إن فكرة التحام المثقفين بالشارع والتواصل والتأثير الإيجابي بقطاعات الشعب المصري خاصة الشباب ,تعد قضية غاية في الأهمية والخطورة في نفس الوقت,حيث يجب علي المفكرين أن يكون فكرهم فكرا شابا يتسم بالحيوية والتجدد والوضوح, والأهم أن تكون عنده قدرة علي التعلم من الشباب لأن العلاقة الرأسية بين الراسل والمرسل اختلفت في عصر العولمة وأصبحت أفقية, وهذا أحد أسباب تفجر ثورة الشباب لأنهم ثاروا علي الثقافة الرأسية من الآباء للأبناء ومن المدرس للتلميذ,وهذا ما يعيب الكثير من المثقفين… لذا يجب عليهم أن يتركوا البرج العاجي وذلك من خلال تركهم لفكرة أن المثقفين هم من يقودون الرأي العام, وهم من يشكلون الوعي… وأن يدركوا تماما أنهم لم يعودوا المهيمنين, وأن دور المعلم والراسل والأستاذ قد انتهي.
هكذا بدأ الدكتور عصام عبد الله أستاذ الفلسفة بكلية الأداب جامعة عين شمس حديثه, وأشار أيضا إلي أن التكنولوجيا اليوم استطاعت أن تقوم بنقلة حداثية في المجتمع, فشباب الثورة قاموا بصنع شيء جديد لأول مرة في التاريخ… فقد أثبتوا أن الثورات لاتقوم بسبب الجوع أو الفقر أو القهر فقط وإنما بسبب التعليم الحديث,هؤلاء الشباب حصلوا تعليما جيدا,يعرفون لغات ينتمون إلي نسق فكري مختلف يتبادلون التجارب والخبرات,لذلك نجحوا وانتصروا علي آبائهم وأساتذتهم والمثقفين أنفسهم .
هؤلاء الشباب تأثروا بالحداثة الغربية ونجحوا فيما فشل فيه المثقفون وهو التحديث,لذا نجد أنهم أثبتوا أن الحداثة مطلب إنساني عالمي وليست صناعة غربية ولا شرقية,والحداثة هي ما يسعي إليه كل المثقفين منذ أكثر من قرنين في عهد محمد علي, وجاء الشباب في18 يوما ليثبتوا ذلك بشكل أذهل العالم أجمع,وهذا ما جعل المثقفين في مأزق حقيقي..ماذا نكتب لهم وهم تخطونا؟!
المثقفون والتيارات الدينية
قالت الكاتبة الصحفية إقبال بركة إن الحوار بين المثقفين والتيارات الدينية المختلفة مطلوب بل ضرورة ,لأن في الفترة الماضية كان النظام القديم يتعمد التفرقة بين الفئات المختلفة, وهذا ما جعل المثقفين يشيرون باستعلاء شديد لتلك الاتجاهات الدينية,رغم أن هذه الاتجاهات لم تنشأ إلا بسبب الفراغ الثقافي الذي تركه المثقفون,لو كان الحوار نشأ منذ فترة كبيرة ربما تجنبنا الكثير من الصدام,وهذا ما جعل التيارات الدينية في محاولات مستمرة لإحداث جلبة وضوضاء للفت النظر إليهم وليؤكدوا أنهم موجودون علي الساحة.
لذا أطالب المجلس الأعلي للثقافة بتبني هذه المعضلة والعمل علي حلها من خلال عقد لقاءات ودوائر مستديرة بين جهات التفكير المختلفة وحوار راق بين الجميع..وذلك لأن عدم الاعتراف بهم والتعالي عليهم يسبب ردود فعل عنيفة من هذه التيارات الدينية.
وإذا تسلح الطرفان بالثقافة والمعرفة سوف يصل الجميع لنتائج إيجابية مشتركة وذلك بتوسيع المساحة المشتركة بيننا وبينهم,وعندما يتحدث المثقف مع التيار الديني يجب أن يحاور من وجهة نظره وأن يتسلح بالأفكار الإسلامية وبالآيات القرآنية والأحاديث النبوية أي أن يكون المثقف متسلحا بثقافة دينية حقيقية, وقبل هذا الحوار يجب أن تكون هناك مرحلة لتبادل الأفكار مكتوبة تعرضها الصحفي كخطوة أولي..فالصحف تفتح باب الحوار المكتوب بين المثقفين والتيارات الدينية من كل الجهات أي ليس فقط التيارات الدينية, ولكن حوار مفتوح بين المسلمين والمسيحيين..حوار بين الشيعة والسنة وحوار بين النساء والرجال..كل هذا سوف يزيل فروقا طبقية بين الجميع.
وأشارت إقبال بركة إلي أن هذا الحوار كان موجودا في القرون الأولي في الإسلام في إبداء الرأي والعمق في وضع الحجج وأتمني أن نعيش بروح ومجد الدولة العباسية من القرن الثاني إلي الرابع.
كما يجب تثقيف الشعب عن طريق الإذاعة والتليفزيون وأن نفتح الأبواب للمثقفين,أمثال جمال الغيطاني ,بهاء طاهر,يوسف زيدان,علاء الأسواني, إدوار الخراط…وغيرهم.
المثقفون والثورة
وعلي النقيض من رأي الدكتور عصام كان للكاتب الصحفي صلاح عيسي رأي مختلف, فأكد أن طوال هذا الوقت كان المثقفون أصحاب التأثير الذي فجر خطواتها الأولي شرائح من المثقفين وشباب الفيس بوك معظمهم كانوا مثقفين, وكان شباب الثورة عبارة عن هؤلاء المثقفين منهم أساتذة جامعة وأطباء وخريجو جامعات مرموقة..لذا فإن الذي مهد لهم كل هذا هم المثقفونفهم الذين شاركوا في الوقفات الاحتجاجية التي مهدت بعد ذلك لقيام ثورة.
الثورة تخلقت من مواقف ورؤي مثقفين وطنيين ثم انضم إليهم بعد ذلك قطاعات مجتمعية أخري بسبب مشاكل اقتصادية أو مطالبة بعدالة اجتماعية… لذا علي المثقفين أن يسعوا لزيادة وعي الشارع فيما يتعلق بالاقتصاد والإصلاح السياسي والدستور.
وعن التواصل مع التيارات الدينية أوضح صلاح عيسي أن القيادات الدينية المختلفة جزء من التيارات الموجودة في المجتمع ولكن لدي أصحابها رؤي للإصلاح السياسي والدستوري يختلف مع التيار المدني.. وفي أثناء الثورة كان هناك معسكر شباب الفيس بوك والإخوان المسلمون, وكان جوهر موقف الإخوان هو المطالبة بدولة دينية.
وموضوع الخلاف بيننا وبين التيارات الدينية موجود منذ زمن فنحن ننادي بدولة مدنية جوهرها الدولة التي تفصل بين ماهو ديني وماهو سياسي..نحن نطالب بدولة لايحدث فيها تجاوز أو تفرقة بين أي فئة ولا تنحاز الدولة حكومة وشرائع ووظائفلفئة علي حساب فئة أخري,وإذ لم يتحقق هذا سوف تكون الثورة قد فشلت وهذا أسوأ وأضل سبيلا.