الحياة السياسية في مصر عبارة عن مسرحية تثير سخرية كل من يقترب من معرفة تفاصيلها, كل شخص فيها يؤدي الدور المرسوم له, وفي النهاية كافة المؤسسات في تقديري لا تشارك بأكثر من 10% في صناعة القرار السياسي, أما ال 90% الباقية فهي من صنع عدة أفراد ملتفين حول مؤسسة الرئاسة بالتعاون الوثيق مع الأجهزة الأمنية.
الأحزاب السياسية هياكل خاوية من صنع النظام لزوم الديكور السياسي والديموقراطي أمام العالم الخارجي, ومفيش مانع تمتص جزء من الغضب والحماس السياسي وتمارس بعض النشاط غير الضار, ولكنها إذا حاولت أن تخرج عن الدور المرسوم لها بدقة يقف النظام وعساكره لها بالمرصاد إما بتخريب الحزب من الداخل أو بوضعه في خانة الأعداء. شرعية الاحزاب نفسها مشكوك فيها , فهي إما نشأت بقرار من الرئيس أو بموافقة لجنة الأحزاب التي يرأسها أمين عام الحزب الوطني الديموقراطي, ولهذا أتعجب عندما يشكك رئيس حزب في شرعية النظام في حين أنه يستمد شرعيته من هذا النظام, ولهذا فإن الأحزاب حصلت علي شرعيتها لمساندة النظام وتقوية شرعيته الداخلية والخارجية, وإذا خرجت عن هذا الخط تكون أخلت بالإتفاق وفقدت مبررات وجودها من وجهة نظر النظام.
أيضا هذه الأحزاب التي يتحدث بعضها عن الدولة المدنية وخلافه هي عندما حصلت علي رخصتها وافقت علي الثوابت التي يتبناها النظام في قانونه لإنشاء الأحزاب السياسية, وهذه الثوابت تشمل النظام الجمهوري وعروبة مصر والمادة الثانية من الدستور.
الاحزاب إذن قبلت أن تكون توابع للنظام تحصل علي الفتات الذي يتعطف به الحزب الحاكم عليها, ولا أمل لها مطلقا في أن تصبح أحزاب أغلبية, ولا أمل لها في انتخابات نزيهة, ولا حرية لها لكي تلتحم بالشارع, وليس لها خيار المعارضة الحقيقية, وبعضها لا يحصل حتي علي مجرد مقعد واحد في البرلمان ويقبل أن يعين رئيس الحزب بقرار من رئيس الحزب الحاكم وهو من المفروض أن يكون حزبا منافسا, ولا يحق لها إلا المعارضة بسقف محدد وفي المسائل الرمادية,ومصادر تمويلها محدودة أو شبه معدومة وتحصل علي مبلغ ضئيل كتمويل رسمي من الدولة لا يصلح حتي لمصروفات مقر واحد, ومن ينتمي إلي هذه الاحزاب يصنف علي أنه معارضة ويحرم من ميزات الإنتماء إلي الحزب الحاكم بدون أي أمل أن يحصل هذا المواطن في يوم من الأيام علي ميزات حزب الأغلبية لأنه محكوم أن يبقي أقلية إلي أجل غير مسمي.
هذا عن الاحزاب فماذا عن المجلس التشريعي؟.
هل البرلمان يقوم بدوره المنوط به وهو التشريع؟, الإجابة لا. دوره فقط الموافقة مع إبداء الرأي بتعديلات طفيفة علي قوانين طبخت في لجنة السياسات أو لجنة حكومية مشابهة. هل يقوم البرلمان بتعديلات جوهرية علي الميزانية العامة للدولة؟.الإجابة لا. هل يعلم البرلمان أي شئ عن ميزانيات مؤسسات سيادية؟.الإجابة لا. هل يستطيع البرلمان إنشاء لجان تحقيق خاصة ومستقلة بالتحقيق في مسائل سيادية أو مع رئيس الدولة كما حدث مثلا مع بيل كلينتون؟.الإجابة لا.هل هناك فصل حقيقي بين السلطات؟. الإجابة لا.
هل يستطيع مواطن تنفيذ حكم قضائي لصالحه في مواجهة جهة سيادية؟ الإجابة هذا إن حدث في مرات نادرة وحكم لصالح هذا المواطن فإنه لا يستطيع تنفيذ الحكم.
هذه صورة كئيبة ولكنها غير مبالغ فيها,إنها أقل من الواقع المصري بكثير, وهي صورة لما يحدث في كثير من الأنظمة المستبدة حول العالم.
هذا هو التفسير للسلبية التي يتهم بها الشارع المصري. هي ليست سلبية منزوعة الأسباب ولكنها تنطلق من قراءة المواطن لواقعه ومعرفته لسقف تحركاته.
ورغم كل هذه السلبيات نتمني علي الأغلبية الصامتة أن تتحرك حتي لا تترك الساحة للنظام الحاكم ومعه جماعة دينية منظمة يلعبون لعبة القط والفأر معا, فهذا المشهد الكئيب سيجعل المزايدات الدينية بينهما تنتهي بتحويل مصر إلي دولة دينية مكتملة الأركان.