من أهم قرارات المجلس الأعلي للقوات المسلحة حل مجلسي الشعب والشوري حيث كان التلاعب في نتائج انتخاباتهما من أسباب غضب الشارع المصري. ثم كان تشكيل اللجنة المكلفة بتعديل الدستور. من هنا يتراءي علي الساحة أننا مقبلون علي إعادة صياغة منهج الممارسة السياسية في مصر.
كانت التوقعات في الشارع المصري تشير إلي أن التغيير سيشمل كل ما هو خاص بآلية التمثيل النيابي, وهذا دفع العديد من المواطنين والمجموعات إلي الاجتهاد في إجراء الاتصالات والمقابلات والتنظيم لتشكيل أحزاب جديدة. ولكن تشير التوقعات إلي أن القانون المنظم لإنشاء الأحزاب لم يعدل وأن انتخابات المجالس التشريعية المقبلة سيتنافس عليها إما المواطنون المستقلون أو المرشحون من الأحزاب القائمة. لذلك لزم التنويه عن الوضع القائم حاليا علي الساحة السياسية.
يوجد في مصر الآن 25 حزبا سياسيا قانونيا, منها أربعة أحزاب مجمد نشاطها. من أهم الأحزاب – بحسب تاريخ تمثيلها في البرلمان – الحزب الوطني الديموقراطي وهو الحزب الحاكم منذ عام 1979 وحزب الوفد الجديد وحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي. كما يبرز علي الساحة حزب الوسط المصري وهو حزب منشق عن جماعة الإخوان المسلمين وقد حصل مؤخرا علي حكم بتأسيسه ليصبح أول حزب يصرح له بعد الثورة. ومما يذكر أن الدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين أعلن عن تأسيس حزب الحرية والعدالة. كما أعلن أحد قياديي الإخوان أن الحياةالسياسية ستشهد تكوين أربعة أحزاب إسلامية.
إذا استمرت الأحوال علي ما هي عليه الآن ولم تراع التوقيتات لفتح باب تشكيل الأحزاب وقانونية لجنة البت في الطلبات وآلية عملها وتزامنها مع الإجراء الفعلي للانتخابات, فإن المدقق في الأمور سيكتشف أن الانتخابات القادمة ستمثل مأزقا سياسيا حقيقيا حيث سيكون التنافس فيها بين من ترشحهم هذه الأحزاب وبعض المستقلين. فهل هذا ما قامت من أجله ثورة 25 يناير؟ هل هذا ما كانت تصبو إليه؟ هل هذا السيناريو هو ما استشهد من أجله شباب الثورة الأبرار؟
إن انتخابات رئاسة الجمهورية أو الاستفتاء علي تعديلات مواد الدستور يمكن أن تتم باستعمال الناخب للرقم القومي حيث إن الناخب يكون غير مرتبط بدائرة انتخابية ويكون التصويت متاحا للمواطن لكونه مصريا. أما انتخابات المجالس التشريعية فيرتبط فيها المواطن بدائرته الانتخابية فلازالت تجري باستعمال البطاقة الانتخابية. لذلك فإننا نطالب بتنظيم الآلية التي تتيح إجراء انتخابات المجالس التشريعية القادمة باستعمال الرقم القومي علي أن يعلن ذلك الآن. فإذا تبين تعذر هذا فإننا نطالب بمد فترة القيد بالجداول الانتخابية تقديرا للظروف التي مرت بها البلاد وذلك لإعطاء الفرصة لأكبر عدد من المواطنين للمشاركة الفعالة في الحياة السياسية.
لقد طالبت في مقالي المنشور بتاريخ 13 فبراير بجريدة وطني بأن تكون الانتخابات المقبلة للمجالس التشريعية بنظام القائمة النسبية وأود أن أوضح الآتي:
الانتخاب بالقائمة النسبية: لتطبيق هذا النظام تقسم أقاليم الدولة إلي عدد من الدوائر الانتخابية الكبيرة وبذلك يقل عدد الدوائر ويكبر حجم كل منها. يقدم كل حزب قائمة تضم مرشحيه. يقوم الناخبون في كل دائرة انتخابية بانتخاب القوائم التي تقدمها الأحزاب دون أن يكون له الحق في إدخال أي تعديلات عليها, بحيث يتقيد بترتيب الأسماء التي تتضمنها القائمة حيث تسمي هذه الطريقة طريقة القوائم المغلقة. وتكون المفاضلة بين برامج انتخابية وليس بناء علي العلاقات الشخصية مما يساعد علي انتقاء كفاءات أفضل من المرشحين. كما أنه يجنب المجتمع وسائل الضغط علي الناخبين وشراء الأصوات وتدخل الدولة. إن هذه الطريقة تحقق تمثيل كل المجموعات والتكتلات الشعبية وتحقق تمثيلا مناسبا متنوعا. في هذا النظام توزع المقاعد الشاغرة علي الأحزاب المختلفة بنسبة عدد الأصوات التي حاز عليها كل واحد منها. فلو افترضنا أن هناك ثلاثة قوائم تتنافس علي عشرة مقاعد في دائرة انتخابات معينة, وقد حصلت القائمة الأولي علي 6000 صوت. القائمة الثانية علي 3000 صوت. القائمة الثالثة علي 1000 صوت. فإن المقاعد العشرة ستوزع بنسبة عدد الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة لتفوز القائمة الأولي بستة مقاعد هم الستة مرشحين من 1-6. والقائمة الثانية بثلاثة مقاعد هم المرشحين رقم 1 و 2 و.3 القائمة الثالثة بمقعد واحد فقط هو المرشح رقم 1 في قائمة حزبه. من الجدير بالذكر أن هذا الأسلوب كان معمولا به في قانون الانتخاب سنة .1986
ومما ذكرناه تبرز شرعية ومعقولية فتح باب تشكيل الأحزاب قبل إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة ووضع الآلية القانونية المناسبة لتسهيل الإجراءات مع تحديد حد زمني معلن للبت في طلبات التأسيس. كذلك يجب إعطاء الأحزاب الجديدة مساحة زمنية للاتصال بالشارع السياسي. كما أننا نطالب بإجراء انتخابات المجالس التشريعية بـالقائمة النسبية مع استعمال الرقم القومي أو مد فترة القيد بجداول الانتخاب, لإتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المصريين لاستخراج البطاقة الانتخابية.
[email protected]