كشفت محادثات الإعلان عن المبادئ فوق الدستورية أو ما أطلق عليهاالمبادئ الحاكمة حقيقة توجه بعض التيارات الإسلامية السياسية تجاه الدولة المدنية بعد رفضهم لهذه المبادئ التي اتفقت عليها القوي الوطنية,حيث دعت بعض القوي الإسلامية إلي تنظيم مليونية جديدة يوم الجمعه المقبل باسم ##جمعة الشريعة##, احتجاجا علي المبادئ الحاكمة للدستور والدعوة للالتزام بالاستفتاء علي التعديلات الدستورية الأخيرة.وأعلن كل من جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية والدعوة السلفية رفضهم للمبادئ الحاكمة في حال تعارضها مع مبادئ وقواعد عامة, وللمرة الاولي تتفق هذه التيارات علي هدف واحد رغم اختلاف سياساتهم وأيديولوجياتهم في العمل ولكنه رفض المبادئ الحاكمة ورفض لتشكيل لجنة لإعداد دستور يسبق الانتخابات أصبح هدفهم الأول وذلك للسيطرة علي الانتخابات البرلمانية لاختيار لجنة منها لإعداد الدستور وتحويل مصر رسميا لدولة دينية ..
أصدرت التيارات سالفة الذكر بيانات عديدة في هذا العدد تشمل اتجاه البيئة نحو تكوين دولة مدنية بمرجعية إسلامية دون غيرها حيث أكد ائتلاف القوي الإسلامية في بيان علي ذلك ولوح البيان بالتخلي عن الحوار واللجوء للصدام المباشر إذ نص صراحة علي التالي:نحن ملتزمون بالحكمة وضبط النفس والعمل علي تفويت الفرصة علي من يحاولون القفز علي مكتسبات الشعب المصري إلا أننا لن نقف مكتوفي الأيدي مع ما يجري الآن من محاولات للالتفاف علي مكاسب الشعب وإنجازاتها وفي بيانهم أيضا ناشدوا الدولة والمجلس العسكري الحاكم قائلين ##تعديل الأوضاع المعكوسة, وتقدير الاتجاهات الإسلامية والوطنية كافة بما يتناسب مع حجمها ودورها في الشارع المصري##, وعدم الاستجابة لهذه القلة الصارخة ليس إلا لأنها لا تكف عن الصراخ ليلا نهارا مدعية الحرص علي مستقبل البلاد.
تهديد ووعيد
وأما الدكتور ياسر برهامي, عضو مجلس أمناء الدعوة السلفية, فأعلن أنه يعتبر خطوة المبادئ الحاكمة هي محاولة لفرض العلمانية علي مصر, خاصة أن الذين تم تكليفهم بهذه المهمة من المعروفين بالعلمانية المتعصبة والليبراليين المتشددين, الأمر الذي ترفضه جميع الفصائل الإسلامية.
وأعلنت الجبهة السلفية أنها لن تقف موقف المتفرج مما يجري الإعداد له إرضاء لما وصفوه بحفنة ##متعصبة## تريد جر البلاد إلي الهاوية, وأوضحت أنها ترفض ما أعلن عنه المجلس العسكري من الشروع في إعداد ما يسمي بـ##وثيقة المبادئ فوق الدستورية##, وما تلاه من إجراءات عملية بهذا الشأن واعتبرته مصادرة لإرادة الأغلبية التي عبرت عنها في استفتاء 19 مارس.
ولم تكن تلك المواقف الوحيدة من نوعها بل إن للدكتور محمد سليم العوا, المرشح المحتمل لانتخابات رئاسة الجمهورية الذي تسانده القوي الإسلامية وقال: إنه يرفض تماما فكرة وضع مبادئ حاكمة لاختيار أعضاء اللجنة التأسيسية التي ستضع الدستور, ووصفه بالأمر غير المقبول, وقال إن تشكيل لجنة لوضع مبادئ حاكمة للدستور هو بدعة لم ير لها مثيلا في العالم أجمع وهدفها الرئيسي هو تحجيم تيارات بعينها (في إشارة للتيارات الإسلامية),وأكد العوا أنه سيعارض هذه الوثيقة بكل ما يستطيع مؤكدا بالنص:لو أجبرنا علي تمريرها فسوف أبذل قصاري جهدي لإسقاطها لأنها ليست مقدسة, وسأطالب أول برلمان قادم بعدم الاعتراف بها لأنها تجاهلته , وقال العوا إن اعتصام بعض القوي السياسية غير جائز لا وطنيا ولا أخلاقيا. يذكر أن العوا هو صاحب دعوة تفتيش الكنائس والأديرة بزعم وجود أسلحة فيها.
أما ممدوح إسماعيل, محامي الجماعات الاسلامية: فأكد قائلا: إن الإسلاميين لن يقفوا صامتين تجاه ما يحدث ولكن يسعون للتصعيد, قائلا ##سنحاول وضع وثيقة تعبر عن رأي الإسلاميين##, مؤكدا أن معظم الذين أعدوا وثائق لمبادئ حاكمة للدستور يحاولون أن يجعلوا من المادة الثانية لا قيمة لها في الدستور والتشريع والواقع القانوني, وأن تكون تلك المبادئ الحاكمة للدستور هي المرجعية الأساسية ويريدون محو الهوية الإسلامية .
التيارات الفاشية
أنهم أشبه بالفاشية هذا ما ما صرح بها الكاتب الصحفي جمال فهمي بتشبيه التيارات الإسلامية التي أكد أنها بعيدة كل البعد عن الديمقراطية وهي أقرب للفاشية لأنها تهدف دائما لمصادرة الآراء والحريات وهي نموذج أقرب لنموذج طالبان وهم مصدر للتوتر الوطني والطائفي وباتوا يمثلون خطرا علي نسيج الجماعة الوطنية. وأضاف أن تصعيدهم ضد المبادئ الدستورية هو نوع من الحماقة والغطرسة والغرور الذي أصابهم بعد ظهورهم عقب ثورة 25 يناير ويتصورون أنهم الأغلبية في المجتمع ويتخيلون أنهم سوف يحصلون علي الأغلبية بالبرلمان وبالتالي يروق لهم أن يفعلوا ما يشأؤوا رغم أن ضعفهم ظهر في جمعة الغضب الثانية والاعتصامات في التحرير لأن مغازلتهم للشعب باسم الدين باتت خديعة مكشوفة للجميع ورؤيتهم للسيطرة علي الحريات باتت مرفوضة ليس فقط من الأقباط بل المسلمين جميعا وقطاعات مختلفة من المجتمع ترفض النموذج الأفغانستاني أو الإيراني, مشيرا أن صدامهم مع المجتمع سوف يدفعهم للخسارة المبكرة لاسيما أنهم يرسلون رسالة تهديد للمجلس العسكري بلغة شديدة اللهجة بتصعيد الأمور وهذه لغة مرفوضة وطريقة لا يليق بها الحديث مع الجيش .
قيود مطلوبة
ويقول عبد الغفار شكر, وكيل مؤسسي حزب التحالف الشعبي الاشتراكي, إن وضع مبادئ حاكمة للدستور تعد قيدا مطلوبا وطبيعيا حتي لا ينفرد الفصيل السياسي الذي سيفوز في الانتخابات بوضع الدستور وفق هواه دون الاستماع للقوي السياسية الأخري, مشيرا إلي أن تحفظ الإسلاميين علي وضع وثيقة للمبادئ الحاكمة للدستور يأتي بسبب اعتقادهم أنهم سيفوزون بنصيب الأسد في مقاعد البرلمان, وبالتالي الدور الأكبر والمؤثر في وضع الدستور.
وأكد شكر أن هناك مبادئ لا يتوقع حدوث خلاف بشأنها مثل المدنية والديمقراطية وأن يكون النظام المصري جمهوريا والسيادة للشعب والمواطنة, مشيرا إلي أن ما تمر به مصر بالنسبة لوضع مبادئ تتفق عليها القوي السياسية يتم علي أساسها وضع دستور جديد, هو أمر حدث من قبل في دول أخري مثل ألمانيا, حيث اتفقت علي مبادئ أساسية لا تعدل بل وضرورة وجود مادة تحصن هذه المبادئ الأساسية.
استعراض العضلات
ويري الدكتور مصطفي كامل أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن الدعوة لمليونية الجمعة المقبلة من قبل التيارات الإسلامية تأتي في إطار إعلان هذه التيارات عن وجودها بالشارع وهو نوع من استعراض العضلات في ظل وجود التيارات المدنية بالتحرير أما بشأن المبادئ الفوق الدستورية فهذه التيارات لها الحرية في رفضها لأنها تضع لنفسها سيناريو من خلال رؤيتها للسيطرة علي المقاعد البرلمانية وبالتالي سيكون لها الأولوية في وضع الدستور دون قيود ولكن في جميع الأحوال فهذه المبادئ الفوق دستورية تمثل أهمية للحفاظ علي كيان الدولة المصرية المدنية من المساس بها لصالح تيار بعينه وهو ما نحتاج لدعمه لغلق الطريق أمام هذه التيارات التي نجدها في معارضة دائما لإعداد دستور أولا ورفض تأجيل الانتخابات البرلمانية علي اعتبار أنها الفصيل السياسي الوحيد المتواجد بقوة في الشارع حاليا .
مليونية الشريعة
أما بيشوي تمري عضو حركة شباب ماسبيرو وائتلاف شباب الثورة يقول: الإخوان يعتبرون الوثيقة تعديا علي إرادة الشعب في الوقت الذي رحبوا فيه بالإعلان الدستوري الذي ألغي إرادة الشعب في التعديلات ويحاول الإخوان إلصاق الإعلان بالاستفتاء و جعله شرعيا وهو ما لم يريده الشعب في الاستفتاء أما عن الوثيقة فهي مطروحة للنقاش الوطني – علي عكس الإعلان الدستوري – وبذلك نضمن التوافق الوطني ويعتقد الإخوان أن البرلمان هو المخول لوضع الدستور وليس الدستور هو الذي يحدد صلاحيات البرلمان.
ويري تمري أن دعوة الإسلاميين إلي مليونية الشريعة هي التي يمكن وصفها بالتعدي علي إرادة الشعب فهذه الدعوة تبين رغبتهم في الانفراد بكتابة الدستور فلا معني لمطالبهم إذا كانت الجمعية التأسيسية للدستور ستعبر عن كل شرائح المجتمع وعليهم أن يعلموا أن هناك أقباطا في مصر سيرفضون تطبيق الشريعة الإسلامية عليهم مهما كلفهم ذلك.
مدحت قلاده نائب رئيس اتحاد المنظمات القبطية بأوربا أكد قائلا:موقف بعض التيارات الإسلامية يعبر عن التعصب وإنكار حقوق الآخر في محاولة للاستحواذ علي إعداد الدستور بعد الانتخابات بينما يلزم لإقرار أي دستور توافق جميع الأطراف وعدم إقصاء أي طرف.
أما محاولة إنكار حق الأقباط وتهميشهم يحول الدستور إلي دستورا ورقي و ليس عقدا اجتماعيا إذ أنهم لا يؤمنون بالمواطنة ولا حقوق الأقباط ولا المرأة ولا البهائيين وبالتالي فأنهم يزجون بالمجتمع المصري نحو نفق مظلم وهو ما يبرر رفضهم المبادئ الحاكمة التي تحافظ علي مدنية الدولة وتحقق مبادئ العدالة والمساواة وتحمي من أية محاولة للسيطرة من فصيل سياسي بعينه علي البلاد.
ورفض أحمد عبد ربه عضو حزب الجبهة الديموقراطي وائتلاف شباب الثورة محاولات التيارات الإسلامية فرض نفسها علي المجتمع مؤكدا أن المباديء الدستورية التي وضعت جاءت لحماية البلاد ووضع قواعد عامة وهذا شأن الدول المتقدمة من أجل تأكيد مبادئ المواطنة والعدالة والمساواة وتأكيد الحقوق والواجبات دون تمييز علي أساس اللون أو الجنس أو الدين .
الجدير بالذكر أن الأزهر الشريف تقدم بوثيقة ضمن الوثائق المقترحة للوفاق الوطني والوصول للمبادئ الحاكمة للدستور إيمانا منه بمدنية الدولة وترسيخا لمبادئ المواطنة التي يؤيدها الأزهر باعتباره الجهة الإسلامية الوحيدة المعترف بها والتي تمثل الإسلام الوسطي في مصر.