جاء قرار إعادة اللواء عادل لبيب إلي محافظة قنا نزولا علي رغبة الشارع المصري هناك لاسيما بعد ما أثبتته التجربة السابقة لهذا الاختيار من نجاح في فترة عمل عادل لبيب محافظا لقنا من قبل, قوبل هذا القرار بترحيب كبير من الشعب بفئاته المختلفة (مسلمين ومسيحيين) في هذه البقعة من أرض مصر… هنا أعود بالزمن وتعود بي الذاكرة لما حدث في قنا منذ أكثر من ثلاثة شهور تقريبا… تحية لثورة شعب مصر المجيدة… تحية لشهدائها الأبرار وشبابها الأطهار.. نعم لحرية التعبير عن الرأي وحق التظاهر السلمي المشروع ولا للمساس بالوحدة الوطنية ولتكريس الطائفية الجغرافية…
هذه بعض من الأفكار والمباديء التي تضمنها بيان أدباء قنا الذي صدر عن نادي أدب قنا برئاسة الشعار فتحي عبد السميع, وذلك بشأن الاحتجاج علي اللواء عماد شحاتة محافظا لقنا.
وأضاف البيان -الذي تلقت وطني نسخة منه: شعب قنا يرفض المساس بالوحد الوطنية, ومظاهر ذلك كثيرة آخرها: التفاف شباب قنا المسلم حول الكنيسة للتنديد بأي عدوان علي مسيحي تحت أي مسمي, والتأكيد علي أن احتجاجات قنا لم تكن تخص طائفة بعينها, فقد شارك فيها المسيحي والمسلم سواء كان منتميا لتيار ديني معين من عدمه, ورفض الأدباء وضع أحداث قنا في اتجاة القبلية مع التأكيد علي أن القبلية لا دخل لها بالأمر, فلا يوجد من يتحدث باسم قبيلة في أحداث قنا, أيضا هناك رفض لتكريس الطائفية الجغرافية, ودعا الأدباء رئيس مجلس وزارة الثورة لمراجعة مخصصات المحافظات البعيدة جغرافيا, للتأكد من مهزلة تهميشها وعمق جذور الطائفية الجغرافية التي تشكل خطرا كبيرا علي مصر وإن كان كافيا حتي الآن وإذا كان أدباء قنا يؤكدون علي أن ما حدث في قنا لا يشكل خطرا علي الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين, لأن هذا المكان تحديدا يعد نموذجا للعلاقات الطيبة بين العنصرين فإنني كمواطنة وأديبة مصرية دعوني أعود بذاكرة التاريخ إلي بدايات القرن الماضي لنقرأ معا هذه الصفحة الناصعة عن قنا… عن التلميذ والأستاذ أو عن وليم مكرم عبيد وسعد زغلول الذي رأي فيه شخصية متفردة أفرزت أثرا في توحيد صفوف الأقباط والمسلمين في ميدان العمل السياسي والنضال من أجل استقلال مصر ولرؤيته المبكرة لدور مصر في المجال العربي…
ومنذ انضمام مكرم عبيد إلي هيئة الوفد أصبح زميلا لسعد زغلول في الجهاد والنفي والتشريد من أجل مصر, لقد أحبه سعد ووثق به إليه حتي جعل منه ابنا له فكان يقول: إن مكرم ابنه البكر, وبعد عودة مكرم مع سعد زغلول من المنفي في سيشل عام 1923 جرت الانتخابات لأول مجلس نواب, فانتخب مكرم عبيد عن دائرة قنا (مسقط رأسه) بالتزكية ولم يستطع أي كبير فيها أن يفكر في مناقشة ابن سعد, فكانت قنا بهذا المثال من أهم الأماكن التي قدمت المساندة الشعبية.
ودعمت وجود مكرم عبيد المسيحي في السلطة ولم يكن هناك من يرشح نفسه أمام مكرم عبيد احتراما ومحبة له وإيمانا بمبدأ الكفاءة بغض النظر عن الدين وعلي الرغم من أنه كان يقيم في القاهرة.
هكذا كانت طبيعة الأمور.. وهكذا كانت قنا في أوائل القرن العشرين.. فماذا عن قنا في أوائل القرن الحادي والعشرين..؟ سؤال تحتاج الإجابة عليه إلي دراسة حالة لواقع المجتمع المصري وما طرأ عليه من تغييرات جوهرية خلال عقد من الزمان…
[email protected]