تبرز الحاجة إلي العدالة الدولية في حالة عدم قدرة الدول علي تحقيق العدالة أو رفضها القيام بذلك,وأيضا من أجل إنهاء الحصانة التي يستغلها رؤساء الدول وزعماء الجماعات العصابية في ارتكاب جرائمهم البشعة, ولا يوجد تعارض بين العدالة الوطنية والعدالة الدولية علي المستوي النظري ولكن تكامل في تحقيق مبدأ العدالة وإستدراك في حالة قصور النظام القضائي الوطني عن إدراك العدالة.
وأولي درجات العدالة تمثل في وجود تحقيق عادل يضمن كشف الحقيقة, وعلي مستوي الحقوق المقررة في القانون الدولي يعد الحق في معرفة الحقيقة حقا أصيلا لجميع ضحايا الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وضحايا التعذيب.
ويترتب علي وجود تحقيق نزيه إمكانية تحقيق مقتضيات العدالة من معاقبة المجرمين وتعويض الضحايا وحماية المضطهدين وتأمين حق العودة للمهجرين قسرا.ولهذا يعمل المستبدون والمجرمون علي طمث الحقيقة من أجل تضليل العدالة أو توزيع المسئولية للإفلات من العقاب.
و تعد لجان التحقيق الدولية خطوة مهمة في طريق مقاومة الإفلات من العقاب ومعاقبة المجرمين وتعويض الضحايا,وتعتبر هذه اللجان هي الخطوة الأولي في طريق العدالة الدولية الطويل, وقد ينتهي الموضوع عند كشف الحقيقة وقد تواصل العدالة طريقها بإنشاء محكمة دولية أو محاكمة دولية, فالحد الأدني من العدالة هو كشف الحقيقة ليعرف الضحية من الجاني.وفي تاريخ العدالة الدولية الحديث تم تشكيل ست لجان تحقيق دولية وخمس محاكم دولية وثلاث محاكمات دولية. أولي لجان التحقيق كانت عام 1919 لتحديد مسئولية مبتدئي الحرب العالمية الأولي وجرائم الإبادة التركية للأرمن ومما يؤسف له أن السياسة تغلبت علي العدالة وأفلت المجرمون من العقاب بمن فيهم السفاحون الأتراك, وآخرها كان لجنة التحقيق في اغتيال رفيق الحريري الذي اغتيل في 14 فبراير 2005 وصدر قرار مجلس الأمن رقم 1757 بتشكيل هذه اللجنة وهي علي وشك من انتهاء مهمتها لتبدأ إجراءات المحاكمة في مارس 2009 كما صرح الأمين العام بان كي مون .
إن العفو الذي منح للمجرمين الأتراك بموجب معاهدة لوزان عام 1923 والذي أجهض عمل لجنة التحقيق الدولية يعد نقطة عار في تاريخ العدالة الدولية, ونأمل بألا يلحق المسيحيون في العراق بمصير الأرمن في تركيا.
ما حدث ويحدث للمسيحيين في العراق يستحق بجدارة تشكيل لجنة تحقيق دولية لمعرفة الحقيقة وسط تبادل الاتهامات عما حدث لهم بين الأطراف المختلفة في التركيبة العراقية المسيطرة لينتهي الأمر إلي طمث الحقيقة أو تحميلها لطرف هلامي مثل تنظيم القاعدة.
ما حدث ويحدث للمسيحيين في العراق ينتهك معظم مواثيق وإعلانات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بداية بانتهاك الحق في الحياة والذي جاء في المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية مرورا بانتهاك الحرية الدينية التي دشنها الإعلان العالمي في المادة 18 والعهد الدولي أيضا في المادة 18 إلي انتهاك حق حماية السكان الاصليين كما جاء في المادة 20 من إعلان فيينا لسنة 1993 ,وانتهاك حماية الأقليات الذي جاء في المادة 1 من إعلان حماية الأقليات لسنة .1992
بل إن تردي وضع المسيحيين في العراق وصل إلي ما هو أسوأ من نقص الحماية إلي حد يصل إلي التطهير العرقي والديني والتهجير القسري وترويع وتدمير مقومات الحياة والبقاء لأقلية مسالمة وهي جرائم مؤثمة دوليا وفقا للمادة 2 من اتفاقية منع الإبادة الجماعية, والمادة 4 من نظام المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا والمادة 2 من محكمة رواندة والمواد 5, 6, 7 من نظام روما.
ولا يبقي سوي توثيق هذه الجرائم عبر صدور قرار من مجلس الأمن بتشكيل لجنة تحقيق دولية لإظهار الحقيقة كما حدث في قضية اغتيال الحريري, أو تحويل المجلس لملف القضية إلي محكمة الجنايات الدولية كما حدث في قضية دارفور, أو تحريك القضية مباشرة من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وهذا حق له وفقا للمادة 15 من نظام روما.
إن الحملة التي يتبناها منتدي الشرق الأوسط للحريات تهدف إلي تحريك العدالة الدولية لوضع حد لانتهاكات حقوق الأقليات الدينية في الشرق الأوسط ,ولا يوجد حالة أكثر استحقاقا من البدء بملف المسيحيين في العراق والأقليات الأخري الصغيرة هناك, وتهدف الحملة أن تتعاون معنا أكبر عدد من المنظمات الحقوقية حول العالم , وسوف يتم تسليم الطلب إلي مكتب الأمين العام للأمم المتحدة ومندوبي الدول الخمسة عشر الأعضاء في مجلس الأمن في يناير القادم, كما أنه سيتم تسليم نسخة أيضا إلي مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو.
إن تعاونكم معنا يجعل تحقيق العدالة ممكنا,فالمجتمع المدني يمثل مصدرا رئيسيا للمسئولية الدولية, ومدعيا عاما في قضايا حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية أمام الضمير الإنساني ومؤسسات العدالة ,وسلطة تحقيق تساهم مع لجان التحقيق الدولية في التسريع بكشف الحقيقة وتحقيق العدالة.