عندما نتحدث عن الثقافة، فنحن لا نقصد فقط أدوات العلم والمعرفة وكيفية إعمال العقل وبنائه… بل نتجاوز هذا وذاك ليتسع مفهوم الثقافة فيتضمن: لغة التخاطب… الوجدان… السلوك… أدوات الحوار… التواصل بين البشر… التأثر والتأثير… من هنا، فإن ما يحدث على الساحة اليوم يعود بدلالته إلى الأمس، حيث غياب الثقافة التى يقع على عاتقها تشكيل الفكر والوجدان، أيضاً انعزال المثقفين عن قضايا مجتمعنا، أما قهراً من السلطة والنظام التالف، أو اختياراً حيث الألتفاف حول الذات…
ومن هذا المنبر الأعلامى وفى ظل المرحلة الفارقة التى تمر بها البلاد، نبعث بهذه الرسالة إلى المثقفين على أختلاف تياراتهم الفكرية: متى وكيف يصل صناع الفكر للجمهور؟ ماذا عن الأدوات التى تستقطب الشباب وتجندهم للعمل سعياً للنهوض؟ هل من حلقات تأثير ليصبح هؤلاء الشباب سفراء للشارع المصرى…
يجب أن يتسم النقاش العام بالأرشاد والعقلانية فالسائد الآن ممارسة العنف اللفظى والتحريض على العنف ومن يفعل ذلك لا يتنصل من المسئولية عن أعمال العنف التى وقعت والتى ستقع ،فمصر فى هذه المرحلة لا يمكن أن تنهض إلا بالتوافق بين جميع التيارات وليس بالتنافس فالتوافق الآن أساسى لصنع عمل سياسى منضبط
رؤية نقدية
وقد ذكر المفكر الكبير د. السيد يس مستشار مركز الدراسات السياسية فى الأهرام خلال اللقاء الذى تم بهيئة الكتاب المثقف هو الشخص الذى يهتم بالشأن العام برؤية نقدية ،وثورة 25 يناير هى ثورة فريدة فى التاريخ وما كان يطوف فى خيالنا أن تقوم الثورة وأن تُسقط الرئيس فى أسبوعين ، وكان أقصى طموحنا ثورة جياع ولكن لا نتصور أن مجموعة الشباب الذين قاموا بالثورة يستطيعون القيام بثورة بهذا الحجم وكانت الميادين الثورية فى الجمهورية كلها وأرتفع الشعار الشهير ” الشعب يريد إسقاط النظام” وإسقاط النظام معناه الحقيقى إسقاط السياسة المنحرفة فى النظام السابق السياسية والأجتماعية ،وعن الناشط السياسى قال :لابد أن نعيد النظر فى الفكر السياسى والأجتماعى وقد قام طموح الشباب فى الثورة على مبدأين أساسين المشاركة فى إتخاذ القرار والمبدأ الثانى هو مراقبة تنفيذ القرار ، وهذه أول ثورة لا يتولى الحكم فيها الثوار ولكنهم أستخدموا ميدان التحرير ليصروا على المشاركة فى إتخاذ القرار ومراقبته.
أدوار مختلفة
شارك فى اللقاء أيضاً د. عمرو حمزاوى أستاذ العلوم السياسية والناشط السياسى ،ود. سيف الدين عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية وقال عمرو حمزاوى : الأدوار المختلفة التى يقوم بها الناشط السياسى على أختلاف الخلفيات ظاهرة فريدة فى المشهد السياسى المصرى فهناك قطاع كبير من المشاركين فى المشهد السياسى المصرى، وفى الأغلب هم شباب متوسطى العمر، وهناك مجموعة من التكنوقراط القريبين من منظمات الدولة والوزراة الحالية هى وزارة تكنوقراط بأمتياز بإستثناء عدد قليل ، ولحظة التغيير التى تمر بها مصر هى لحظة فيها المساحات بين المجالات المختلفة التى تشكل الوعى العام للمصريين أوسع من السياسة والتركيز على تعريف المثقف بالأهتمام بالشأن العام هى المعيار الأفضل للحديث عما يدور، وهذه المسألة الأولى ، أما الثانية على الرغم من الثورة والتغيير فقد قمت بعمل رصد على مانشتات الصحف الرئيسية قبل الثورة وبعدها ووجدت أن قبل الثورة كانت المانشتات الرئيسية للصحف على الرئيس السابق ، وبعد الثورة مازلنا مع 70 %على الرئيس السابق وما يفعل به لا زلنا فى نقاشنا العام نتحدث عن الماضى وليس المستقبل مانشتات الصحف لم يتغير موضوعها مع أختلاف السياق ، ولم يتغير شئ عن اليوم التالى ل 12 فبراير وأضاف حمزاوى : لا يوجد طرحاً كافياً لكيفية الحديث عن المستقبل وهيكلة المؤسسات وتغيير الصورة والواقع السياسى ،وحالة البلبلة تأتى من أفتقادنا للتفاصيل ، وآليات التغيير وجدول زمنى لتنفيذ ما نريده وتساءل حمزاوى هل هذه وظيفة المجلس العسكرى أو الحكومة أو الأحزاب؟ وأجاب لا ،وهذه هى مسئولية المثقف أو المهتم بالشأن العام وهذه اللحظة الفارقة التى تعيشها مصر هناك خمسة مضامين أساسية لابد من توافرها فى المهتم بالشأن العام إزاء الجماهير، أولاً : الترشيد والعقلنة بمعنى إضفاء شئ من الرشاد والعقلانية على الشأن العام وعليه أن يقف فى وجه الكثير من الغوغائية الموجودة بشكل كبير الآن وهناك مثالين على ذلك الأول التعامل مع المحاكمة لرموز النظام السابق بداية بالرئيس ونجليه وحتى المساعدين وبالرغم من أن هذا أول كان ما طالبنا به ولكننا طلبنا المحاكمة بشكل طبيعى أى المحاكمة أمام القاضى الطبيعى ولا يتدخل الرأى العام بإصدار أحكام مسبقة، وهذه مسألة بلغت بها الغوغائية عنان السماء إلى الحد الذى يجعل البعض ينسى وضع المواد فوق الدستورية ، والبعض يحرض الرأي العام بتضخيم الأمر وأنها ليست محاكمة حقيقية، والمثال الثانى وصف حالة هؤلاء ممن هم نزلاء الآن فى سجن طرة والمعاملة التى تفوق الشكل الطبيعى وفى لجنة حقوق الأنسان لتقصى الحقائق وجدنا الأمر يسير بشكل طبيعى، وكذلك النقاش العام الدائر حول دور القوات المسلحة وأكد حمزاوى رفضه إحالة المدنيين إلى المحكمة العسكرية وقال أنها مسالة غير مقبولة ولكن هل نحن الآن نستطيع أن نقول أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يلعب دوراً داعماً للثورة أم ضدها وإجابتى أن المجلس يعمل بشكل منضبط ويهدف حماية الثورة وأول شئ تحقيق الديمقراطية ، ولا أرضى بالتشكيك الموجود فى الرأى العام.
وتابع حمزاوى المضمون الثانى هو التركيز على الأولويات وإذا لم يحدث ذلك يمكن أن تسير الأمور إلى عكس ما نريد ونعود إلى الوراء ويجب أن نسأل هل هناك حديث حقيقى على محطات الأنتقال إلى الدولة التى نريدها أو برامج حقيقية للأحزاب تعرض على الجماهير؟ أجاب أرى أن التركيز كله على قضايا تصنع الأستقطاب من خلال هذه الثنائية المفتعلة ثنائية المدنى والدينى التى تبتغى كسب أغلبية بأسم الدين، ويجب أن نعى أن مصر دولة أسلامية وأى دستور سيلتزم بالشريعة الأسلامية ،والمضمون الثالث هو الألتزام بالطبيعة السلمية للعمل العام والنقاش السياسى ،والمنتشر الآن ممارسة العنف اللفظى والتحريض على العنف ومن يفعل ذلك لا يتنصل من المسئولية عن أعمال عنف ستقع وهناك مواجهات بدأت بالفعل فى المدن وأستخدام سلاح بين بعض المنتمين للأحزاب المختلفة ، وأكمل حمزاوى: المضمون الرابع فريضة التوافق ومصر فى هذه المرحلة لا يمكن أن تنهض إلا بالتوافق بين جميع التيارات وليس بالتنافس فالتوافق الآن أساسى لصنع عمل سياسى منضبط، وأرى الجميع الآن يتحدث بأسم الشعب وبصيغة هلامية صيغة المفعول به فالشعب يستتبع مرة أخرى ومن غير المقبول التحدث بأسم الشعب لبناء أستقطاب وأضاف :المضمون الخامس مهم جداً وهو القدرة التى ينبغى أن تكون موجودة بالفعل فى المثقف أو المهتم بالشأن العام فعليه التمسك بالرأى والمقولة والفكرة والطرح الذى يقدمه حتى إذا كان هذا الرأى لا يلقى قبولاً من الجماهير ،ولا أعلم كيف ننجح فى مصر بتحول ديمقراطى دون تفعيل هذه المضامين الخمسة وأعتقد إنها غائبة إلى حد كبير رغم محاولات البعض وعلينا جميعا مسئولية الحركة لتفعيلها وأن يتسم نقاشنا العام بالرشاد والعقلانية.
وعقب السيد يس على حديث حمزاوى مؤكداً على وجوب توافر القدرة على التمسك بالرأى حتى لو كان لا يلقى القبول العام وقال: أنا أتمسك برأيين لا يوافقنى عليهما كثيرون هما أولاً أنا ضد تطبيق قانون الغدر، وثانياً ضد دعوات التطهير تطهير المؤسسات والأعلام والجامعة وهذا الكلام عبثى ويؤدى إلى انهيار الدولة فهناك فرق بين محاكمة المسئولين وبين التطهير.
المثقف والجماهير
وتحدث سيف الدين عبد الفتاح عن المثقف والجماهير وقال : أظن أن ثورة 25 يناير كشفت ثلاثة أزمات الأولى تتعلق بالمثقف والثانية بالجماهير فى التعامل مع هذه الثورة والثالثة تتعلق بالعلاقة بين الأثنين المثقف والجماهير وفى العهد البائد شاهدنا المثقف يتملق للسلطة وحمل مشروع التوريث الذى يمثل ثقافة فرعونية بأمتياز وحاول أن يصادر هذه الكتلة الجماهيرية لمصلحة شخص يتصدر الحكم وهذا الموضوع الذى يتعلق بتوريث الشعب يمثل أعلى مراحل الأستخفاف أن يورث رئيس شعباً لأبنه ، وواكب ذلك تزوير الأنتخابات ، المثقف الذى واكب هذا العصر كان مثقفاً مزوراً فى إطار ثقافة فاسدة مستبدة أؤكد على قراءة العلاقة بعد الثورة أولاً فى الدولة القومية حدث تغيير مهم جداً الفقيه ضاق بحركته الثقافية عن المجتمع وتحول الكثير وبين فقهاء ودكاترة السلطان كان هناك حلف غير برئ لا يمكن إغفاله ، ثانياً ماذا فعلت الثورة فى مفهوم السياسة نحن فى حاجة إلى تعريف السياسة من جديد فالسلطة قد همشت السياسة فى العقول ،ثالثاً:من أهم دروس الثورة كيف تجتمع الشعوب وتقاوم عملية الأستبداد مستقبلاً ، ونفس الشئ يتعلق بالأحزاب الكرتونية فهم نفسهم أحكموا حلقة الأستبداد لصالح السلطة لأنهم لعبوا أدواراً كرتونية وتابع عبد الفتاح : أؤكد أن هذه الأحزاب التى نشاهدها من سياسيين ومثقفين هم رأس الثورة المضادة ، ومنهم المثقف المقاول ، والمثقف من برج عالى ، المثقف المهاجر بعقله وليس من هجر المكان، المثقف الزائف، المثقف الحرباء المتلون، هؤلاء جميعاً شكلوا حقيقة الأزمة فى علاقة المثقف بالجماهير لأنه خان الجماهير هذه الثورة كانت فى البداية تشكل ثقافة جماعية ويمكن أن هؤلاء الذين نزلوا الميدان يشكلوا ثقافة جديدة نسميها ثقافة الميدان ،وأكد عبد الفتاح أن المثقف أنه الآن لا يستشعر حجم المسئولية التى تلقى على عاتقه بعد الثورة، وهناك أيضاً المثقف الفضائى الذى يقول كلام هنا وهناك ولكنه فى النهاية لا يقول شيئاً حقيقاً ويقول كلام يؤدى للفرقة والتشتت الفكرى.
وأضاف: أرى أن الثقافة السائدة الآن هى ثقافة التخوين وهى شديدة الخطورة ومضادة لثقافة الميدان، ولو أن المثقف أراد أن يخرج من أزمته والجماهير تخرج من غفلتها وتتأسس على قواعد فعاليتها فالأمر يحتاج إلى ثقافة كميدان التحرير وتوافق لحماية هذه الثورة.
—
س.س
18 سبتمبر 2011