلة، أيضاً فى مواجهة الاحتلال البريطانى وفى تطلعهم إلى الاستقلال الوطنى وقفوا جنباً إلى جنب فى ثورة 1919، وفى تطلعهم إلى بناء مصر المستقلة اقتصادياً… كانوا معاً فى بناء مصر فى الحقبة الناصرية ذلك إنه سادت آنذاك ثقافة البناء المشترك المستقل اقتصادياً (ثقافة السد العالى) فكانت عائلاتنا قديماً مسلمين ومسيحيين تسعى لتعليم أولادها سيما دراسة الهندسة للتوظيف بالسد العالى والمشاركة فى بناء مصر.
مثال آخر : حرب أكتوبر عام 1973، نجد فؤاد عزيز غالى، واللواء باقى سليمان الذى أذاب خط بارليف الترابى، لقد جمعت هذه الحرب بين الشهيد أحمد حمدى والشهيد شفيق مترى سدراك، ونقرأ أيضاً عن غريب وشنودة من مقاتلى الصاعقة واحد منهما يحمل أخاه بعد أن أصيب.
· وماذا عن دور الأقباط فى الثورات السابقة؟
* * كان حضور الأقباط موجوداً بشكل واضح فى ثورة 1919 ومنهم: مكرم عبيد، سينوت حنا، فخرى عبد النور، ويصا واصف وغيرهم ممن رافقوا الزعيم سعد زغلول، ومنهم من كان أحد الأعمدة الرئيسية فى التفاوض مع الانجليز، وآخرون تم نفيهم مع سعد زغلول أو مع مصطفى النحاس باشا، وكانوا جميعاً أركاناً رئيسية فى تكوين الحزب… أما عن ثورة يوليو 1952، حقيقة لم يكن هناك أقباط فى تنظيم الضباط الأحرار، إلا أنهم كانوا موجودين فى بناء الحقبة الناصرية سواء على المستوى السياسى كطبقة وسطى شاركت فى الحضور السياسى أو فى بناء مصر من حيث الحضور المهنى مهندسون، أطباء، قضاة…، ذلك أن المرحلة الناصرية لم يكن بها أحزاب سياسية سوى التنظيم السياسى الواحد، وقد زاد حضور الأقباط فى الحياة الثقافية بشكل عام ففى الأدب والفن: الفريد فرج، يوسف الشارونى، يوسف جوهر، المخرج السينمائى كمال عطية، إدوار الخراط، د. ميلاد حنا، د. رشدى سعيد، د. أنور عبد الملك، وفى الفلسفة: د. زكريا إبراهيم، بالإضافة إلى د. وليم سليمان قلادة وكيل مجلس الدولة، والصحفى أبو سيف يوسف سكرتير الحزب الشيوعى علماً بأن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر.
· تم تشكيل لجنة من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة تضم نخبة من فقهاء القانون لتعديل بعض مواد الدستور… فما رأيك فى هذه التعديلات؟
* * أظن أن التعديلات لا يوجد خلاف عليها من قبل كل القوى الوطنية المصرية فى مصر، لأنها مواد فى صورتها الحالية تميل إلى أن يكون الحاكم مطلقاً وحكمه ممتداً أو مؤيداً، وعليه فأن التعديلات ضرورية لتقييد سلطة الحاكم لأنه ليس من المعقول إنه بعد أن دخلتا القرن الحادى والعشرين وإحدى عشر سنة- أن يكون هناك مادة دستورية تتحدث عن مدد مفتوحة للحكم بالنسبة للحاكم، وبالتالى فإن واحدة من مظاهر الدولة الحديثة هو أن الحاكم من حقه أن يرشح نفسه مدتين بحد أقصى ويتم تغييره ويتم تدوال السلطة فهذه ملامح الدولة الحديثة… إذن لا توجد مشكلة فى الموقف من التعديلات الدستورية فى هذا الإطار.
· كيف نستفيد من الشباب فى المرحلة القادمة؟
* * لابد من حضور الشباب فى الفترة القادمة فى كل الهياكل الإدارية المختلفة وفى شتى المجالات، ولابد من تراجع النظرة الأبوية للشباب بأنهم غير مسئولين وتابعين، أننا اكتشفنا أن الثقافة المعاصرة قادرة على أن تسلحهم بالمعرفة المطلوبة وبالجرأة والمغامرة وأثبتت أن لديهم قدرات ذهنية وحركية تلك التى تجلت فى الحركة الأخيرة فلابد إذن من حضورهم بقوة فى العصر الجديد.
· ما تصورك فى المرحلة القادمة؟
* * أتصور إنه من الأهمية بمكان الاستفادة مما حدث وأطلقه الشباب فى 25 يناير بأن مصر الشابة لابد لها من رؤية وتصور جديدين لما يجب أن يكون عليه وإطلاق حوار واسع حول هذا الأمر وكيفية بناء دولة حديثة مصرية عصرية يتم فيها استيعاب ما أطلقته حركة الشباب، دولة تكون ملامحها قائمة على إعمال القانون وأن الجميع واحد أمام هذا القانون، دولة تقوم على مؤسسات حديثة ذات ثقافة معاصرة، ولا تكون العلاقات بين المواطنين على أساس الانتماءات الأولية وإنما على أساس رابطة المواطنة، على توطيد التكنولوجيا واللحاق بالعصر، على نموذج تنموى يعتمد على العدل الاجتماعى والرفاهة فى آن واحد أو ما يعرف بدولة الرفاهة التنموية بالشكل الذى اختبرته ونجحت فيه كل من البرازيل والهند على سبيل المثال مؤخراً، وهى تعتمد على فكرة توفير الرفاهة للمواطن ولكن فى إطار تنموى بمعنى اقتصاد متقدم ويحقق العدل للجميع… أظن أن هذه هى الدولة التى يجب أن نعمل عليها فى ضوء ما حققه هؤلاء الشباب والشهداء الذين دفعوا ثمن هذه الحركة فى محاولة منهم لوقف ما طاله نظامنا السياسى من ترهل وفساد وعدم قدرة على تلبية احتياجات المواطنين بكل انصاف ومواكبة العصر أو عدم القدرة على اللحاق بالعصر.
—
س.س
6 نوفمبر 2011