سؤال:من جرجس نجاتي سعيد-رمل الإسكندرية.
يقول: إنه في فترات ضعف الكنيسة يهلك الكثيرون,بينما في فترات قوتها يخلص الكثيرون من أبنائها وأبناء العالم أيضا.فهل يمكن أن يتوقف خلاص الإنسان علي شئ عرضي كهذا؟
الجواب:
الكنيسة في مفهومها الروحاني الدقيق هي شعب الله المخلصون بدم المسيح,السالكون حسب شريعته,ومنهم وبهم تتألف مملكة المسيح علي الأرض.
فإذا ضعفت الكنيسة,فضعفها الحقيقي يكون من داخل,لا من خارج…يوم ينسي المؤمنون واجباتهم,ويهملون الاهتمام بحياتهم الأبدية,وينشغلون بالأرضيات والماديات,ويغفلون السمائيات والروحانيات,وقد ألهتهم الدنيا عن الآخر,فانكبوا علي الطعام الفاني وازدروا عن الطعام الباقي للحياة الأبدية.
في هذه الحالة تضعف الكنيسة,إذ تفقد جوهرها وتضيع كيانها,وتتيه عن رسالتها,وتشرد عن طريقها,فيرتخي الحبل الواصل بين سيدها وبينها,علي أنه مع ذلك لا ولن ينقطع,فبوابات الجحيم,حسب وعده,لن تقوي عليها(متي16:18).
إنها قد تفتر حرارتها,وقد تضعف جذوتها,فلا تظهر في بهائها وجمالها,وقد يتصاعد الغبار عليها فيحجب الرؤية عنها…لكنها حسب وعده لن تفقد كيانها ووجودها…فلا تلبث أن تصحو من جديد,وتسترد أنفاسها,وتزكو وتتطهر,فتعلو وتنمو وتزدهر ولن تموت:اللهم أنت الذي صنعت العظائم.فمن مثلك يا الله.أنت الذي أريتنا ضيقات كثيرة وردية لكنك تعود فتحيينا,ومن أعماق الأرض تعود فتصعدنا,تزيد في قدري,وترجع فتعزيني(مزمور70:19-21)ليس الذي يضعف الكنيسة الاضطهاد الواقع عليها من خارج.
لقد ثبت بالدليل تلو الدليل,عبر التاريخ الطويل,أن دماء الشهداء بذار الإيمان,وأنه كلما ثار الشيطان عليها,وأهاج عليها أعداءها,فإن الاضطهاد الذي من خارج يطهرها مما يكون قد دخل إليها من شر بالإهمال,ويصيغها مما يكون قد دخل علي معدنها النقي من شوائب,ويشذبها بإسقاط ما فيها من أوراق صفراء باهتة.وهذا كله وإن ظهر للخوارج أنه عاصفة مدمرة تهزها من الأصول.لكنه في نهاية المطاف يرتد عليها بالخير,إذ لا يلبث الغمام أن يتكثف مطرا تصفو به سماؤها,ويتنقي به هواؤها,فتشرق علي أرضها الشمس,شمس البر,والشفاء في أجنحتها,ساطعة أكثر ما تكون وضوحا,وينبت في تربتها نبت جديد أخضر أجمل ما يكون اخضرارا وازدهارا.
مسكينة تلك الرياح الغبية التي تضرب الشجرة في الخريف,موسم الضعف بالنسبة لها,فلا تحمل معها إبان هياجها إلا أوراقا باهتة صفراء,ولربما ظنت في نفسها أن غنمها عظيم وكسبها كبير,فلا يتبين العقلاء إلا أنها جرفت أمامها تبنا وقشا,فشوهت وجه الأرض والسماء,لكنها أسهمت دون أن تقصد,في خلاص الشجرة من أوراق تالفة فاسدة.قال المسيح له المجد:الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تجوبون البحر والبر لتضموا واحدا إلي ديانتكم,حتي إذا انضم تجلعونه مستحقا لجهنم ضعف ما أنتم تستحقون(متي23:15).
فإذا رأيت حملات التشهير بالكنسية وتراثها شرسة,وإذا أبصرت الأمواج العاتية تنهال علي جوانبها بكل قوة حتي توشك أن تمتلئ,فافرح,وبشر ضعفاء الإيمان الرعاديد بأت وقت الخلاص قريب…فالمسيح كان نائما في السفينة,منتظرا أن يري ماذا يفعل الربان مع ركاب السفينة…فإذا صرخوا من الخوف,عندئد وعندئذ فقط يقوم فينتهر الريح,ويقول للبحر اصمت,اسكت,فتسكن الريح ويسود هدوء عظيم(مرقس4:37-39).
قومي استنيري لأنه قد جاء نورك,ومجد الرب أشرق عليك,لأنه ها هي الظلمة تغطي الأرض,والظلام الدامس يشمل الأمم.أما عليك فيشرق الرب,ويتراءي عليك مجده.فتسير الأمم في نورك,والملوك في ضياء إشراقك.ارفعي عينيك حواليك وانظري.كلهم قد اجتمعوا وأتوا إليك.يأتي بنوك من بعيد وتحمل بناتك علي الأيدي.حينئذ تنظرين وتنيرين,ويخفق قلبك ويتسع,لأنه تتحول إليك ثروة البحر,ويأتيك غني الأمم.تغطيك كثرة الجمال…تحمل ذهبا ولبانا,وتبشر بتسابيح الرب…من هؤلاء الطائرون كالسحاب,وكالحمام إلي بيوتها..وبنو الغرباء يبنون أسوارك,وملوكهم يخدمونك.لأني غضبي ضريتك,وبرضواني رحمتك وتنفتح أبوابك دائما لا تغلق نهارا ولا ليلا.ليؤتي إليك بغني الأمم…لأن الأمة والمملكة التي لا تخدمها تبيد,والأمم تخرب خرابا وبنو الذين قهروك يغدون إليك خاضعين,وكل الذين أهانوك يسجدون لدي باطن قدميك,ويدعونك مدينة الرب…وبما أنك كنت مهجورة مكروهة فلم يكن أحد يجتاز فيك,سأجعلك فخرا أبديا,فرح جيل فجيل…وتعلمين إني أنا الرب مخلصك وفاديك…لا تغرب شمسك من بعد,وقمرك لا ينقص,لأن الرب يكون لك نورا وتكون أيام مناحتك قد انقضت, القليل منهم يصير ألفا,والحقير يصير أمة عظيمة.أنا الرب أعجل ذلك في ميقاته.(إشعياء60:1-22).
وأعلم أن الله الذي خلق الناس أحرارا,لا يشاء أن يقهرهم علي شئ,أو يجبرهم علي أمر إنه يحترم حريتهم,لأنه خلقهم كائنات مسئولة.وقد عين لهم يوما ينالون فيه جزاءهم بالثواب أو بالعقاب…لكنه في الوقت المناسب يتدخل,إذ رأي يد الشيطان قوية تزمع أن تفسد كل شئ…والمسيح له من يتحداه,وحينئذ عند شدة التحدي,وعندما يصل التحدي أقصي مداه حتي يصير الناس يتطلعون إلي المستحيل,وينتظرون المحال,يجئ عمل الرب في حلكة الظلام,فيتحول الظلام إلي نور,والموت إلي حياة.آنذاك يعرف الناس أن هناك الله في الكنيسة,فيؤمنون ويرتعدون…
ليقيم الله,فيتشتت أعداؤه,ويهرب مبغضوه من أمام وجهه كما يتبدد الدخان بددهم,كما يذوب الشمع أمام النار,ليهلك الأشرار قدام الله.وليفرح الصديقون ويتهللوا أمام الله وليطفروا فرحا(مزمور67:1-3).
وإذن ففي فترات الضعف يهلك الكثيرون بضعفهم,وفي فترات القوة يخلص الكثيرون,لكن الضعف الحقيقي ليس هو الآلام الواقعة علي الكنيسة وأبنائها الثابتين فيها ثبات الأغصان في الكرمة,لكنه الضعف من داخل,يوم أن تتوقف الأغصان عن أن تمتص غذاءها من رحيق الكرمة ودسمها,ويستهويها طعام آخر من خارج الكرمة,يومذاك تجف هذه الأغصان وهي لا تعلم,فتذبل وتموت.لكنها حتي إذا ماتت مأسوفا عليها,لكنها بموتها تفسح الطريق أمام البراعم الخضراء الجميلة التي تبدأ حياتها من جديد,فالكرمة إذن باقية حتي لو سقط بعض أغصانها.
الكنيسة إذن باقية وخالدة,لأن وليها حي.(أيوب15:25)