في اليوم التاسع عشر من شهر هاتور القبطي تقع ذكري القديس برثولماوس الرسول أحد الاثني عشر رسولا وتلميذا,كما تعيد الكنيسة القبطية لاستشهاده في اليوم الأول من شهر توت القبطي,أما الكنائس البيزنطية فتعيد لذكراه في اليوم الحادي عشر من شهر يونيةحزيرانوالكنيسة الغربية تعيد له في الرابع والعشرين من أغسطس,وفي ذات اليوم تحتفل بذكري نقل جسده الطاهر إلي روما في أوائل القرن الحادي عشر.اسمه بالأرمية والعبرانية(بار تالماي أو تولماي)وتفسيره ابن تالمايأيابن الحارث.وأما باليونانية فيكتب وينطق علي النحو المعروف في القبطية والعربية,أي Bartholomaios.
ولقد ذكر الكتاب المقدس اسم برثولماوس بين أسماء الرسل الاثني عشر في قائمة الأسماء التي أوردها الإنجيليون الثلاثة متي ومرقس ولوقا,في المواضع التاليةمتي10:3,مرقس3:18,لوقا6:14.كذلك ورد اسم برثولماوس بين الرسل في سفر أعمال الرسل1:13,ويلاحظ أن اسم برثولماوس يجيء السادس في الترتيب بين الاثني عشر تلميذا ,في رواية الإنجيليين الثلاثة.أما في قائمة سفر الأعمال,فيرد اسمه السابع في الترتيب,كما يلاحظ أن اسم برثولماوس يجيء مقترنا باسم فيلبس,ويتلوه في الترتيب,وذلك في الأناجيل الثلاثة,أما في سفر الأعمال فيرد اسمه بعد فيلبس وتوما.أي أن اسم توما الرسول يأتي في سفر الأعمال فاصلا بين فيلبس وبرثولماوس.ولهاتين الملاحظتين أهمية خاصة,فإن الأنجيل للقديس يوحنا لم يورد اسم برثولماوس بتاتا,وإنما أورد اسم نثنائيل بدلا من برثولماوس,وذلك في الفصل الأول من الإنجيل ,وفي الفصل الأخير منه.
ففي الفصل الأول من الإنجيل للقديس يوحنا تظهر الرابطة الروحية التي تربط بين فيلبس ونثنائيل,إذ أن فيلبسوجد نثنائيل فقال له:قد وجدنا الذي كتب عنه موسي في الشريعة,وكذلك الأنبياء.وهو يسوع بن يوسف الذي من الناصرة.قال له نثنائيلأيمكن أن يخرج من الناصرة شيء صالح ؟فقال له فيلبس:تعال وانظر.فلما رأي يسوع نثنائيل مقبلا إليه,قال عنههوذا حقا إسرائيلي لا غش فيهفقال له نثنائيل:من أين تعرفني؟أجاب يسوع وقال له:قبل أن يدعوك فيلبس حين كنت تحت شجرة التين رأيتك فأجاب نثنائيل,وقال له:يا معلم أنت ابن الله.أنت ملك إسرائيليوحنا 1:45-50. هذه الرواية التي رواها الإنجيل للقديس يوحنا تشهد بالرابطة بين فيلبس ونثنائيل,وأن فيلبس هو الذي دعا نثنائيل إلي معرفة السيد المسيح,وقد تلكأ في مبدأ الأمر ولم يصدق أن يخرج من الناصرة شيء صالح .فلما قادة فيلبس وأتي به إلي المسيح بقوله:تعال وانظر,ثم جاء إلي المسيح وسمع منه كلاما أذهله,وتحقق منه علمه بماضيه وحاضره,علما لايمكن أن يتوافر لبشر حتي لو كان نبيا,تحول إلي الإيمان بالمسيح بصورة أكثر كثيرا من فيلبس الذي دعاه.فبينما كان فيلبس مازال إلي هذا الوقت يعتقد في يسوع أنهابن يوسفقفز إيمان نثنائيل إلي أن يسوع هوابن اللهوهو ملك إسرائيل,من هنا نري الرابطة الروحية في إنجيل يوحنا بين فيلبس ونثنائيل,والتي تتضح في الأناجيل الثلاثة متي ومرقس ولوقا وفي سفر الأعمال,بين فيلبس وبرثولماوس,مما استدل منه علماء الكتاب المقدس علي أن نثنائيل هو بعينه برثولماوس.ومرة أخري يذكر الإنجيل للقديس يوحنا,أن نثنائيل كان بين الرسل السبعة الذين ظهر لهم السيد المسيح بعد قيامته المجيدة علي بحيرة طبرية,عندما ذهبوا جميعا ليصيدوا سمكا في البحيرة,وصنع الرب يسوع معهم معجزة صيد السمك الكثير.في هذه المرة أيضا يذكر الإنجيل نثنائيل باسمهيوحنا 21:2.
وعلي ذلك فنثنائيل هو بذاته برثولماوس.ويقول العلماء إن نثنائيل وبرثولماوس اسمان لرجل واحد.أما نثنائيل فهو اسمه الشخصي الذي سماه به والده ومعناه بالأرامية والعبرانيةالذي أعطاه اللهأوعطا اللهويقابله باليونانية ثيودوروس,أو تادرس أو تاوضروس وأما برثولماوس فهو لقبه أو كنيته وهو اسم العائلةابن تالمايمثله في ذلك مثل سمعان بطرس الذي كان يسمي أيضابار يوحنانأي ابن يوحنانيوحنا 21:17,16,15.
والقديس برثولماوس أو نثنائيل كان أصلا يهوديا من سبط نفتالي,ومن بلدة قانا في إقليم الجليل من بلاد فلسطينيوحنا21:2ولقد اشتغل بصيد السمك,كعادة اليهود الذين كانوا يقولونإن من لم يعلم ابنة صناعة فقد علمه السرقة وأورثة الفقر,ومع ذلك كان مثقفا,وواسع المعرفة بالتوراة والمزامير وأسفار الأنبياء,وهذا يظهر من حواره مع فيلبس,واعتراضه علي أن يخرج من الناصرة شيء صالح قارنيوحنا7:52,41,.2الملوك14:25,بل ويتضح أيضا من شهادة الرب يسوع المسيح إذ قال عنههوذا حقا إسرائيلي,لاغش فيهوهي شهادة تدل علي أن برثولماوس كان رجلا يسلك بالاستقامة حسب حق الكتب المقدسة في التوراة والمزامير وأسفار الأنبياء التي درسها بإمعان وتدقيق,فوصفة المسيح بأنه رجل لايعيبه شيء بالنسبة للشريعة,وأنه مخلص ,وصريح,ونقي السيرة والسريرة,ليس فيه مكر ولاخداع,ولا نفاق,ولارياء,فهو إسرائيلي مخلص,وحقيقي,وروحي.
وقد فرح نثنائيل بهذه الشهادة الممتازة من المسيح له المجدفقال له نثنائيل من أين تعرفني؟أجاب يسوع وقال له:قبل أن يدعوك فيلبس,حين كنت تحت شجرة التين رأيتكفذهل نثنائيل من هذه المعرفة الكاشفة التي لايمكن أن تتوافر لإنسان,لذلك أجاب نثنائيل,وقال له:يا معلم أنت ابن الله.أنت ملك إسرائيل.وبذلك كان نثنائيل في اعترافه بأن المسيح ابن الله أسبق من القديس بطرس الرسول في اعترافه المشهورأنت المسيح ابن الله الحيمتي16:16مما يدل علي أن القديس بطرس عندما نطق بهذا الاعتراف العظيم,لم يكن هو الوحيد بين تلاميذ المسيح الذي يؤمن في المسيح أنه ابن الله وإنما لأنه لأنه كان الأخ الأكبر بينهم فقد تحدث عنهم,ونطق بإيمانهم.أجاب يسوع وقال له:لأني قلت لك إني رأيتك تحت شجرة التين آمنت؟لسوف تري أعظم من هذا.
والأمر الذي أذهل نثنائيل وجعله يعترف بألوهية المسيح وأنه ابن الله,أي من طبيعة الله الآب ومن جوهره,هو قوله له إنه يعرفه جيدا من قبل أن يدعوه فيلبس,وأنه قد رآه تحت شجرة التينة.
ولشجرة التينة قصة يعرفها نثنائيل,ولا يعرفها أحد غير أمه التي حدثته بشأنها.فقد جاء جند هيرودس الملك,أثناء مذبحة بيت لحم يدخلون كل بيت ليقتلوا فيه كل طفل من ابن سنتين فما أقل حتي لايفلت المسيح الطفل من سيف هيرودس,وكان نثنائيل في ذلك الوقت طفلا رضيعا يقل عن السنتين عمرا,فلما شعرت أمه بحركة الجنود الذين يدخلون البيوت بأمر الملك ليقتلوا الأطفال الذين فيها ,خافت عليه أمه,ووضعته في سفط,وصعدت به إلي أعلي شجرة التين التي في حديقة بيتها ووضعته في تعريشة الشجرة بين أغصانها الكثيفة المتجاورة المتلاحمة.فدخل الجند وفتشوا البيت,فلم يجدوا فيه طفلا,فخرجوا ,وبذلك نجا نثنائيل من موت محقق.
فلما حدثه المخلص عن هذا الأمر أدرك نثنائيل أن يسوع ليس مجرد إنسان ,وإنما هو ابن الله,أو هو إله في صورة إنسان,لأنه حدثه بحاضرة وماضية ,بمعرفة لاتتوافر لإنسان,وإنما لله وحده,وهكذا آمن نثنائيل بالمسيح,وصار من أتباعه,وواحدا من تلاميذه,ودعي باسمه الشخصي مرتين وهو نثنائيل,وباسمه العائليبرثولماوسابن تالماي-ابن الحارثأربع مرات. ولم يسجل الكتاب المقدس في الأناجيل عن القديس برثولماوس أكثر من قصة إهتدائه إلي المسيح وإيمانه به,وأنه أحد الاثني عشر الذين تبعوه ولازموه ,وصاروا له رسلا,وزودهم بكل ما يلزم لرسالتهم من نفحات روحية وتعاليم سماوية وتوجيهات أبوية إلهية,وسلطة رسولية.وقد حل روح القدس عليه في يوم الخمسين,وبعد ذلك انطلق للخدمة وللكرازة في البلاد التي وقعت قرعته للذهاب إليها.
ولقد ذهب إلي الواحات,وبشر فيها باسم المسيح وصنع الرب علي يديه من الآيات والعجائب الباهرة ما أذهل عقول الناس,فآمن بالمسيح من آمن.
وذهب إلي ليكاؤنية بأرمينيا الكبري كارزا باسم المسيح.ويذكر عنه أيضا أنه أنطلق مع القديس بطرس الرسول إلي بلاد آسيا الصغري ,ولما لم يتمكنا من دخول البلاد,احتالا علي ذلك بحيلة روحية,بأن باعه القديس بطرس عبدا لأحد عظماء البلاد,وقد استغله الغني للعمل في كرمة مع عبيده فكان كلما هيأ برثولماوس شيئا من أغصان الكرم أثمر لوقته.وحدث أثناء وجوده هناك أن مات ابن رئيس المدينة,فأقامه من الموت باسم السيد المسيح,فآمن بالمسيح كثيرون.وبعد أن عمدهم ثار عليه كهنة الأصنام,فصلبوه مع القديس فيلبس الرسول,ولكنه نجا من الصلب بتدخل إلهي وحدوث زلزلة ,فأمره الرب يسرع أن يمضي إلي بلاد البربر,وأرسل إليه الرب القديس أندراوس الرسول لمساعدته,وقد وجدا من الناس مقاومة شديدة ,فلم يفشلا,وظلا يبشرانهم ويخدمانهم حتي قبل عدد منهم البشارة ,ودخلوا دين المسيح,فأقاما لهم كنائس ورسما لهم كهنة وشمامسة.
ثم مضي برثولماوس الرسول إلي البلاد التي علي شاطيء البحر الأبيض المتوسط,كما ذهب إلي بلاد الهند علي ما يروي المؤرخ سقراط في كتابهتاريخ الكنيسةالكتاب الأول,فصل19وفي بلاد الهند ترك عندهم الإنجيل للقديس متي مكتوبا بالعبرانية,وقد أحضره معه إلي الإسكندرية القديس بنتينوس رئيس المدرسة اللاهوتية بعد أن قام برحلته الموفقة إلي بلاد الهند في القرن الثاني نحو سنة 180 لتجسد المسيح علي مايقول المؤرخ يوسيبيوس في كتابهتاريخ الكنيسةالكتاب الخامس,الفصل العاشر,الفقرة3ويؤيده في ذلك أيضا جيلاسيوس الذي يؤكد أن هذه الرواية صارت تقليدا معروفا ومستقرا في العالم المسيحي.
ويقول بعض المورخون إن برثولماوس نادي باسم المسيح في الأقليم الجنوبي الغربي من بلاد العرب,ثم اجتاز إلي البلاد التي علي شاطئ بحر كسبيان بأرمينيا,وبشرهم هناك باسم المسيح,وحضهم علي العفاف ,فثار عليه كهنة الأصنام وشكوه إلي الملك اغرباس بن أرسطوبولس بن هيرودس الكبير الذي كان يحكم أيطورية وكورة تراخونيتس ,فحنق عليه ,وأمر بسلخ جسده حيا. ثم قطعوا رأسه ووضعوا جسده في كيس بعد أن ملأوه بالرمل,وطرحوه في البحر,وتم ذلك في البانوبوليس بأرمينيا أو كيليكيا.
ويعتبر القديس برثولماوس في أرمينيا اعتبارا عظيما ويعدونه أيضا شفيعا لهم.أما جسد القديس فعثر عليه المؤمنون,ونقلوه إلي جزيرة ليباري,حيث ظل هناك محفوظا إلي عام 839 حيث دخلت عساكر الشراكسة الجزيرة ودمروها وأخرجوا أعضاء القديس من الضريح وأهانوها,إلا أن أحد الرهبان اليونانيين استطاع أن يجمع الأعضاء وأن يخفيها بحرص شديد.فلما بلغ الخبر إلي سيكاردوس أمير مدينة بانافانتو في إقليم كامبانيا بالقرب من مدينة نابولي,اهتم بتحريض أسقف مدينة أورسوس في نقل الذخائر من جزيرة ليباري إلي بانافنتو,وفي أوائل القرن الحادي عشر تم نقل بعض الرفات إلي روما,ووضعت الرفات في كنيسة شيدت علي اسم القديس برثولماوس في المكان المدعو الجزيرة التيارية.