بعد خمس سنوات علي دخول القوات الأمريكية إلي العراق وإسقاط صدام حسين, وإعدامه بعد ذلك علي يد العراقيين, ما وضع العراق؟ وما مستقبله؟ وكيف ينظر كل طرف إلي هذا الحدث الضخم الذي هز الشرق الأوسط؟ وهل تغير الشرق الأوسط كما كان يحلم بوش ومعاونوه؟ وهل هناك آمل في عراق حر ديموقراطي؟.
الإجابات علي هذه الأسئلة تختلف حسب رؤية كل طرف للحرب وموقعه من إدارة بوش وحساباته في العراق الجديد.نحن أمام كم هائل من الكتابات والتحليلات واللقاءات وعشرات الكتب التي صدرت في أمريكا عن العراق ولم تترك صغيرة وكبيرة عن هذه الحرب إلا وحللتها…هناك إذا رؤي متباينة ولكنها تصب – في معظمها – في تقييم سلبي لهذا الحدث علي أوضاع أمريكا والشرق الأوسط والعالم.
(1)
اعتبر الرئيس بوش, في خطابه يوم 19 مارس في وزارة الدفاع في هذه الذكري, أن انتصارا كبيرا قد تحقق في العراق ,ورغم إقراره بأن هناك جدلا له ما يبرره حيال ما إذا كانت اهداف الحرب تستحق القتال, إلا أنه يقول لابد من مواصلة القتال لأن النجاح في العراق سيشكل نصرا استراتيجيا في الحرب علي الإرهاب. ورغم افتخار بوش بالإطاحة بطاغية وتحرير 27 مليون عراقي إلا أنه يعود ويعترف بأن هناك تحديات تقف عائقا في وجه بناء نظام ديموقراطي جديد في العراق. تنطلق رؤية بوش من أنه يجادل بأنه جعل العراق مغناطيسا يجذب الإرهابيين من كل مكان في العالم وإسفنجة امتصت أي خطر علي الغرب ولهذا لم تحدث عملية واحدة ضد أمريكا منذ 11 سبتمبر نتيجة لجهوده في محاربة الإرهابيين علي أراضيهم, وهو مصرعلي محاربتهم علي أرض العراق حتي القضاء عليهم مبررا ذلك بأنه الطريق الوحيد لمنع وصولهم إلي أمريكا ,وأيضا لأنه حقق انتصارات عليهم في العراق حيث تقلص العنف بنسبة 60% في السنة الأخيرة بعد زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق ومساندة عشائر السنة في مطاردة القاعدة.
(2)
بعيدا عن رؤية بوش لانه لا يستطيع أن يقول غير ذلك, فما رؤي الأطراف الأخري؟.
_ أغلبية عراقية تقول نحن الآن في وضع أفضل مما كنا عليه تحت حكم صدام وهؤلاء يشكلون الأكراد والشيعة, ووفقا لآخر استطلاع للرأي فإن 55% من العراقيين يقولون إن حياتهم تتجه للأفضل مقابل 39% عام 2007,وأن 62% يرون أن الوضع الأمني في تحسن.
_ أغلبية كاسحة عربية تقول نحن في وضع أسوأ والمنطقة كلها في وضع أسوأ بعد الغزو.
_ أغلبية أمريكية تري: أن النتائج التي تحققت لا تستحق ما بذل فيها من أرواح وأموال, فبحسب محطة أيه. بي. سي الأمريكية فإن 66% من الأمريكيين يقولون إن الحرب لم تكن تستحق شنها, في حين أن 7 من كل 10 أمريكيين في استطلاع آخر للرأي قامت به سي. إن. إن يرون أن الحرب علي العراق سبب رئيسي في الازمة الاقتصادية التي تعيشها أمريكا.
_ أغلبية في العالم تري: أن الحرب كانت حماقة امريكية.
_ أغلبية من المنظمات الحقوقية تري: أن الحرب أدت إلي تردي وضع حقوق الإنسان في العالم.
_ أغلبية من المحلليين السياسيين تري: أن المنطقة العربية والدول الإسلامية عصية علي التغيير الديموقراطي, وأن هدف التغيير الديموقراطي في المنطقة متعثر .
_ أغلبية من المحلليين من مؤيدي الحرب,وأنا واحد منهم, تراجعوا أمام تفاقم تكلفة الحرب وتخبط الإدارة الإمريكية في مشروع الدمقرطة, وتخندق العراقيون في أحضان طوائفهم, واتساع النفوذ الإيراني, والمحاولات الدائبة لدول الجوار لإجهاض تجربة العراق الديموقراطي وتركه نهبا للفوضي لإثبات أنهم قادرون علي إفشال المشروع الأمريكي.
(3)
أما بالنسبة للخسائر في العراق علي مدي السنوات الخمس الماضية فنحن أمام كارثة بكل المعايير حيث قتل 4000 جندي أمريكي مع عشرات الآلاف من المصابين,و 175 جنديا بريطانيا و134 من جنود باقي قوات التحالف. وعلي المستوي العراقي, وفقا لتقديرات حكومية عراقية, قتل في السنوات الخمس الماضية حوالي 150 ألف عراقي معظمهم في تفجيرات انتحارية ,ولكن منظمة بريطانية هي إيراك كونت قدرت القتلي بنحو 12 ألف جندي عراقي وحوالي 81 ألف من المدنيين. وقتل 233 إعلاميا من دول العالم المختلفة, النسبة الأكبر منهم مراسلون لوسائل إعلام غربية. ووفقا لمنظمة الصليب الأحمر الدولية هناك 375 ألف مفقود في هذه الحرب, أما المفوضية السامية لشئون اللاجئين فقدرت الهجرة بنحو 2 مليون و300 ألف حالة نزوح داخلي في العراق, و2 مليون و200 ألف حالة نزوح خارج العراق. ووصفت منظمة الصليب الأحمر الوضع الإنساني في العراق بأنه الأكثر خطورة علي مستوي العالم, أما منظمة العفو الدولية فقد وصفت العراق بأنه البلد الأكثر خطرا في العالم.
علي مستوي التكلفة والتي تحملتها أمريكا, فنحن أمام كارثة أخري حيث تقدر وزارة الدفاع الأمريكية تكلفة الحرب بنحو 600 مليار دولار, ولكن لجنة الاعتمادات بالكونجرس قدرت التكاليف الكلية بشكل موسع بنحو 1200 مليار دولار وهو الرقم الذي تبنته هيلاري كلينتون في حملتها الانتخابية, في حين قدرها وليم نورهاون من جامعة ييل بـ 1900 مليار دولار في حين يري اقتصادي حاصل علي جائزة نوبل في الاقتصاد وهو جوزيف ستجليتز أن التكاليف تتجاوز 3000 مليار دولار, حاسبا كل التكاليف الشاملة المتعلقة بسعر الفائدة علي هذه الاموال وأعانات الجنود ومعاشاتهم والتكاليف الصحية, بما في ذلك تكلفة الفرصة البديلة فيما لو أنفقت هذه الأموال علي مشاريع أخري, وألف كتابا بعنوان حرب الثلاثة ترليونات دولار.
(4)
أما علي مستوي الخاسرين والرابحين من هذه الحرب, ففي العراق الخاسر الاكبر هم المسيحيون, حيث إن كل الطوائف لها علاقات متشعبة مع دول المنطقة إلا المسيحيين المتمسكين بوطنهم, وقد دفعوا ثمنا غاليا من جراء ذلك, ورغم أن السنة في العراق يعدون الطرف الثاني الخاسر حيث فقدوا احتكارالسلطة والنفوذ إلا أن أوضاعهم بدأت تتحسن, ففي البداية كانت استراتيجيتهم هي الإرهاب لزعزعة الوضع والاحتجاج علي ما هم فيه, ولكن بعد تبادل الإرهاب والقتل والتفجير مع الشيعة, بعد تفجير المراقد في سامراء في 22 فبراير 2006, أدركوا أن اللعبة خطرة وسيفقدون كثيرا في حرب أهلية من الصعب أن ينتصروا فيها, وعلي مستوي آخر أدركت الولايات المتحدة أن الدعم المتواصل للشيعة غير مضمون بعد ارتماء الكثير منهم في أحضان إيران التي ساعدتهم في تدريب وتسليح ميليشيات منفلتة تتحكم في كل شئ, فقامت الولايات المتحدة بتسليح العشائر السنية فيما عرف بمجالس الصحوة لضرب عصفورين بحجر واحد, محاربة القاعدة من ناحية وعمل توازن مع الميليشيات الشيعية من ناحية أخري, والآن يزيد عدد أعضاء مجالس الصحوة علي 70 ألف شخص مسلح في حين أن قوات الأمن العراقية ومعها الجيش تشكل 440 ألف معظمهما من الشيعة.
علي مستوي الدول, فالرابح الأكبر إيران حيث إن أصدقاءها يحكمون العراق, وعلي المستوي الخفي تتحكم في أشياء كثيرة وتمسك بأوراق كثيرة.
أما السعودية ففي تصوري, هي الخاسر الأكبر, حيث فقد السنة سيطرتهم علي العراق وتحكم الشيعة الموالون لإيران في مفاصل العراق ,علاوة علي أن سياسة السعودية تصدير القتلة إلي العراق رغم أنها خففت من الإرهاب علي الداخل السعودي, إلا أنها في النهاية سياسة سلبية تخريبية في العراق لم تدعم مركز السعودية. إن انتصار إيران هو الخطر الأكبر علي السعودية وعلي أوضاع المنطقة الشيعية الشرقية بها, إن جهد السعودية الحالي ينصب في محاولة تحجيم النفوذ الإيراني وهي سياسة سلبية في النهاية لن تعزز وضع السعودية في المنطقة.بل إن وضع لبنان المعقد وغير المستقر هو في جوهره صراع إيراني سعودي انحازت أمريكا فيه للطرف السعودي في حين أن هناك توافقا سوريا إيرانيا علي استخدام ورقة لبنان كجزء من هذا الصراع.
إن الهلال الشيعي الذي تحدث عنه ملك الأردن بات حقيقة لا يمكن تجاهلها ولهذا تعمل دول سنية في المنطقة – وعلي رأسها السعودية – لدفع أمريكا لضرب إيران لإعادة التوازن لصالح نفوذ السنة, كما كان قبل غزو العراق ,وفي تصوري أن هذا لن يحدث وعقارب الساعة لن تعود إلي الوراء.
إن أسوأ قرار يمكن أن تقوم به إيران هو الاستمرار في برنامجها النووي فهي لا تحتاج إليه وإنما يمكن أن يكون سببا في تدمير هذا الهلال الشيعي كله, إن أحمدي نجاد هو كارثة علي إيران قبل أن يكون كارثة علي غيرها.
أما إسرائيل فعكس ما يتصور البعض, لم تربح كثيرا من غزو العراق بل هي أحد الخاسرين, حيث إن صدام كان عاجزا عن مهاجمتها في حين أنها الآن معرضة لأخطار من إيران وحليفها حزب الله وحلفائها الجدد في العراق بالإضافة إلي حليفتها الجديدة حماس, علاوة علي تقوية الحرب للعلاقة الإيرانية – السورية بحيث أصبحت سورية ذاتها ورقة في يد إيران.
أما عن مصر فهي من الخاسرين, فهي في الفريق السعودي وقد حددت علاقتها بإيران بناء علي علاقة الأخيرة بالسعودية.
(5)
أما عن المستقبل فلا يدعو كثيرا للتفاؤل حيث تقلصت الأحلام الأمريكية في العراق كما يقول الباحث الأمريكي أنتوني كورسمان الي مجرد أن تكون العراق دولة صديقة مستقرة وآمنة ولديها بعض مظاهر التعددية, لاحظ لفظ التعددية وليس الديمواقراطية التي كان بوش يرغب في تصديرها إلي المنطقة بأسرها.أما إياد علاوي رئيس الوزراء العراقي الاسبق فيري أن الولايات المتحدة ارتكبت ثلاثة أخطاء جوهرية هي تفكيك الدولة العراقية, ووضع العراق علي طريق المحاصصة الطائفية والسياسة , والسكوت علي تدخل دول الجوار في الشأن العراقي حيث صارت هذه الدول تتحكم في العراق الآن.
في العراق الآن هناك غياب لحكم مركزي كفء ونزيه, ومدينة الصدر أصبحت مرتعا للفوضي والجريمة حتي أن مراسلة سي. إن إن سألت صحفي عراقي: ماذا سيحدث لي إذا زرت مدينة الصدر بالبنطلون الجينز وأنا مكشوفة الرأس فقال لها سوف تختفي خلال 30 ثانية, فقالت له وإذا زرتها وأنا محجبة؟ فقال لها ستختفي بعد 20 دقيقة. أما البصرة فقد تحولت إلي مدينة إسلامية تتحكم فيها الميليشيات الشيعية. وعلي رأس الحكم حزب ولاؤه الأكبر لأيران..ووصل الأمر إلي حد اعتماد أمريكا علي ميليشيات لضرب ميليشيات.
في أمريكا تدرك الأغلبية أن الخروج من العراق كارثة والبقاء فيه عبء صعب تحمله,وبات موضوع العراق أهم بند خارجي في الانتخابات الأمريكية ومع هذا لم يطرح أحد حلا مقنعا لهذه الأزمة المعضلة.تكلفة ترك العراق دولة فاشلة وغير مستقرة تكلفة مرتفعة بالنسبة للعالم كله…. يبقي الحل الحقيقي في أيدي العراقيين أنفسهم وعليهم أن يختاروا بين عراق آمن مستقر تتوزع فيه السلطة والثروة بشكل عادل عبر توافق ديمواقراطي طويل الأمد, وعراق فاسد مضطرب غارق في الفوضي والعنف تتنازعه الميليشيات وتتحكم فيه دول الجوار كما هو حادث الآن… الكرة في ملعب العراقيين دون غيرهم.
[email protected]