##مرحبا بكم في تركيا الجديدة: اقتصاد قوي وسياسة خارجية قوية علي الأقل حتي 2020##.
في الخمسينيات مرت ألمانيا بعقد من النمو الاقتصادي المعزز والمعروف باسم (المعجزة الاقتصادية) التي حولت الدولة إلي قوة أوربية عظمي. ومنذ 2002 وتركيا تمر بمعجزتها الاقتصادية التي استمرت عشرة أعوام مما وضع أنقرة في موضع القوة المهيمنة بين جيرانها.
والسياسة الخارجية الجديدة لتركيا مثلما هي متجذرة علي نحو كبير في المعجزة الاقتصادية التركية فهي متجذرة كذلك في تحول الدولة تحت حكم حزب العدالة والتنمية منذ .2002 وفوق هذا فإنه في ظل المواءمة شبه المثالية للأوضاع الراهنة, نجد أن الموقف الديموجرافي لتركيا واستقرارها السياسي كلاهما يؤكد أن المعجزة الاقتصادية التركية يمكن أن تستمر حتي 2020 علي الأقل مما يغذي تقديم أنقرة نفسها علي أنها قوة إقليمية.
ومنذ 2002 والاقتصاد التركي قد زاد حجمه علي الضعف فوصل إلي 1.1 تريليون دولار. وبوصفها بالفعل أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط فإن تركيا يمكن أن تنافس أسبانيا وإيطاليا لتكون أكبر اقتصاد في منطقة البحر المتوسط.
وثمة عامل رئيسي يشرح هذا النمو هو ##النافذة الديموجرافية##: وهي الفرصة السانحة التي لا تقابلها كل دولة إلا مرة واحدة في تاريخها.
فبعد أن عاشت الدولة نموا سكانيا نضجت نسبة سكانها من اليافعين في النهاية إلي درجة أن أغلبية السكان يقعون بين الفئة العمرية من 15 إلي 64 وتلك ظاهرة معروفة باسم ##النافذة الديموجرافية## وهي التي تؤدي إلي الإبداع والحراك. وشريطة أن تتوفر حوكمة جيدة فإنها أيضا تفرز نموا اقتصاديا معجزا.
فدول مثل كوريا الجنوبية قد مرت مؤخرا بهذه ##النافذة الديموجرافية## واستفادت من النمو الاقتصادي المصاحب لها بمعدلات مذهلة.
والآن يجيء دور تركيا. فتوقعات اتحاد رجال الأعمال والصناعة الأتراك تؤكد أن تركيا قد قطعت نصف الطريق عبر نافذتها الديموجرافية حيث يترجح أن تظل غالبية سكانها في الفئة العمرية المنتجة من 15 إلي 64 حتي عام .2020 ومن هنا كانت معجزة 2002-2020 الاقتصادية التركية.
وبالطبع فإن النافذة الديموجرافية وحدها لا يمكن أن تبرر النمو الاقتصادي السنوي بنسبة من 6 إلي 8 بالمائة الذي شهدته تركيا خلال العقد الماضي. فالحوكمة الرشيدة هي بيت القصيد.
وبداية فإنه لما بدأ الاقتصاد التركي ينهار في 2000-2001 أثناء أسوا أزمة اقتصادية لتركيا في التاريخ الحديث قام الاقتصاديون المحنكون بقيادة كمال ديرفيس وزير الدولة للشؤون الاقتصادية في ذلك الوقت بتطهير القطع المالي مما فيه من فساد, وهذا إنما هو مثال واحد علي الحوكمة الرشيدة. ونتيجة لذلك أضحت البنوك التركية قوية بما يكفي للنجاة من الانصهار المالي الذي اكتسح الكرة الأرضية في 2008 كما لو كان تسونامي. وقد ساعدت السياسات الاقتصادية السديدة والحوكمة الرشيدة لحزب العدالة والتنمية أيضا في هذا الصدد. وفي الحقيقة فإن هذين العاملين ربما قد جسرا الفجوة بين النافذة الديموجرافية لتركيا ومعجزتها الاقتصادية.
ثم إن هناك حقيقة وهي أن النظام السياسي التركي يفرز استقرارا عندما تهيمن عليه حكومة حزب واحد. وعلي النقيض, فإن الدولة تمر بتقلصات اقتصادية عندما تحكمها حكومة ائتلافية. وهذا لأن المجتمع التركي مثله مثل بعض الدول الأخري يميل إلي تحاشي الترتيب الطبقي الواحد للعمالة (وتلك ضرورة لإيجاد حكومات ائتلافية ناجحة) لصالح التقسيم التراتبي الذي يشجع حكومات الحزب الواحد.
وتاريخيا واجهت تركيا دوما انصهارا سياسيا واقتصاديا خلال فترات حكم الحكومات الائتلافية كما كان الحال في السبعينيات والتسعينيات وهو الارتباط الذي يتضح جليا عند مقارنته بعقود الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي في الخمسينيات والتسعينيات وفترة حكم الحزب الواحد المتمثل في حزب العدالة والتنمية.
وأخيرا فإن إعادة توجيه تركيا لسياستها الخارجية في العقد الماضي بعيدا عن أوربا وباتجاه الشرق الأوسط قد أثمرت نفعا وذلك بالسماح للدولة بالنجاة من آثار التقلبات في الاقتصاديات المتقدمة منذ .2008 ومثلما تحولت سياستها الخارجية نحو الشرق الأوسط تحولت تجارة تركيا أيضا إليه. وقبل أن يأتي حزب العدالة والتنمية إلي السلطة كانت 53 بالمائة من تجارة تركيا مع أوروبا. وأما اليوم فقد هبطت تلك النسبة إلي 42 بالمائة. وبالمقارنة فإن تجارة تركيا مع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد زادت من 13 بالمائة في 2002 إلي 26 بالمائة اليوم, وهي آخذة في الصعود.
ومرحبا بكم مع المعجزة الاقتصادية التركية وتركيا الجديدة: اقتصاد قوي وسياسة خارجية قوية علي الأقل حتي .2020
سونر جاغابتاي مدير برنامج الأبحاث التركية بمعهد واشنطن
معهد واشنطن