أصبحت القيامة هي طريق السماء وعربون المجد, ولولا قيامة السيد المسيح له المجد وبركاتها الثمينة, لما تحقق رجاء الفرح, ولصار القبر هاوية سحيقة لا سبيل للفرار منها, فقيامة السيد المسيح من الأموات هي الدعامة الراسخة التي تقوم عليها المسيحية, لأنه: إن لم يكن المسيح قد قام فباطلة هي كرازتنا وباطل أيضا إيمانكم (1كو 15: 14).. لهذا كانت المحاولات المتعددة علي مدي العصور والتي بدأها رؤساء الكهنة بإنكار قيامة المسيح واتهام تلاميذه بسرقته ليلا..!! ولكن كل هذه المحاولات والأكاذيب تحطمت جميعها علي صخور القبر الفارغ وذابت تحت أشعة الحقيقة التي انبثقت مع فجر القيامة المجيدة, فبددت ضباب الزيف والأكاذيب, وبقيت المسيحية شامخة بمسيحها ومخلصها, الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود (2تي 1: 10) الذي له وحده عدم الموت (1تي 6: 16).
لقد تحدث السيد المسيح له المجد أكثر من مرة لتلاميذه عن قيامته من الأموات في اليوم الثالث (انظر إنجيل متي 16: 17, 17: 23 وإنجيل مرقس 19: 9, 10: 34, وإنجيل لوقا 9: 22, 24: 7). ووقف التلاميذ وجماعات اليهود يرقبون مدي صحة هذه الأقوال وهل سيقوم المسيح من الأموات كما قال؟ ولما أسلم لهم ذاته بإرادته ومن ثم حكموا عليه وصلبوه ووضعوه في قبر وختموه وأقاموا عليه جندا وحرسوه, وظنوا أنهم قد تمت مشورتهم ونالوا مأربهم… ولكن ما كادت الشمس ترسل أشعتها الخافتة مع الساعات الأولي من فجر الأحد, حتي كان شمس البر الذي احتجب منذ غروب يوم الجمعة خلف سحابة الغدر والخيانة التي نشرها اليهود, أسرع إلي الظهور والإشراق بمجد عظيم.. وانتشر مع نسيم الصباح نبأ القيامة فانتشر الرجاء وازدهر الأمل.. لقد قام الرب يسوع رغم كل الاحتياطات والاستحكامات التي اتخذوها, قام والجند يحرسون والحجر مختوم:
* كما خرج من الرحم دون أن يفسد بتولية والدته العذراء.
* كما دخل العلية علي التلاميذ والأبواب مغلقة.
* كما أخرج الملاك بطرس من السجن.
* كما دخل الملاك جب الأسود الجائعة وهو مختوم لينقذ دانيال النبي.
قام من له مفاتيح الهاوية والموت (رؤيا 1: 18) ولن يوجد الحي بين الأموات, لأنه قد قام ناقضا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنا أن يمسك منه (أع 2: 24) وجمال رب المجد في ربوع أورشليم مؤكدا صدق قيامته مثبتا إيمان تابعيه, وخرج التلاميذ من عزلتهم وتخلصوا من حزنهم وأذاعوا القيامة بين الناس وفي قلب المدينة التي كانت مسرحا للمحاكمة والصلب منذ أيام قليلة.
نقول في نهاية قانون الإيمان هذه العبارة: وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي لأننا بالقيامة ننتقل إلي السماء, إلي الدهر الآتي, إلي عالم آخر غير عالمنا الحالي, لقد لخص السيد المسيح له المجد الحياة في الدهر الآتي بعبارة جميلة بليغة ودقيقة قال فيها: …. يكونون كملائكة الله في السماء (متي 22: 30) وهذا هو الفارق الأساسي بين الدهر الحاضر والدهر الآتي, بين هذا العالم المادي والعالم السماوي الروحاني بعد القيامة, حيث سيكون كل الأبرار معا, في وحدة شاملة, تجتمع كل الشعوب والأمم والقبائل والأجناس بلا تمايز بينها, لا تمايز من جهة الجنس أو اللون ولاخلاف عرقي ولا قبلي ولا قومي, الكل معا في سلام وفي وحدة القلب والفكر, وإن وجد تمايز فإنه يكون في الدرجة الروحية وفي درجة المكافأة لأن كل إنسان سينال جزاءه بحسب أعماله (مت 16: 27) لكن الكل يكونون سعداء ويتكون المجتمع السمائي في الدهر الآتي من الملائكة والبشر, الكل يكونون معا وهذا مجد آخر من النعيم الأبدي وهو عشرة البشر مع الملائكة بكافة درجاتهم وطغماتهم السمائية ومعهم جموع الأنبياء والرسل والشهداء والأبرار في حياة كلها فرح وسعادة وسلام دائم, حيث لا حزن ولا كآبة ولا خوف ولا دموع ولا مرض ولا فقر.
إن الأجساد في القيامة ستقوم بطبيعة سماوية, لكي يكون هناك تجانس بينها وبين البيئة السماوية التي ستعيش فيها بعد القيامة, لأننا سنقوم بأجساد سماوية (1كو 15: 46).. كما أن المتعة في السماء ستكون غير المتعة علي الأرض, لأنه لو كانت المتعة في الدهر الآتي من نوع المتعة الأرضية, فما الفرق إذن بين مباهج الأرض ومباهج السماء؟! وهذا ما أكده بولس الرسول حينما اختطف للسماء الثالثة بقوله: ما لم تراه عين ولم تسمع به أذن لم يخطر علي بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه (1كو 2: 9).
وفي حياة الدهر الآتي بعد القيامة لا يوجد تزاوج ولا توالد, فمن غير المعقول أن يولد إنسان جديد ويجد نفسه في النعيم الأبدي دون أن يختار الاختيارات لإرادته المرة إبان حياته علي الأرض كما يثبت استحقاقه لهذا النعيم الأبدي.. إذن حياة الدهر الآتي هي حياة الانطلاق من قيود الجسد والمادة ومن رباطات العالم الحاضر, إنها حياة الحرية الحقيقية, حرية مجد أولاد الله (رو 8: 21).
المراجع
1- قيامتنا كلنا.. الأنبا روفائيل
2- قيامة السيح في ضمير التلاميذ.. القمص إبراهيم جبرة
3- تأملات في القيامة.. قداسة البابا شنودة الثالث
4- لماذا القيامة.. قداسة البابا شنودة الثالث
5- القيامة وقضايا العصر.. الأنبا موسي