منذ أن بدأت أتحسس طريقي في هذا العالم الكوني الفسيح,وجدت نفسي دون قصد أو ترتيب أعشق الكائنات الحية من حولي فتارة ترهف أذناي علي صوت عصفور يغرد,وتارة ثانية أبتهج حتي تطلعت عيناي لقرد يقفز ويلهو مع صغاره,فإذ به يحمل الواحد منهم تلو الآخر فوق ظهره مداعبا وبجواره الأم الرؤوم تلقم هؤلاء ثدييها..ولن أكون مبالغة عندما يبكي فؤادي تألما علي هزة غلبها الجوع أو البرد.
وأصدقكم القول…إنني لم أجد تفسيرا لهذا الخيط الخفي الذي يجذبني تجاه هذه المخلوقات التي هي أيضا من صنع الله…وما أبدع ما صنع الله الأبدي السرمدي,وأجدني أعلل هذا الشعور الدفين…فأتساءل:هل ذلك مرده إلي بذرة الحياة التي تربيت عليها منذ الصغر,حيث عهدت أبا وأما يمتلآن حبا وحنانا؟أم أن التصاقي بالروحانيات قراءة وفكرا هو الذي دفعني لهذا التعاطف القوي مع هذه الكائنات؟أولا تكون فطرتي التي جبلتي الرب عليها منذ كنت في رحم أمي؟أم…قد يكون هذا كله اعتمل تلقائيا داخلي…ربما,لست أدري فالحقيقة وحدها يعلمها الله الذي يكشف مكان الأشياء وخبايا الصدور.
قارئ العزيز:
قد تتساءل:ماشأنك أنت بهذه أو تلك,فأجيبك علي الفور:إنني لا أريد أن أفرض عليك فيضا شعوريا خاصا بي أو رأيا محددا أدافع عنه بل إنك حاضر عندي فيما أكتب,وما تقرؤه هنا ما هو إلا حديث النفس إلي النفس بصوت عال لنري واقعنا الحقيقي في مرايا ضمائرنا وعقولنا علنا نضع أيدينا علي بعض من علله ونصل معا إلي مكمن الداء..وما هو الدواء؟إن نظرة واحدة إلي عالم الحيوان اليوم وما آل إليه من شقاء تجعلنا نعيد التفكير في أمور عديدة…
*إذا كنا نؤمن بأن عصر العبودية ولي وانقضي,فلماذا نخص الإنسان وحده بهذا العتق ونصر علي كون الطيور والحيوانات أسري أقفاص تضيق حتي عن فطرتهم الغريزية التي أوجدهم الله عليها؟علينا أن نعترف بأنه إذا كنا نعيش عصر السماوات المفتوحة,فلابد أن نؤمن بعصر الغابات المفتوحة…وهنا أدعوك لأن تحتسي فنجانا من الشاي في حديقة الحيوان بالجيزة وأثق أنك لن تستمع بشئ من الشراب أو الطعام حيث تري الإهمال يخيم علي الطبيعة هناك,فيقد جمال الأشجار والممرات التي يتجول بها الزأئرون,والأسوأ حالا المعاملة الفظة التي تلقاها الحيوانات من حراسها والتي يصدرونها للصغار..أي مكان للمتعة هذا؟
*أمر آخر استوقفني يوما ما عندما كانت عربة البوليس تطلق الرصاص علي الكلاب الضالة في الشوارع علي رأي وسمع من الصغار والكبار,بهدف حماية الإنسان والبيئة!فتسقط صرعي في التو واللخطة,ويكون موتها بهذه الطريقة ثمنا لتسلط الإنسان علي كائن ضعيف لا حول له ولا قوة..فهي لا توجد وسيلة أخري لهذه الحماية؟
*هناك مشهد رهيب شاءت الظروف أن أحياه عن قرب,ذلك إنني رأيت صبيا يقوم بقتل صغار القطط خنقا وقد انبسطت أساريره وعلا صوته بالضحك غير عابئ بموائهم للاستغاثة!يا لرحمة السماء…من عالم هذا الصغير القتل؟وكيف يكون القتل سلوكا يبعث علي السعادة!!
والسؤال الآن..ممن تجئ هذه الأفعال جميعها؟هذه الأفعال الخالية من الرحمة والضمير؟منا نحن أهل الشرق الذين نتشدق بحياة الروحانيات والتفاني لاستمطار المراحم الإلهية…إنها حقا لملهاة للأخطاء..