يقدم القصصي الإنجليزي كوبر هيل في قصة هدية العيدالتي نشرتها وطني في أوائل الستينيات عندما كانت تخطو سنواتها الأولي-فكرة المخلص الذي يحيا بيننا علي الدوام ويعطينا من نبعه الحنان, ذلك العطاء الذي يرتبط وفقا لتصور الكاتببليلة الميلاد-ميلاد السيد المسيح المخلص الأوحد..فماذا حدث في تلك الليلة؟
يحكي بطل القصةيعمل صحفيامن إحدي الليالي قبيل ليلة عيد الميلادحيث يتجول البشر لشراء لوازم العيد غير عابئين بالرياح المثلوجة والبرد الهاطل والصقيع الذي يجلد الدم في العروق,يومئذ كان يطوف في حي المتاجر مستمتعا بالمباهج والزينات التي كانت ترفل فيها واجهات العرض..هناك رآها لأول مرة واقفة ساهمة أمام إحدي الواجهات ترجف من البرد إذ كانت بلا معطف يقي جسمها النحيل من آلام الزمهرير..ولما لم يستطع أن يستدرجها في الحوار عمد إلي حيلة معينة,حيث طلب منها أن تساعده في شراء معطف يهديه لزوجته في عيد الميلاد,وبعد إلحاح وافقت وسألته عن قوام زوجته,فأجابها:
تشبهك أنت بل مطابقة لك مطابقة عجيبة لون الشعر..لون العينين..القدم..القامة..قسمات الوجه..
قالت:ر ذن لو اخترت معطفا علي قدي..
فتلقف عبارتها في لهفة صادرة من الأعماق قائلا:
وهو عين الصواب وغاية المراد
ثم سألته عن الثمن الملائم والصنف المناسب…
قال لها:الحقيقة يا آنسة إني لا أعرف شيئا من هذا,فرجائي أن تعولي علي فطنتك وذوقك,ثم تنهي إلي رأيك في أنسب ثمن لأنسب معطف…
وقد كان أن اهتدت الفتاة إلي معطفلقطةعلي حد تعبيرها فطلب منها أن ترتديه ليري هندامه فلما لبسته قال لها:إنه تحفة رائعة..هذا اشتريته لك..إنه هدية من سانتا كلوز.
ثم اختفي غير مبال بصيحاتها في إثره حتي بلعه الزحام…لكنه ظل يفكر ..ماذا عساها فعلت؟
لذلك توجه نحو المتجر ليستطلع الأمر,فما أن رآه الحارس المعهود حتي هرول نحوه وأخبره بأسفه بأنه لم يرسل له المعطف الذي اشتراه حتي تلك الساعة لأنه لم يترك له عنوانا..
فقال له في هشة:ولكنني أخذته معي..وفي عبارة موجزة روي له قصةالمعطفمما جعل الحارس يتعجب ويستنكر ما حدث من صاحب المتجر الذي طرد الفتاةتنسيونبتهمة الخيانة,حيث ضبطت متلبسة ترتدي المعطف,ولم يستمع إلي توسلاتها لتوضح له الحقيقة.
هنا انزعج بطلنا,وهداه تفكيره إلي الذهاب إلي تنيسون بعد أن عرف عنوانها من المتجر-ليجدها في بيت أشبه بدهليز فيه سرير هزيل وكرسيان متداعيان..وحكت له ماحدث
قال في لهجة تفيض ندما:رأيتك واقفة بلا معطف وكنت تنتفضين من البرد..سامحيني لقد أضعت عليك وظيفتك وأنه لذنب لا أغتفره لنفسي…
وتمضي بنا القصة في هذا الحوار..ليسمح لي القاريء:
يقول الكاتب:وشجعتني ابتسامتها الراضية وروحها السمحة علي أن أسألها:
وكيف تنوين أن تمضي عيد الميلاد..؟
فغابت ابتسامتها وراء سحابة رقيقة من حزن مكبوت وقالت:علي خير مايرام.
قلت:أما أنا فلا..ولكنني أرجو أن يكون عيد الميلاد القادم…ولم تواتني الشجاعة علي الإفصاح بما في خاطري فغيرت مجري الكلام ,قائلا:أستميحك عذرا يا سيدتي..لقد أعربت لي يومئذ عن إعجابك بالمعطف ..فها هوذا..أتسمحين بقبوله؟,ناولته لها إذ كنت أحمله معي في ربطة مغلقة .
وفجأة تجهم وجهها واضطربت مقلتاها ورأيتها تتراجع إلي الوراء صوبالبابوقبل أن أنبس ببنت شفة قالت لي في حزم لا تنقصه الصرامة:أما قلت لي إنك كنت تشتريه لزوجتك؟
فقلت لها وأنا ألتقط أنفاسي: سيدتي..كانت هذه أمنية سألت الله يوم عرفتك أن يحققها علي يديك..فهل أطمع في ذلك؟..
وقد حققتها لي حس تنيسون..وباركتها السماء..
وبعد:إن كلا من البطل والبطلة قد أرسله الله للآخر في الزمن المناسب وهذا هو الله المخلص..
شجرة عيد الميلاد المقدسة
نأتي إلي النموذج الثاني,قصة شجرة عيد الميلاد المقدسةلأديب روسيا العظيمفيدور دوستويفسكيوالتي ترجمتها الدكتورة نادية البنهاوي,وفيها يعطينا المؤلف نموذجا آخر لفكرة الخلاص الذي قد ننتظره في ليلة رأس السنة..فهي وإن كانت تجسد لنا الطفولة المعذبة,إلا أنها ترينا كيف تمنح في النهاية نوعا مختلفا من المكافأة وإذا كانت قصةهدية الميلادتنتهي بالسعادة الأرضية,فإن قصة شجرة عيد الميلاد المقدسةتأخذنا إلي العالم الآخر,حيث الخلاص بنوال السعادة الأبدية التي لن تفني..كيف؟
الزمان:ليلة عيد الميلاد.
المكان:بطرسبرج-عاصمة روسيا آنذاك.
الحدث:يتخيل المؤلف هذه القصة.
طفل يبلغ من العمر ست سنوات يجتمع عليه الصقيع القاسي مع الفقر والوحدة والظلام,وترقد أمه المريضة منذ يومين علي سرير مصنوع من ألواح الخشب..كم كان يتوق إلي كسرة خبز..فلم يجد..نفخ في أصابعه ليدفئهما..وبهدوء خرج خارجا إلي الشارع..كان شارعا واسعا عريضا وعلي جانبيه يصيح الجميع وهم يتسابقون في الجري,وفي قيادة العربات..كانت هناك أيضا نافذة ضخمة من الزجاج,ومن خلال النافذة كان طفلنا يري شجرة تصل إلي السقف,إنها شجرة التنوب تحمل فوقها العديد من الأنوار ودمي وأحصنة صغيرة جمع حصانوكان يوجد أطفال يرتدون أفخر الملابس يضحكون ويلعبون..يأكلون ويشربون شيئا ما..وبينما هو يستمتع بكل هذا بدأ يبكي,لأن أصابع يديه وقدميه تؤلمه..في ذات اللحظة عينها رأي شجرة عيد الميلاد وفوقها فطائر حمراء وصفراء تقوم سيدات متأنقات بمنحها لأي إنسان يتوجه ناحيتهن,دخل عدد كبير من الرجال والنساء,وتسلل الطفل بينهم إلا أنهن صرخن في وجهه ولوحن بأيديهن للرجوع..جري وهو خائف ومازال ينفخ في أصابعه ..حتي وصل إلي بوابة فناء ما وجلس وراء كومة من الخشب,قائلا لنفسه: لن يعثروا علي هنا…
جلس رابضا ومن شدة الخوف لم يكن قادرا علي التنفس وفي الحال,وعلي حين فجأة تماما,شعر بأنه في قمة السعادة…توقفت آلام يديه وقدميه وأصبحت دافئة للغاية,وكأنه كان يجلس فوق موقد,عندئذ ارتجف جسده كله,وانتفض فجأة متسائلا:لماذا كان ينبغي عليه أن يكون نائما,كم هو لذيذ أن ينام هنا! سأجلس هنا قليلا ثم أذهب وأشاهد الدمي ثانية..هكذا قال الصبي وابتسم وهو يفكر فيهاتماما كما كانت حية!وفجأة سمع صوت أمه تغني فوق رأسة,أمي..أمي أنا هنا سعيد جدا..ثم همس صوت رقيق فوق رأسه
تعال إلي شجرتي أيها الصغير
اعتقد أولا أنها أمه,لكنه اكتشف أن شخصا ما انحني فوقه واحتضنه في الظلام وسط يديه له,وسرعان ما رأي ضوءا غريبا وقويا,ثم أحاط به صبيه وبنات صغيرات مشرقون ومضيئون,ورفرف الجميع حوله وأخذوه ورفعوه معهم إلي أعلي,وكان هو نفسه يطير ورأي أمه تنظر إليه بفرح: فقال لها:أمي..أمي..كم هو مبهج أن أكون أنا هنا..وقبل الأطفال وسألهم: من أنتم أيها الأولاد؟من أنتن أيتها البنات؟
أجابوه:هذه شجرة ليلة عيد الميلاد يمنحها الله من أجل الأطفال الذين لايملكون شجرة خاصة بهم,واكتشف الطفل أن جميع هؤلاء الأطفال كانوا مثلة تماما,وأن بعضهم كان يجلس عند عتبات منازل أثرياء المدينةبطة سبرجوآخرون بملجأ للقطار,وآخرون قد ماتوا في عربات قطار الدرجة الثالثة بسبب الجو الخانق,كانوا جميعا كملائكة..وعلي الجانب الآخر وقفت أمهات هؤلاء الأطفال يبكين كل أم تعرفت علي ولدها أو بنتها,واندفع الأطفال نحوهن وقبلوهن ومسحوا دموعهن بأيديهم الصغيرة,ورجوهن ألا يبكين لأنهم كانوا في غاية السعادة…وفي الصباح:وجد الحارس في الطابق السفلي جسد الطفل الصغير المتجمد ميتا فوق كومة الخشب,كما وجدوا أن أمه قد ماتت قبله فتقابلا أمام الله في السماء..
يالها من نهاية سعيدة…