اجتاحت مظاهرات الشباب القبطي الغاضب شوارع القاهرة عقب أحداث الإسكندرية الدامية فبدأت في شوارع حي شبرا ثم انتقلت إلي مقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية, وعلي مدار الأيام الماضية اندلعت المظاهرات في أماكن متفرقة وتفاوتت أعداد المتظاهرين من الحركات الوطنية وغيرها ثم تزايدت بعد انضمام المئات من الشباب المسيحي الغاضب إليها ففي الكاتدرائية كان الغضب علي أشده حتي لجأ الوزراء الذين التقوا البابا شنودة مساء أمس في المقر البابوي بالكاتدرائية بالعباسية, للعزاء في ضحايا حادث الإسكندرية الإرهابي للخروج من الباب الخلفي للكاتدرائية خوفا من مواجهة المتظاهرين الأقباط.
أما في شبرا فقد أجبر الشباب قوات الأمن -في سابقة هي الأولي من نوعها- علي السماح لهم بالسير والتظاهر السلمي في شوارع شبرا عندما وصلت إلي موقع المظاهرة في دوران شبرا وجدت شابا ممسكا بخشبتين متعانقتين صانعا منهما صليبا.. صارخا فين حق الأقباط وتحول الشارع إلي كتلة من الهتافات النارية التي قطعت الطريق في شارع شبرا علي المارة تماما, حتي ممر الراعي الصالح, ويبدو أن اللواء المسئول عن الأمن بالمظاهرة تفهم مشاعر الغضب التي تتحكم في نفوس الشباب فدخل منضما إلي المظاهرة في صمت وسمح للجميع بالسير والتظاهر والهتاف حتي قرروا الدخول إلي شارع مسرة متجهين إلي كنيسة السيدة العذراء بمسرة.
وصل المتظاهرون أمام كنيسة السيدة العذراء بمسرة وكانت أبوابها مغلقة هاتفين في صوت هز ارجاء المنطقة بالروح بالدم نفديك ياصليب.. وكان عددهم قد تضاعف حتي وصل إلي ما يقرب من ألف شاب وفتاة إذ إن كل من كان مارا بالمصادفة انضم إلي المظاهرة كما انضمت بعض الفتيات والسيدات اللائي كن يحملن أطفالهن وهو مشهد غير مسبوق في مثل هذه المظاهرات.. ترك المتظاهرون كنيسة العذراء قاصدين شارع رمسيس.. سار الأمن معهم حتي نفق أحمد بدوي وهناك تم عمل كردون أمني حول البعض منهم حتي لا يخرجوا من نفق شبرا.. والمدهش إنه كلما سيطر الأمن علي مجموعة نبتت أخري علي الفور خارج الكردون.
مضت المظاهرة في اتجاه جزيرة بدران قاصدين كنيسة مارجرجس وهناك تغير نوع الهتاف بعد انضمام بعض الشباب من المسلمين إلي المظاهرة فهتف أحمد قائلا: اسمي مينا وأخويا حسين شعب واحد مش شعبين كلنا واحد مسلم ومسيحي واحد.. استمر الهتاف ما يقرب من ساعة كاملة أمام كنيسة مارجرجس.. بعدها منع الأمن الشباب من الخروج إلي شارع شبرا الرئيسي فاضطروا للنفاذ من حواري وأزقة جزيرة بدران.. وهناك زاروا كل الكنائس القائمة بالمنطقة وأمام كل كنيسة كانوا يقفون هاتفين بهتافاتهم ثم يرحلون إلي أخري حتي عادوا إلي كنيسة السيدة العذراء بمسرة وخرجوا من هناك إلي شارع شبرا مرة أخري.
من ناحية أخري, ترددت شائعات غير صحيحة عن أن هناك ضربا متبادلا بين المتظاهرين وقوات الأمن خلال التظاهر في شوارع شبرا.
مرت المظاهرات أمام بيت يتيمات جمعية الكرمة ففوجئنا بالفتيات الصغيرات تعتلين حديد شبابيك البيت وتهتفن مع المظاهرة حق القبطي فين.
خلال التظاهر في منطقة شيكولاني تصادف مرور القس بيجول راعي كنيسة عزبة النخل مع المتظاهرين, الذي أوقف الشباب الغاضب محاولا السيطرة عليهم فدعاهم إلي الصلاة وصلي في الشارع الصلاة الربانية أبانا الذي في السموات.. وردد الآلاف من الشباب الصلاة وراءه وقد طالب القس المتظاهرين الالتزام السلمي وعدم ترديد هتافات مسيئة ضد المسئولين وعم توجيه أية إساءة, لأنه لا يليق بأولادها قول مثل هذا السباب.
يوم آخر من التظاهرات
اشتعلت المظاهرات في حي شبرا في يوم جديد ولكن بشكل مختلف تلك المرة إذ تصادف مرور المظاهرة وارتكازها أمام إحدي العمارات التي تحت البناء بناصية شارع مدرسة التوفيقية.. انتهز بعض الصبية -حسب تصريحات شهود العيان- الفرصة وألقوا بالطوب المتاح أمامهم من تلك العمارة علي المظاهرة.. تصور المتظاهرون أن الأمن يقذفهم بالحجارة فثاروا ثورة شديدة.
أخذ القس بيشوي ومعه القس يوحنا والقس فيلوباتير والقس كارس من كنيسة العذراء بمسرة في تهدئة الشباب الثائر بعدما استنجد الأمن بهم بعد فشله في السيطرة علي غضب الشباب وتبادل الضرب معه.. ثم قطعوا الطريق علي سيارات الأمن المركزي التي تواجدت بالشارع فصنعوا دروعا بشرية بجوار بعضهم البعض وقطعوا الطرق وفتشوها سيارة سيارة للتأكد من خلوها من أي شاب قد يكون الأمن اعتقله أثناء التظاهر.
قائمة الكنائس المستهدفة تضليلية
سامح عاشور النائب الأول للحزب الناصري ورئيس هيئة الدفاع في قضية نجع حمادي يقول: الحادث فظيع وفوق طاقة احتمال كل المواطنين سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين, ونحن مقدرون انفعال وغضب الشباب لكن لا نريد الاندفاع الذي يمكن أن يفقدنا حقنا ولابد أن نفعل أمرين أولهما: أن نبتعد عن الحوارات المتوترة بين المتطرفين من كلا الطرفين, ثانيهما: ألا ننظر لحادث كنيسة القديسين علي أنه محض حادث طائفي لنستطيع تعقب وتتبع من فعله وأخشي جدا أن تكون القائة المنشورة علي الإنترنت بأسماء كنائب بعينها قائمة تضليلية لينتبه الأمن لأسماء بعينها وينصرف عن سائر الكنائس التي قد تكون هي المستهدفة فعلا في المرحلة المقبلة.
ويسترسل عاشور قائلا كان لابد من إقامة احتفالات عيد الميلاد في مقار النقابات والأحزاب لتكون الحماية شعبية وليست أمنية ويحمي المسلمون إخوانهم المسيحيين ويعلم الجناة أنهم بذلك يقتلون الجميع واقترح عقد مؤتمر وطني تحت رعاية رئيس الجمهورية يضم الكنيسة والأحزاب والنقابات وصناع القرار للنظر في التشريعات القائمة علي التمييز والخروج بتوصيات لإلغائها فورا حتي نضمن مستقبلا آمنا.
عن قضية نجع حمادي يقول عاشور: الحكم يوم 16 وأعتقد أن حادث الإسكندرية سوف يكون له تأثير قوي خاصة بعدما ألغت المحكمة صفة الترصد وتركت سبق الإصرار فقط والاثنين يمكن أن يصلا بالجاني لحكم الإعدام لمن يقومون بتلك الأفعال.
علينا أن نسعي لاسترداد مصر
سيد فتحي مدير مؤسسة الهلالي للحريات والناشط الحقوقي يقول: المسئولية الأولي في تلك الكارثة تقع علي عاتق الأجهزة المسئولة والتي سمحت بتنظيم وخروج مظاهرات معدة سلفا بالتنسيق والتوالي علي مدار خمسة أسابيع متتالية في القاهرة أمام جامع الفتح وفي الإسكندرية أمام جامع القائد إبراهيم تهاجم الأقباط وقداسة البابا شنودة وتردد شعارات طائفية تحض علي الكراهية وإهانة الرموز الدينية المسيحية, ثم تلي ذلك التعامل الأمني الغليظ مع حادث العمرانية والاعتقال العشوائي للشباب وعدم توفر ضمانات التحقيق العادل ومصادرة حق الشباب المعتقل في حضور محامين مدافعين عنهم.
الشئ الإيجابي الوحيد فيما حدث هو حالة الاستياء العام التي انتابت المسلمين والتي تعكس أن الشعور الطائفي لا ينسحب علي جميع المسلمين بل أننا جميعا علي استعداد تام لحضور صلاة العيد في الكنائس ليلة عيد الميلاد.
لابد من البدء فورا في إلغاء كافة التشريعات التي تتضمن تمييزا علي أساس الدين كما ينبغي إتاحة الفرصة لقادة التنوير في مصر من أجل صياغة مشروع تنويري ثقافي للمجتمع علي أسس ديمقراطية ويتوازي ذلك مع سحب الملف القبطي من أجهزة الأمن وتسليمه لجهة علي قدر من الاستقلال وتتسم بالفهم وكذلك إدارته مجتمعيا في سياق من الأفكار التقدمية.