العيد علي الأبواب
الأسواق الشعبية في مصر أصبحت بشهادة الجميع مثل الماء والهواء لاغني عنها لأي إنسان! , فـ 60% من المصريين يقعون تحت خط الفقر بسبب ضعف الأجور وغلاء الأسعار والبطالة المتفشية بين شريحة كبيرة من الناس مما دفع بالأغلبية الكاسحة منهم للإتجاه نحو كل ما هو رخيص سواء كان طعاما أو شرابا أو كساء. الأسواق الشعبية قفزت خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك وبعد قيام ثورة يناير قفزات كبيرة للأمام لتحتل مقدمة اهتمامات المصريين. وزادت أهمية هذه الأسواق بعد انضمام شريحة عير قليلة من أصحاب الدخول الكبيرة لمزاحمة البسطاء الفقراء في هذه الأسواق مما دفع التجار بها لرفع أسعار سلعهم, ومع ذلك لا تزال الأسواق الشعبية هي الأرخص والأكثر ملائمة لجيوب المصريين مما جعلها في حالة انتعاش دائم لا تعرف الركود. ومع اقتراب العيد رفعت الأسواق الشعبية في بلادنا حالة الطواريء وباتت في حال استنفار دائم لا تلمم بضائعها ولا تغلق أبوابها إلا لسويعات قليلة لتبدأ مع صباح جديد مواجهة حالات الازدحام غير المسبوقة من ملايين العائلات الباحثة عن احتياجاتها ولا تجدها إلا في هذه الأسواق التي تساهم بالفعل في رسم الفرحة علي الوجوه البائسة وتتبطب علي جيوب المصريين بدون استغلال أو جشع المتاجر الكبري.
وطني وفي محاولة جادة منها لرسم صورة حقيقية علي أرض الواقع حاورت العديد من التجار في هذه الأسواق إلي جانب عدد من خبراء الاقتصاد ليتحدثوا عن تجربة الأسواق الشعبية ومواكبتها للأحوال الاقتصادية سواء للدولة أو للأفراد.
يتفق معظم التجار الذين حاورتهم وطني علي أن سوق وكالة البلح تعتبر من أهم الأسواق التي تلفي رواجا شديدا علي مدار وليس فقط في مواسم الأعياد وذلك لتوافر جميع الاحتياجات التي تتناسب مع كافة الشرائح وبالأسعار والخامات التي يبحثون عنها. وينطبق ذلك أيضا علي أسواق القاهرة القديمة التي لا يقتصر زبائنها علي المصريين فقط بل علي السائحين العرب والأجانب مثل أسواق خان الخليلي و الموسكي و العتبة.
وأكد التجار في تصريحاتهم لـ وطني أن 90% من زبائن هذه الأسواق من الطبقات المتوسطة ومحدودي الدخل حيث حيث تتناسب أسعار المنتجات المعروضة مع إمكانياتهم, مشيرين إلي أن معظم المحلات الموجودة في تلك الأسواق ترجع لعقود كثيرة, وأن التجارة بهذه الأسواق موروثة عن الآباء والأجداد وأنه سيتم توريثها للأبناء حفاظا علي الاستمرارية حيث أن معظم المحلات لا تزال تحمل نفس الأسماء وإن تغير شكلها وفقا للصيحات الجديدة ومتطلبات السوق.
يقول عثمان الصاوي تاجر قماش بالموسكي : إن حركة البيع والشراء لا تزال علي عهدها ولم تقل وإن كانت تشهد زيادة كبيرة في مثل هذه الأيام المرتبطة بالأعياد سواء الإسلامية أو المسيحية, وإن كنت أستطيع الجزم بأن الزيادة في هذا الموسم وخاصة بعد أحداث ثورة يناير باتت كبيرة عن السنوات السابقة وقد يرجع ذلك لعدة أسباب في وجهة نظري أهمها أن الغالبية من المصريين أصبحت شديدة التدقيق في إنفاق الأموال بحيث باتت العائلات تسعي نحو الرخيص الذي يلي احتياجات كل أفراد الأسرة وهو مسلك بات العديد من الأغنياء يتبعونه من منطلق إيمانهم بأن أحدا لن يسألهم من أين اشتريتم وذلك لأن بضائعنا ليست سيئة كما يتخيل البعض بل علي العكس من ذلك تتسم حاليا بالجودة وملائمة مختلف الأذواق.
ويطالب الصاوي بضرورة التدخل الحازم من قبل الدولة للحفاظ علي هذه الأسواق بل والتوسع فيها في مختلف محافظات مصر لتلبية احتياجات الشريحة الأكبر من المواطنين والتخلص من الفوضي التي يثيرها حاليا الباعة الجائلون الذين يفترشون الأرصفة والطرق داخل هذه الأسواق مستغلين إقبال الناس بكثافة عليها.
ويري أشرف عبد المنعم صاحب أحد محلات الملابس بوكالة البلح أن الأسواق التجارية لها ميزاتها التي لا تتوافر في المولات التجارية والمتاجر الكبري في وسط العاصمة أو في المناطق الراقية. فوكالة البلح التي كانت يوما ما السوق الرئيسية لتجارة البلح الوارد من صعيد مصر علي المراكب الشراعية تغير نشاطها في الثمانينيات مع تغير التجارة في تلك الفترة وزيادة الإقبال علي الملابس والأقمشة المستوردة, فاتجه الكثيرون من أصحاب المحلات لمواكبة هذا التغير, وباتت الوكالة منذ ذلك الحين أحد أهم المعاقل الشعبية في مصر في تجارة الملابس والأقمشة.
ويضيف عبد المنعم بقوله! إن زبائن الوكالة لا يقتصرون فقط علي الطبقة المتوسطة أو الفقيرة وإنما من كافة الطبقات والشرائح, ومن جميع الأعمار سواء شباب أو أطفال أو كبار السن حيث أن الوكالة بها ما يتناسب مع كل الطبقات والأعمار, ولولا ذلك ما كان هذا الإقبال.
من جانبه.. يوضح د. أحمد الغندور الخبير الاقتصادي بالقول إن الأسواق التجارية الشعبية تساعد في تنشيط التجارة الداخلية ولكن في إطار الشرعية من حيث إدخال التجار والبائعين الموجودين بها تحت سيطرة الدولة, وأن تكون هناك إجراءات وقواعد تحكم سير العمل في تلك الأسواق مضيفا بقوله إن نسبة كبيرة من المبيعات في السوق المصرية هي من نصيب الأسواق الشعبية نظرا لإقبال جميع الطبقات والأعمار عليها وذلك بالرغم من أن هناك منتجات كثيرة غير مسجلة يتم بيعها داخل هذه الأسواق حيث تدخل هذه البضائع إلي الأسواق الشعبية عن طريق التهريب أو يتم تصنيعها في مصانع صغيرة عشوائية لا تخضع لمقاييس المعايير والجودة.
ويتفق د. محمود عبد الحي الخبير الاقتصادي المعروف في الرأي مع ما ذكره الغندور ويضيف عليه بقوله إن الأسواق الشعبية في مصر يمكن استغلالها بشكل أفضل مما هي عليه الآن. بحيث تحدث فارقا كبيرا في التجارة والصناعة في مصر من خلال زيادة حجم المنتجات المصرية وضخ ما يخرج من مصانعنا في تلك الأسواق بأسعار مناسبة متوافقة مع المنتجات المستوردة التي امتلأت بها وأيضا بجودة عالية قادرة علي المنافسة, مشيرا في هذا الصدد إلي أن 60% من المنتجات الموجودة في تلك الأسواق إما مستوردة أو ناتجة عن صناعات عشوائية, ولكن في حالة تنفيذ خطط واستراتيجيات تهدف لزيادة الناتج المحلي القادر علي إثبات ذاته فإن العائد سيكون كبيرا علي الصناع والتجار, وبالتالي سيرتفع معه معدل النمو في الاقتصاد القومي إلي جانب توفير المزيد من فرص العمل للشباب.
ويؤكد د. حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي والرئيس الأسبق لأكاديمية السادات أن السوق المصرية بمفهومها الأعم والأشمل لديها جميع الإمكانيات والموارد التي تساعدها في تحقيق الأهداف الاقتصادية التي نسعي إليها من خلال الكثافة السكانية المرتفعة وزيادة الإقبال علي الشراء إلي جانب السائحين الذين يتوافدون علي مصر علي أن يتم تخصيص زيارات لهم في برامجهم لتلك الأسواق الشعبية وخاصة العتبة والموسكي ووكالة البلح وخان الخليلي بما يساعد في إدخال العملة الصعبة من جهة وتسويق منتجاتها المصرية من جهة أخري.
ويطالب د. عبد العظيم الدولة بالتوسع في الأسواق الشعبية في مختلف المحافظات لتحقيق أهداف وطنية سعت ثورة يناير لتحقيقها ومنها: تسويق منتجاتها المصرية بما يسهم في استمرارية عجلة الإنتاج بمصانعنا الوطنية سواء عامة أو خاصة, واستيعاب آلاف الباعة الجائلين المحتلين للأرصفة والشوارع ليبيعوا بضائعهم بشكل مقنن داخل هذه الأسواق فتستفيد الدولة منهم, ويتحقق للمواطن توافر سلع جيدة مضمونة وبأسعار تنافسية.