عرض شديد التميز يستضيفه المتحف البريطاني في لندن تحت عنوان ## رحلة ما بعد الموت… كتاب الموتي في مصر القديمة##, ابتداء من 4 نوفمبر لهذا العام حتي 6 مارس من العام القادم.
ويقدم المعرض مجموعات نادرة من كتب الموتي المنسوخة علي ورق البردي, والتي كانت توضع في صورة لفائف مع المومياء داخل التابوت.
وبالإضافة لكتب الموتي, يشتمل المعرض علي توابيت وأقنعة جنائزية وتماثيل وقطع مجوهرات, كلها تربطها علاقة بالفكرة الأساسية للعرض.
وليس المقصود من عبارة ## كتاب الموتي## أن هناك كتابا موحدا, ولكن وجدت تنويعات مختلفة, كلها تصب في فكرة واحدة, وهي توفير مرشد مصور تستعين به الروح لتقود خطواتها في رحلة ما بعد الموت. ولذا يتضمن كتاب الموتي تمائم ورقي وتعاويذ سحرية, مع بعض الصلوات والتراتيل, بالإضافة إلي النصائح والإرشادات, بل والحيل الضرورية للتغلب علي العقبات والمخاطر خلال هذه الرحلة, ولاجتياز المحكمة الرهيبة المنعقدة أمام الآلهة بنجاح, تمهيدا للاستمتاع بالحياة الأبدية.
ومن أهم الأمثلة المعروضة, بردية## آني## التي ترجع إلي حوالي 1275 قبل الميلاد, وبردية ##هونفر##, وبردية ##جرين فيلد## الخاصة بإبنة كاهن عالي المنزلة, وهي أطول بردية في العالم, حيث يصل طولها إلي 37 مترا.
وتشتمل كتب الموتي علي صور رائعة بألوان خلابة, تصور مشاهد من خطوات محاكمة الميت في حضرة اثنين وأربعين إلها, ووقوفه أمام أوزيريس, ملك العالم السفلي وقاضي الموتي, ووضع قلبه في كفة ميزان يقف أمامها الوحش الخرافي متربصا لالتهامه إذا لم ترجح كفته في مقابل ريشة ماعت (إلهة العدالة), ومشاهد من الفردوس الذي تصوره المصري القديم.
ويختلف كتاب الموتي تبعا لقدرة الشخص المادية ومركزه الأدبي; فينما يمكن للأثرياء والكبراء تكليف كاتب ماهر بنسخ كتاب للموتي شامل جامع, وشخصي, نجد أن متوسط الحال يضطر إلي استخدام نموذج جاهز, تترك فبه خانة اسم المتوفي فارغة, بحيث يمكن لمن يشتريه أن يضع اسمه عليه, ويستخدمه ككتاب موتي خاص به. أما الفقير الذي لم يكن في مقدوره دفع أجر ناسخ, أو حتي شراء النموذج الجاهز, فإنه كان يكتفي بأقل القليل من الرقي والتمائم, وليس أمامه غير الاعتماد علي نفسه في مواجهة المجهول.
وقبل ظهور كتب الموتي المنسوخة علي ورق البردي, كانت نصوص مشابهة تكتب علي جدران أهرامات الملوك, وعلي توابيت ولفائف أكفان كبار القوم.
وقد نجح المتحف البريطاني, بإمكانياته الضخمة, في تقديم هذا العرض بطريقة مبهرة; فهو يأخذك في رحلة سحرية تتعرف فيها علي مفهوم المصري القديم لفكرة الموت, واهتمامه بالحياة الأخري, وسعيه إلي الأبدية.
ومن أكثر النواحي إثارة للاهتمام, تصور المصري القديم للجنة; فهي لم تكن في نظره مكانا غريبا مسحورا, بل كانت النسخة المثالية لعالمه الأرضي المعتاد. حقول خضراء مترامية, ومجاري مياه لازوردية. مكان جميل خصيب, يجتمع فيه الشخص مع أهله وأحبائه, ينعمون بحياة أبدية خالية من الأوجاع والهموم, وحافلة بالنعم والبركات.
هذا المعرض يعد فرصة نادرة لرؤية كتب الموتي المعروضة مجتمعة في مكان واحد. فبعضها استعاره المتحف البريطاني من متاحف عالمية أخري, ورغم أن البعض الآخر ملك للمتحف, فإنه نظرا لهشاشة أوراق البردي الثمينة تلك, وتأثرها بالإضاءة, فإنه حفاظا عليها, لا يمكن عرضها بصورة مستديمة.
Lailafarid@ btopenworld.cpm