إذا كان فعل الكتابة يمثل لصاحبه جهدا مضنيا -سيما إن جاء من القلب فإن هذا الجهد يتعاظم ليصبح فعل الكتابة عبئا ومسئولية يضطلع بها كاتب الأطفال,ذلك حين نكتب للطفل فنحن في الحقيقة نشكل الإناء الذي قد يكون للكرامة أو للهوان,لذلك فإن وسائل الإعلام لها دور كبير في التأثير علي الأطفال…والحديث هنا يتناول الصحافة تحديدا…
لقد أصبح من غير الممكن أن ينجذب طفلك للرسوم والألوان أو إقناعه بحدوتة قبل النوم وما إلي ذلك من أساليب الجذب والتعامل التي كانت تسود من قبل…بل أصبح فكر الطفل بحاجة إلي نوع آخر من الإشباع علينا جميعا أن نوفره…
ولعل مجتمعنا اليوم في أمس الحاجة إلي غرس فكر المواطنة وقيم الحب والإخاء في نفوس أطفالنا والمواطنة-في أبسط تعريفاتها:الانتماء للوطن والانفتاح علي الآخر الشريك في هذا الوطن دون النظر لفروق الدين والجنس…هذا عن المواطنة…أما عن سبب غرسها وتعميقها لدي الإنسان منذ النشأة الأولي…فلأن هؤلاء هم صناع الغد وبعد غد…إن نظرة إلي جيل الستينيات وما أفرزته تلك الحقبة من مواهب عظيمة في شتي المجالات تجعلنا نقنع بل نؤمن بمدي أهمية المناخ الذي يولد وينشأ فيه المرء…فنهضة الستينيات الثقافية في مجالات المسرح والسينما والأدب أفرزت جيلا متميزا ينأي عن البغضاء والتعصب..
وتأتي صحافة الأطفال لتكون لبنة في هذا البناء العظيم…ويستحضرني هنا النهج الذي اتبعه الشاعر الكبير أحمد زرزور في مجلةقطر النديمنذ أن تولي مهمة تأسيس هذه المجلة وصدور عددها الأول في1995/6/15 وحتي العدد الأخير في ظل رئاسته للتحرير والذي صدر في أول مارس هذا العام.
لقد عمق زرزور فكرة المواطنة لدي أطفالنا فجاءت بمثابة مجلة فكرية تخاطب عقول هذه السن الحرجة,وسبق لي أن كتبت علي هذه الصفحة من قبل رأيا بعنوان قلب واحدلماذا؟حيث ذلك القلب الذي يجمع المسلمين والمسيحيين علي فضيلة أو معني إنساني سام فتناول ذلك الباب-فيما تناول-معاني السلام والخير من خلال الكتب المقدسة الخاصة بالديانات الثلاث:اليهودية والمسيحية والإسلام,لتقول إن معين الديانات علي اختلافها ملئ بقيم التسامح والحق والجمال التي ترفع الإنسان- أي إنسان-إلي السمو بغرائزه والسعي إلي إعمال الحب ونشر السلام…
كتب أحمد زرزور فيما كتب تحت عنوانمسك الختاممن يحب مصر,يحب كل إنسان يحيا علي أرضها,وهذا الحب يقوم علي مبدأ أساسي وهو احترام حق كل إنسان في الاختلاف عنا,سواء في لون بشرته أو لون أفكاره,نعم فالأفكار لها ألوان أيضا,لكنها ليست الألوان المعروفة فألوان الأفكار هي وجهات النظر المبنية علي الثقافات التي اكتبسها الإنسان من مجتمعه,وكذلك العقائد الدينية التي ورثناها عن أجدادنا عبر الزمن,لهذا فإن الحب يعني احترام الآخرين بكل ثقافاتهم وآرائهم وعقائدهم الدينية,وخاصة عندما يضمنا وطن واحد نساهم جميعا في نهضته وتقدمه…
تحية إليقطر النديذلك الاسم الذي اختاره الشاعر أحمد زرزور عنوانا للمجلة لإنصاف الطفلة المصرية من التجاهل حيث كانت أسماء مجلات الأطفال المصرية والعربية تحمل أسماء ذكورية,وتحية إلي أحمد زرزور الإنسان والشاعر الذي يعد واحدا من مخلصي هذا الزمان محمد كرسوا أقلامهم لقيم ومعاني النبل والإنسانية.