مخاوف حقوقية لتهجير الفقراء من أراضيهم!
يعتبر إقليم القاهرة الكبري أكبر تجمع بشري وحضري بالقارة الأفريقية والشرق الأوسط,يمتد ليشغل مساحة 850ألف فدان تغطي الكتلة العمرانية, مما دعا الهيئة العامة للتخطيط العمراني بإعداد المخطط الاستراتيجي لتنمية الإقليم حتي عام 2050 بالتعاون مع الوزارات والمحافظات المعنية,كما دعا وعلي الجانب الآخر هناك من يري عدم جدوي هذا المخطط,بل وصفه البعض بالمؤامرة لذبح الفقراء لحساب المستثمرين. وطني تقدم هذا التحقيق للتعرف علي الآراء المختلفة حول هذا الموضوع.
عشوائيات ومتاحف
قال المهندس أحمد المغربي وزير الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية إن التوجهات المبدئية للمخطط تسعي لاستغلال المناطق ذات الطابع الأثري لتحقيق أعلي دخل اقتصادي للحكومة,وذلك عن طريق تحويلها إلي متاحف مكشوفة,وإزالة العشوائيات من حولها,طرح الجزر النيلية ومن بينها جزيرتا الدهب والوراق والأراضي الواقعة علي كورنيش النيل للبيع للمستثمرين بعد نزع ملكيتها,وإن هناك مقترحا بنقل 24مليون مواطن إلي صحراء محافظتي أكتوبر وحلوان,كشف عن الاتجاه إلي إزالة 29منطقة في محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية وحلوان.
وعن أهداف المشروع قال المهندس محمد دمرداش مساعد أول وزير الإسكان إنه وضع رؤية مستقبلية للتنمية المتكاملة العمرانية الحالية لمدن الإقليم مع ربطها بالمدن والتجمعات الجديدة المحيطة بها,وتطوير إطار مؤسسي جديد لإدارة عملية التنمية بالإقليم,مع إتاحة الفرصة للتنمية المخططة لاستيعاب الزيادة المتوقعة,مع توفير فرص العمل المطوبة لتلك الزيادة.
أشار المهندس دمرداش إلي أن المشروع يساعد علي التحكم في الكثافات العمرانية والبنائية للمناطق المختلفة,وكذلك نوعية الاستعمالات والأنشطة داخل الإقليم,عن طريق اشتراطات تخطيطية واضحة,ومحددة لكل منطقة تراعي ظروف ومحددات وإمكانيات كل منطقة علي حدة,مع رفع كفاءة الخدمات العامة علي مستوي القطاعات والمناطق التخطيطية,خاصة للمناطق العشوائية والريفية والملتحمة,والتي تعاني نقصا حادا في الخدمات المجتمعية الأساسية,والتنمية الاستراتيجية للقاهرة,وذلك من خلال الاتفاق علي رؤية جديدة وتعظيم القيم التنافسية بينها وبين مدن الشرق الأوسط.
15خطا لمترو الأنفاق
وقال الدكتور مصطفي مدبولي رئيس هيئة التخطيط العمراني إن هناك مقترحا بإنشاء 15خطا تبادليا لمترو الأنفاق بطول 600كيلومتر,وإنشاء 14محورا مروريا جديدا دون تقاطعات لتسهيل السيولة المرورية داخل وخارج الإقليم,ونسعي لنقل صناعات الحديد والمسابك والصناعات الملوثة وحظائر الخنازير إلي خارج الإقليم,وإنشاء عدد من المدن الصناعية والخدمية,ويشمل المخطط إنشاء متاحف متخصصة ومفتوحة في المناطق الأثرية.
أشار الدكتور مدبولي إلي أن المشروع بصدد إنشاء مدن طبية متخصصة في الرعاية الثلاثية لعمليات القلب المفتوح وزراعة الكبد والكلي,وأخري للتعليم والبحوث,وجامعات دولية,وزيادة عدد الغرف السياحية العلاجية والترفيهية.
أضاف الدكتور مدبولي أن المقترحات تشمل أيضا تطوير مدينة الإنتاج الإعلامي,وإنشاء ستوديوهات عالمية,ومكتبات عالمية بالقاهرة والجيزة علي غرار مكتبة الإسكندرية الكبري,وأنه تم توفير مبلغ 20مليون جنيه بموازنة الهيئة خلال العامين المقبلين للمساهمة في إعداد المخطط,وتم توقيع العديد من الاتفاقيات مع الجهات الدولية المتخصصة لتوفير الدعم الفني والخبرة العالمية كهيئة التعاون الدولي اليابانية,البرنامج العالمي لتحالف المدن,البنك الدولي,والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة.
مخطط شامل
وعن مشكلة وجود متضررين من سكان بعض مناطق القاهرة الكبري لهذا التخطيط قالت الدكتورة وفاء العامر عميد كلية التخطيط العمراني بجامعة القاهرة إن مقترح القاهرة 2050طموح ولكن لابد من مراعاة مصلحة المواطن الفقير,ولعل أفضل المقترحات تطوير وسط المدينة,ميدان رمسيس,وإعادة استغلال مربع الوزارات في أنشطة ثقافية,وإنشاء جراجات متعددة الطوابق,وتطوير الواجهة النيلية,والذي يبدأ من مثلث ماسبيرو حتي روض الفرج بمساحة 1200فدان بطول 6كيلومترات ليكون بمثابة مركز سياحي وترفيهي,مع إنشاء أبراج إدارية وخدمية.
أشارت الدكتورة وفاء إلي أهمية التخطيط لنقل المتضررين إلي أماكن أخري بالمدن الجديدة,خاصة وأن مشكلة القاهرة سببها الرئيسي ناجم عن المناطق المجاورة والموازية لها,لذا يجب أن يكون هناك مخطط لتنمية شاملة وموازية للإقليم بالقاهرة والأقاليم المجاورة له,وتعمل الحكومة علي إعداد مخطط واضح لمعرفة الحجم السكاني المطلوب تفريغه من القاهرة لتنفيذ المشروع بالإضافة للأماكن المقترحة التي يتم نقلهم إليها,وخلق فرص العمل المتاحة في هذه الأماكن.
أضافت الدكتورة وفاء بقولها: مشروع القاهرة عام 2050 هو أحد أولويات الحزب الوطني التي أعلن عنها العام الماضي لتصفية البؤر العشوائية وسط القاهرة ونقلها إلي المدن الجديدة,وبيع تلك الأراضي للمستثمرين.
تصفية البؤر العشوائية
وفي ذات الإطار قال المهندس صلاح حجاب رئيس لجنة التشييد بجمعية رجال الأعمال إن مشروع القاهرة 2050له عدة مراحل,أهمها استيعاب وتوزيع الزيادة السكانية المتوقعة حتي عام 2022 لتطوير القاهرة الفاطمية,والانتهاء من تنفيذ الخطين الثالث والرابع من مترو الأنفاق,وتطوير مطار القاهرة الدولي,بالإضافة إلي تطوير ميدان الرماية والمنطقة المحيطة به,والتي تضم المتحف المصري الكبير,وتطوير ميدان الجيزة مع تحزيم العشوائيات بمناطق مخططة,للحد من نموها أو ظهور بؤر جديدة.
وأضاف حجاب أنه لابد من تكاتف كافة الجهات المعنية بعملية التنمية في مصر,والاتفاق علي هذه الرؤية المستقبلية,مع الاستفادة بالخبرات العالمية,والجهات المانحة العاملة في مصر لتوفير الدعم الفني,والمالي المخطط للقاهرة 2050.
ومن جانبه قال فؤاد مدبولي نائب رئيس هيئة التخطيط للشئون الفنية بوزارة الإسكان إن تطوير وتخطيط القطاع الشمالي لمدينة الجيزة يهدف إلي توفير بيئة معيشية أفضل للسكان في المناطق العشوائية بتوفير الخدمات والإسكان البديل,وفتح محاور حركة مرورية لتخفيف الضغط علي المناطق العشوائية بالقطاع مما يسهم في الارتقاء التدريجي,وتفعيل آليات السوق وتشجيع مساهمة القطاع الخاص في التنمية والتطوير.
وأشار المهندس فؤاد إلي أن وزارة الإسكان قامت بعمل مشروع تطوير ميدان الرماية والمداخل الغربية لإقليم القاهرة الكبري,حيث تم تنفيذ ربط القوسين الشرقي والغربي للطريق الدائري محور المريوطية وجار التنفيذ,وسوف يتم الإنتهاء منه خلال 24شهرا,وإنشاء نفقي الفيوم والمنصورة لحل مشكلة المرور بالميدان حاليا.
أضاف المهندس فؤاد أنه جار إعداد تنفيذ كوبري علوي عند تقاطع طريق مصر-الإسماعيلية مع الطريق الدائري محاور شرق القاهرة بهدف إلغاء التقاطعات بين الحركة المرورية الرئيسية علي طريق مصر الإسماعيلية-الطريق الدائري-المرور السطحي بمدخل مدينة السلام,طول الكوبري يصل إلي 650م,وتطوير موقف السرفيس الذي يرتبط بالطريق الدائري,بالإضافة أيضا إلي الربط لمداخل مدينة الشروق مع طريقي القاهرة-السويس, والقاهرة-الإسماعيلية الصحراوي بتكلفة 105ملايين جنيه بخلاف تكلفة تحويل المرافق ونزع الملكية.
مؤامرة لذبح الفقراء
علي صعيد آخر قالت منال الطيبي رئيس مجلس إدارة المركز الرئيسي لحقوق السكن: إن مخطط القاهرة 2050يعد مؤامرة كبري لذبح الفقراء لحساب رجال الحكومة والمستثمرين ولا يمكن أن يتصور أحد أن تخطيط الحكومة لتهجير ملايين المواطنين من منازلهم وأراضيهم قسريا,لإنشاء مشروعات يستفيد منها رجال الحكومة,وكبار المستثمرين فقط,فالخطة التي يتم الإعلان عنها تتضمن العديد من المشروعات التي سيتم تهجير السكان من أجلها لإنشاء متنزهات ومشروعات سياحية دون أن تتضمن أي معلومات عن كيفية نقل السكان وإلي أين؟..وكيف سيتم تعويضهم عن مساكنهم وأراضيهم التي وصلت أسعار بعضها إلي ملايين الجنيهات لتميز موقعها.
أشارت الطيبي إلي أن المدهش في الأمر أن الخطة الجديدة لا تعالج أصل المشكلة التي أدت إلي هذا التكدس السكاني بل علي العكس,فأنها تزيد وتعمق المشكلة,بسبب استحواذ القاهرة علي أكثر من 50% من حجم استثمارات الدولة,مما يؤدي لتركز فرص العمالة بها دون المحافظات الأخري.
أضافت الطيبي أن المركز قام بالاتصال ببعض الجهات التمويلية السالف ذكرها ومنها البنك الدولي,لتوضيح رؤية المركز في الخطة,وكيفية انتهاك الخطة للحق في السكن للفئات الفقيرة في القاهرة,خاصة وأن الحكومة تقدمت بمشروع للبنك الدولي لاقتراض 30مليون دولار لتنفيذ جزء من هذه الخطة,وبناء عليه رفض البنك تمويل المشروع.
أبدت الطيبي تخوفها الشديد من التوسع في بيع أراضي الدولة للمستثمرين خاصة العرب والأجانب,والذي أصبح ناقوسا يدق الخطر,وخاصة أن استثمار الأجانب في السوق العقارية يرفع من قيمة الأراضي والوحدات السكنية,مما يجعل الحصول عليها في غاية الصعوبة لمعظم فئات المجتمع وليس لمحدودي الدخل فقط.