من أهم الفضائل في حياة السيدة العذراء,فضيلة التسليم. يتضح ذلك من قولها للملاك:هوذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك(لو1:38).
التسليم غير الاستسلام
يتصور البعض أن التسليم والاستسلام شئ واحد, وذلك خطأ. فالاستسلام أمر سلبي, أنا أستسلم لواقع أرفضه ! وليس في إمكاني تغييره! وأنا غير راض عنه,بل أحيانا أعاتب الله قائلا:لماذا يارب؟.أما التسليم! ففضيلة إيجابية لأني أسلم مشيئتي لله بإرادتي, كما تقول في القداس الإلهي:أقدم لك يا سيدي…وأكتب أعمالي تبعا لأقوالك(القداس الغريغوري).
هنا الإنسان يسلم مشيئته لله باختياره المطلق وحريته الكاملة, لتتوافق مع مشيئة الله, مهما كانت, لأنها صالحة وكاملة, وهي الأنسب لي, والأنفع لحياتي. وذلك لسبب بسيط هو أن:
1- الله كلي القدرة…قدرته لا نهائية.
2- الله كلي الحكمة…حكمته لا نهائية.
3- الله كلي المحبة..محبته لا نهائية.
لذلك فحين أسلمه مشيئتي أثق أنه يعرف ما هو الأصلح لي, ويقدر أن ينفذه فعلا, وذلك محبة منه ومنفعة لحياتي!!
صور من تسليم العذراء
تتضح فضيلة التسليم في حياة السيدة العذراء في مواقف كثيرة منها:
1- في موقف البشارة:
كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا؟(لو1:34).
سؤال منطقي, ولايتعارض مع الإيمان, فهي لم تشك في قدرة الله, ولكنها تسأل بخصوص بتوليتها التي نذرتها, وتتمسك بها, كيف تتم الولادة بدون زواج؟ وكان رد الملاك:الروح القدس يحل عليك, وقوة العلي تظللك, فلذلك أيضا القدوس المولود منك, يدعي ابن الله(لو1:35). أي أن هذا الميلاد سيكون معجزيا, وفائقا للطبيعة, بل حتي المولود نفسه, لله يكون مجرد إنسان, بل هوالقدوس ابن الله وأعطاها دليلا آخر علي قدرة الله الفائقة, حين أبلغها أن أليصابات الآن حبلي في الشهر السادس, مع أنها كانت عاقرا.
فقالت مريم:هوذا أنا أمه الرب. ليكن لي كقولك(لو1:38).
ومع أنه قال لها إنها ستكون أم الرب, إلا أنها في اتضاعها أضافت حرفالتاء المربوطة لتصير الكلمة أمة الرب أي عبدة للرب!!
2- وفي علاقتها مع يوسف:
ولم تفكر العذراء ماذا تقول ليوسف, بل في تسليم تركت الأمر في يد الرب!! الله سيتعامل معه, حينما يري الحمل!!وهذا ما فعله الرب فعلا, من خلال الملاك الذي قال ليوسف:لا تخف أن نأخذ مريم امرأتك.لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم(مت1:20, 21), وأرجعه إلي نبوة إشعياء:ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل(إش7:14), هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره:الله معنا(مت1:23).
3-ومع سمعان الشيخ:
ولما حمله سمعان الشيخ علي ذراعيه, قال لمريم أمه:إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل, ولعلامة تقاوم. وأنت أيضا يجوز في نفسك سيف(لو2:34, 35).
فلما سمعت مريم كلامه وكلام غيره:كانت تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها(لو2:51)…في تسليم كامل لمشيئة الله.
4- وعند الصليب:
وعند الصليب قالت السيدة العذراء لرب المجد:أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص, أما أحشائي فتلتهب عند نظري إلي صلبوتك, الذي أنت صابر عليه من أجل الكل, يا ابني وإلهي.
5-وعاشت العذراء في تسليم كامل, واثقة في رعاية ابنها وإلهها, الذي اهتم بها حتي آخر لحظة, وسلمها ليوحنا عند الصليب قائلا ليوحنا:هوذا أمك(يو19:27).
حقا كانت أم النور, نموذجا لحياة التسليم, وجاء بعدها القديس بولس الرسول ليقول:سلمنا, فصرنا نحمل(أع27:15) أي أن الإنسان الذي يسلم مشيئته برضا لله, يحمله الله علي ذراعية, ويقوده في مواكب النصرة والفرح, فهو الراعي الصالح, والقائد المضمون:
ليتنا نسلم مشيئتنا لله, حتي يقودنا في موكب نصرته كل حين(2كو2:14).