تشير الدراسات العلمية إلي أن العنف يعد إفرازا طبيعيا لتنشئة أسرية غير سوية, وأوضاع اقتصادية متدهورة, وعلاقات اجتماعية مليئة بالكراهية ولاعتبارات ثقافية يحكمها الجهل والتخلف.
وأصبحت صفحات الحوادث مليئة بجرائم العنف والقتل, ووصلت إلي حد الظاهرة كما وصفها خبراء علم الاجتماع, وأصبحت هذه الظاهرة تهدد المجتمع بشكل كبير, وحول هذا الموضوع تقدم وطني التحقيق التالي.
قال الدكتور رفعت الأنصاري أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة حلوان إن التفكك الأسري وانتشار أخبار ومشاهد العنف في وسائل الإعلام من أهم أسباب انتشار جرائم الدم في المجتمع, بالإضافة إلي القضايا الشائعة مثل البطالة والغلاء وضيق الإمكانات المادية, حيث إن الأرقام والإحصاءات التي تنشر في الصحف تثير الفزع والهلع بين المواطنين, خاصة أن بعض النتائج لبعض الدراسات تشير إلي أن العنف اللفظي يبلغ 41% من حجم العينة, والعنف الجسدي 30%.
انتقد الدكتور الأنصاري الصحف التي تسود صفحاتها بالتفاصيل الدقيقة لبعض الجرائم, وقال إن انتشار العنف في الشارع يتناقض تماما مع طبيعة الشعب المصري المتسامحة, والقائمة علي المودة والتراحم, معتقدا أن الظاهرة لها علاقة بالثورة التكنولوجية, وعالم الفضائيات والإنترنت الذي يخلق مجتمعا افتراضيا يؤدي إلي الفردية والانعزالية عن بقية أجزاء الأسرة.
البطالة… الفقر والعنف!
من جانبها قالت الدكتورة سوسن الغزالي أستاذة الصحة العامة والطب السلوكي بجامعة عين شمس إن غريزة تدمير الذات والآخر كامنة داخل الإنسان ومعظم الجرائم السالفة تندرج تحت بند الغيرة والانتقام والحقد الذي يولد الكراهية, فيخرج الإنسان عن شعوره وفقا للنظرية السلوكية العكسية, ويتحول الإنسان من النقيض إلي النقيض.
أشارت الدكتورة سوسن إلي أن العنف غالبا يسبقه إحباط, والإنسان المصري بصفة عامة يعاني من بعض الإحباطات المتمثلة في الفقر والزحام واستخدامه للقوة لأخذ حقه بنفسه, ومعاناته من البطالة وانتشار الأمية والغلاء, بالإضافة إلي تعاطي المخدرات والخمور, وهي بدورها تساهم في 70% من جرائم القتل والاغتصاب والعنف وحوادث المرور, إلي جانب أفلام العنف التي تحفل بها الفضائيات من قتل وتدمير وحروب, مما يجعل الفرد عرضه لما يسمي الكرب التالي للصدمة, حيث تتبلد المشاعر وتزداد العصبية وسهولة تقبل العنف وممارسته.
العنف سلوك اجتماعي
أما الدكتور أحمد أبو طالب الأستاذ بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية فسر ظاهرة العنف من الناحية الاجتماعية التي فرضت ذاتها علي المجتمع في الآونة الأخيرة ليست حديثة, ولكنها موجودة من قديم الأزل فالعنف سلوك اجتماعي موجود لدي أي شخص, ولكن التعبير عنه يختلف من شخص لآخر, ولا يوجد شخص عدواني بطبعه ولكن الظروف هي التي تجعله عدوانيا.
أشار الدكتور أبو طالب إلي أن جرائم القتل أصبحت أشد بشاعة في الآونة الأخيرة, ويرجع ذلك إلي أن السلبيات داخل المجتمع تفوق الإيجابيات, وأهمها الوضع الاقتصادي السيئ, والبطالة, وأفلام العنف والتي تبثها القنوات التلفيزيونية.
وعن العنف داخل الأسرة قال الدكتور محمد عبد العزيز أستاذ علم النفس بكلية التربية إن الكثيرين من مرتكبي جرائم القتل يعتقدون أن التخلص من ضحاياهم هو بمثابة الانتهاء من المشكلات والمتاعب التي يسببها المجني عليهم, إلا أن الواقع يؤكد عكس ذلك تماما.
أشار الدكتور عبد العزيز إلي أن غياب الوازع الديني لدي المتهمين والمجني عليهم ساهم إلي حد كبير في الوصول إلي الجريمة البشعة, وهذه الجرائم تأتي نتيجة انهيار نسق قيم المجتمع, ومنها القيم الأسرية وتحلل العلاقات الأسرية والترابط الأسري.
أكد الدكتور عبد العزيز أن العملية التربوية مبنية علي التفاعل الدائم والمتبادل بين الطلاب ومدرسيهم, حيث إن سلوك الواحد يؤثر علي الآخر وكلاهما يتأثر بالخلفية البيئية, ولذا فإننا عندما نحاول أن نقيم أية ظاهرة في إطار المدرسة, فمن الخطأ بمكان أن نفصلها عن المركبات المختلف المكونة لها, فالبيئة جزء كبير من هذه المركبات, ميشرا إلي أن المدرسة تعتبر المصب لجميع الضغوطات الخارجية فيأتي الطلاب المعنفون من قبل الأهل والمجتمع المحيط بهم إلي المدرسة ليفرغوا الكبت القائم بسلوكيات عدوانية عنيفة يقابلهم طلاب آخرون يشابهونهم الوضع بسلوكيات مماثلة, وبهذه الطريقة تتطور حدة العنف ويزداد انتشارها, كما في داخل المدرسة تأخذ الجماعات ذوات المواقف المتشابهة حيال العنف وتحالفات من أجل الانتماء, مما يعزز عندها تلك التوجهات والسلوكيات.
العنف ووسائل الإعلام
أما عن وسائل الإعلام قالت وفية خيري الروائية والسيناريست إن وسائل الإعلام لها دور مهم في القضاء علي الظاهرة, فلابد أن يقل التركيز الإعلامي علي الصورة العنيفة داخل المجتمع, وبدلا من أن تقوم وسائل الإعلام بعرض هذه الصور لابد أن تعالج العنف داخل المجتمع, وهذا الدور فالأفضل أن يلقي علي عاتق رجال الدين, فعليهم أن يتحدثوا عن تجريم الديانات السماوية القتل, ودعاء الناس إلي التحلي بالصبر والرضا, وضع حدود للتطلعات, خاصة بعد أن أصبح الإعلام خاصة الإعلام المرئي أهم عامل إجباري وثقافي وفني وتربوي في حياة الأفراد والشعوب, يملأ أوقاتهم ويعزز فيهم قيمه ويؤثر في سلوكياتهم أكثر من الأسر أو المدرسة أو الجامعة, حيث أصبح الإعلام منافسا للعلم.
وعن أنواع العنف قالت الدكتورة ماري عبد الله أستاذة علم النفس المساعد بجامعة عين شمس إن للعنف أنواع مختلفة, منه العنف اللفظي والجسدي والمعنوي والعنق الاقتصادي, ويختلف العنف باختلاف النوع وكذلك العمر, مشيرة إلي أن الدراسات أوضحت أن هناك صفات نعرف بها الشخص العنيف, فهو شخص لا يشعر بالرضا والراحة والقبول, له طابع حزين, متشائم, غاضب, ويجب قياس العنف برد الفعل وليس بالفعل.
أشارت الدكتورة ماري إلي أن هناك مجموعة من العوامل الخارجية تسبب العنف منها الإحباط, مشيرة إلي أهمية غرس القيم منذ الصغر مثل قيم الحب والانتماء والتسامح وقبول الآخر, وأهمية وضع هدف والسعي لتحقيقه, والتركيز علي أهمية الرياضة وممارستها, والتفاهم بين الأبناء والآباء.
أكدت الدكتورة ماري علي الوقاية والعلاج ومساعدة الفئات الهشة الأكثر قابلية للاستثارة, للتعرف علي مثيرات العنف لديها ومحاولة خفض العنف والحوار الصحي الإيجابي لإعطاء الفرصة لكل الفئات للتعبير عن نفسها بشكل منظم وآمن مما يقلل من فرص اللجوء إلي العنف.