أثارت مخلفات المستشفيات خاصة الخطرة منها ضجة خلال الأسابيع الأخيرة, خاصة بعد ما كشفت حملات التفتيش البيئي علي مستشفيات جامعة القاهرة ,ومستشفي عين شمس التخصصي وهما من أكبر المستشفيات الجامعية, عن جرائم تعد في القانون جنايات وهي التخلص من المخلفات عن طريق متعهدين يخلطون الخطر بغير الخطر, وتدخل تلك المخلفات في عمليات التدوير وتصل لأيدي المواطنين علي شكل ملاعق وشوك بلاستيكية أو لعب أطفال,وهكذا تنشر الأمراض والمؤسف أن المخالفات استمرت لفترات طويلة حملت أطنانا هائلة من المخلفات الخطرة للمجتمع,والمشكلة الحقيقية أن المسئولين في المستشفيات من طاقم التمريض لايعلمون مدي خطورة تلك المخلفات ولاحتي سبل التعامل الآمن معها, ومن هنا تبدأ المأساة فهذه ممرضة تروي مأساتها فتقول:
أصبت بانهيار عصبي بعد معرفتي بإصابتي بفيروس سي-C-تناوبت الظنون علي عقلي فلم يتم نقل دم لي ولم أخض أية عملية جراحية ولم أزر طبيب الأسنان في حياتي..فمن أين جاءني هذا الفيروس؟لحظة…فإني أعمل ممرضة بمستشفي حكومي, حيث أقوم بفرز المخلفات هذا هو السبب الوحيد المتبقي لإصابتي بهذا الفيروس..كيف سأكمل حياتي؟..كيف سأؤدي مهام وظيفتي دون أن ألحق الأذي بالمرضي..كيف يمكنني أن أقترب من زوجي وأولادي دون أن تنتقل لهم العدوي؟
تلك مأساة سيدة أصابها المرض بسبب عدم الالتزام بالقوانين في التعامل مع المخلفات سواء قبل المعالجة أو بعدها أو أثنائها.بل ومأساة العديد من المواطنين الذين قد لا يعلمون شيئا عن إصابتهم في ظل تردي منظومة التخلص الآمن من المخلفات الطبية في مصر وتنفق الدولة أموالا طائلة علي علاج الأمراض الفيروسية التي تنتشر بين المصابين جراء التعامل مع تلك المخلفات بشكل مباشر أو غير مباشر, فما دور التفتيش البيئي؟وكيف تتم معالجة هذه المخلفات, وما الاحتياطات التي يجب مراعاتها عند التعامل مع مخلفات المستشفيات؟يجيب علي هذه التساؤلات التحقيق التالي:
تحدثنا إلي د. هدي زرقانة رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للصحة والبيئة وعضو مجلس إدارة جهاز شئون البيئة التي أكدت قائلة:إننا في أمس الحاجة للاهتمام بالمخلفات الخطرة والتخلص منها بشكل آمن, خاصة بعد ارتفاع نسبة تفشي الأمراض الفيروسية بشكل مرعب مثل فيروسات C,B,الإيدز.
أنواع المخلفات الطبية
أما عن أنواع مخلفات الرعاية الصحية, فمنها ما هو خطر ومنها غير الخطر والذي يشبه المخلفات المنزلية أما الخطر والذي تسبب الأمراض السابق ذكرها فمنه المخلفات الباثولوجية لأجزاء من أعضاء الجسم -أكياس الدم,الإبر والسنون والآلات الحادة,والمخلفات الصيدلانية المستعملة والمنتهية الصلاحية,وأيضا المخلفات السامة للجينات مثل مخلفات العلاج الكيماوي للأورام ومخلفات معامل التحاليل والمطهرات ومخلفات الأوعية تحت الضغط عبوات الأيروسولات القابلة للانفجار لو أحرقت,وأخيرا المخلفات التي تحتوي علي كميات عالية من المعادن الثقيلة مثلالبطاريات-الترمومترات المكسورة,أجهزة قياس الضغط المشعة.
بالنسبة للطرق المستخدمة حاليا للتعامل مع المخلفات فتختلف طبقا لنوعية المخلفات, فلكل مادة صفاتها الفيزيائية التي تحتم التعامل معها بطرق محددة فمثلا الحقن وأجهزة الوريد يتم عزل الجزء البلاستيك ويوضع بأكياس كبيرة ليأخذها العاملون بتدوير البلاستيك, حيث يعاد تصنيعها أما الأبر والأجزاء المعدنية الخاصة بغرفة العمليات فيتم وضعها في وعاء معدني وتحرق لدرجة الانصهار ويتم الحرق بمحرقة المستشفي. يتبقي بقايا غرفة العمليات وهي تنقسم لنوعين: الأول مخلفات القطن والشاش الملوث بالدم, حيث توضع في وعاء حاويكونتينرلتحرق, أما النوع الثاني وهو المناشف التي يعاد استخدامها بعد غسلها بمغسلة المستشفي والتي يجب أن تخضع لرقابة شديدة أما بالنسبلة للأنسجة المبتورة, فيتم التعامل معها من خلال الحرق المغلق بمحرقة المستشفي تحت درجة حرارة تتراوح ما بين 700,600درجة مئوية, ثم يتم دفن بقايا الحرق بطريقة صحيحة,ولكن هل يتم العمل والالتزام بكل ماسبق؟!!
التدريب حل مؤقت
المؤسف أن التعامل مع المخلفات يتم بطرق يدوية في كل مرحلة, فيرتفع احتمالات الخطأ قائمة كما أن التعامل مع المخلفات يتوقف علي نظام المستشفي ومسئولية القائمين علي المعالجة ومستوي كفائتهم المهنية وبالنسبة إلي الكفاءة فالمقوم الرئيسي لهما التأهيل والمثير للقلق وجود نسبة كبيرة جدا من فريق التمريض غير مؤهلة بل وتفتقر إلي الكفاءة والمعلومة الصحيحة بالإضافة لعدم وجود أنظمة رقابة محكمة علي عملية التخلص من المخلفات والعل السريع هو توعية وتدريب فريق التمريض بالأسس العلمية الصحيحة, من خلال دورات تدريبية شاملة لكن يقف التمويل حائلا دون تنفيذ الفكرة, فوزارة الصحة تبرر عدم قيامها بالتمويل بمحدودية مواردها أما وزارة البيئة فمواردها متقلصة ويبقي الأمل في رجال الأعمال والجمعيات الأهلية لتمويل تلك الحملة التدريبية والحد من انتشار الأمراض لذلك نوجه لهم الدعوة.
توجهنا لوزارة الصحة لسؤال المسئولين بها عن مشكلة التمويل وطلبنا من الدكتور عمرو قنديل رئيس إدارة مكافحة العدوي مرارا إحاطتنا بمعلومات عن مدي قيامهم بتدريب فريق التمريض, خاصة الذي يتعامل بشكل مباشر مع المخلفات, ولكنه رفض مجرد التعقيب علي تساؤلاتنا وبعد أيام قليلة بدأت نتائج حملات التفتيش البيئي في إظهار كم هائل من المخلفات في هذا المجال.
حاولنا معرفة وإذا كان يتم تدريب الممرضات أم لا.فتحدثنا إلي نسمة أحمد الممرضة بأحد المستشفيات الحكومية ببني سويف, فأشارت إلي أنه لم يتم تدريبها منذ حوالي خمس سنوات بعد تخرجها من دبلوم التمريض.وإنما فقط يتم تدريبها أثناء الإجازات الصيفية التالية لسنوات دراستها في المعهد وكان التدريب علي كيفية التعامل داخل غرفة العمليات والتخلص من الحقن والمشارط, أما مايخص التعامل داخل الغرف المخصصة لجمع المخلفات وفرزها ومعالجتها فلم يذكر أحد شيئا عنه,كما أنه لا يوجد تخلص أساسا من المخلفات الخطرة أو القمامة داخل المستشفي بالحرق ولا بالتعقيم, وإنما مايحدث هو قيام الممرضات بإعطاء المخلفات التي تم جمعها للمتعهد ليحرقها بمعرفته خارج المستشفي. في هذا الصدد أعلنت منظمة الصحة العالمية علي موقعها الإلكتروني أن عدد المصابين في مصر بفيروس c وصل إلي 7%, في حين صرح مصدر بوزارة الصحة بأن نسبة المصابين بفيروس سي من مقدمي الرعاية الصحيةممرضون-أطباء-طلاب كلية الطببلغت 7.7% وعندما ننسب هذه النسبة لما أعلنته منظمة الصحة العالمية -نجد أن الأرقام بها تناقض شديد فمن المنطقي ارتفاع النسبة بالإصابة بين مقدمي الرعاية الصحية وليس العكس, فلماذا نخفي دائما الحقائق, فمثلا في بريطانيا فإن خطورة الوخز بالإبر في مقدمي الرعاية الصحية تصل النسبة المئوية فيها مابين 12%-40% وفي طاقم التمريض في السعودية وصلت إلي 86.8%إصابة بالأمراض الفيروسية.
التفتيش البيئي
عن دور التفتيش البيئي يقول اللواء عاطف يعقوب مستشار وزير البيئة للتفتيش البيئي خلال الفترة الأخيرة تم ضبط 43 طنا من المخلفات الخطرة الناجمة عن المستشفيات وكانت مؤهلة للدخول في الصناعات البلاستيكية,يحصل عليها المتعهدون من خلال تسهيلات القائمين علي المخلفات بالمستشفيات,فيضع القائمون أكياس المخلفات الخطرة,والمفترض لونها أحمر,يضعونها في أكياس سوداء مثل أكياس القمامة حتي يحملها المتعهد.دون التعرض للمساءلة ويخرج بها من المستشفي أمنا,وبالطبع يكون قد حصل علي ثروة ببيعها لتجار البلاستيك غير عالم أنه حامل الموت لنفسه وللمجتمع ,وللأسف يأتي ذلك بسبب ثغرات في أنظمة التتبع في المستشفيات فلا توجد بها رقابة كافية رغم أن قانون البيئة رادع في هذا الأمر ويقضي بغرامة ما بين 10 آلاف و20 ألف جنيه علي المنشأة المخالفة وحبس سنة للمسئول .
للوقوف علي طبيعة الأمر وسبل التخلص التقينا الدكتور جهاد أبو العطا نائب مدير مستشفيات جامعة القاهرة وقال:
تنتج مستشفياتنا الجامعية ما بين 5-7 أطنان في اليوم مخلفات 20% منها خطر حتي يمكن تتبع سيرهحوالي طن مخلفات خطريحتاج الأمر لعدد هائل من المراقبين ونظم تسجيل وتكويد,افتقرنا إليها في الفترة السابقة وبدأنا حاليا إعدادها ,كما أجرينا التحقيقات مع المسئولين ولم نتوصل للمتسبب في تسريب المخلفات الخطرة للمتعهد والتي كان من المفترض أنه لايمكن أن نصل لنظام محكم بنسبة 100%
والسؤال هنا: متي سنصل لنظام آمن يكون هو القاعدة والفساد هو الاستثناء حتي نؤمن للمجتمع صحته؟.