فيه كانت الحياة, وحياته كانت نور الناس, والنور يشرق في الظلمة, والظلمة لا تقوي عليه(يوحنا1:4-5)
في فجر أحد القيامة, ظهر الملاك للمريمات اللواتي جئن إلي قبر المسيح فوجدنه فارغا, وقال لهن:لماذا تطلبن الحي بين الأموات. ماهو هنا, بل قام(لوقا24:5-6). هذا الحدث هو ثورة حقيقية غيرت مسيرة التاريخ. إنه الحدث الأعظم منذ خلق الله آدم. وها هي الطبيعة تشترك فيه لتعلن انتصار الحياة علي الموت. يقول إنجيل القديس متي:وفجأة وقع زلزال عظيم, حين نزل ملاك الرب من السماء, ودحرج الحجر عن باب القبر وجلس عليه. وكان منظره كالبرق, وثوبه أبيض كالثلج. فارتعب الحراس لما رأوه, وصاروا مثل الأموات. فقال الملاك للمرأتين:لا تخافا. أنا أعرف أنكما تطلبان يسوع المصلوب. ماهو هنا, لأنه قام كما قال(28:2).
قيامة المسيح ثوة حقيقية. ثورة انتصرت فيها الحياة علي الموت, والروح علي المادة, والخلود والأبدية علي الزوال والفناء. ثورة انتصر فيها النور علي الظلام, والرجاء علي اليأس, والخير علي الشر, والحق علي الباطل. في نورها أدركنا أن الألم له معني وله قيمة, فهو مرحلة عابرة في المسيرة نحو القيامة للحياة الأبدية. اختفي جبروت الموت ورعبه, وتأكدنا أن الإنسان لم يخلق للموت بل للحياة. وتحقق ما أعلنه المسيح:أنا هو القيامة والحياة(يوحنا11:25). ومن فجر القيامة انطلق نور المسيحية, وصارت قيامة المسيح عربون قيامة الموتي جميعا(رومية1:4).
قام المسيح من الموت, بعد أن قدم ذاته ذبيحة أبدية عن الإنسان ونسله, وبعد أن أكمل سر الفداء. فلا قيامة إلا بعد الجهاد والتضحية بتفان وإخلاص. وهذا قانون في الكون والوجود: لا تقدم بدون تعب, ولا رقي بدون عطاء, ولا نجاح بدون سهر. وكل الحضارات التي ظهرت إنما أتت ثمارا لجهود أبناء البشر المخلصين, والأوطان لا تبني إلا بالقلوب النقية والضمائر اليقظة, والمصلحين المخلصين في كل موقع ومسئولية. إن أهداف الثورة التي أطلقها الشباب في مصر, مثل كل حركة تغيير للأفضل, لا تتحقق إلا بالعمل البناء الجاد, بالتضامن وروح الجماعة, بالبعد عن الفكر الضيق المتعصب والمتطرف, بالعقول المستنيرة والعزيمة الجادة, وبالوجدان المخلص للوطن.
النور والخير والحق والحرية والحب, تلك هي ثمار قيامة المسيح, وتلك هي أيضا سمات أي ثورة حقيقية أصيلة. هي انتصار النور الذي يزيح ظلام الخوف واليأس والقلق, وهي انتصار الحرية التي تمزق قيود الاستعباد للأنانية والخطايا واللامبالاة, وتتحرر من السجن داخل الشهوات العابرة واللذات الباطلة وهي ثورة الحقيقة التي لا تعرف الكذب أو النفاق أو الغش. قيامة المسيح هي نقطة الانطلاق إلي عالم جديد, يقوم من موت الماضي حاملا طاقة التجديد والتقدم والرقي متسلحا بفكر مستنير وبروح الحب والعطاء.