الطب الشرعي مازال يبحث عن شرعيته في ساحة القضاء ورغم تزايد دوره في الكشف عن الغموض في الكثير من القضايا إلا أنه حتي الآن مازال رأيه استشاريا غير ملزم للقاض. ومصلحة الطب الشرعي في مصر لا تضم سوي 200طبيب ورغم ذلك يوجه لها اتهامات بتعطيل العدالة وأحيانا التشكيك في قدراتها…فكان لـوطني هذا التحقيق لإلقاء الضوء علي متاعب الطب الشرعي ومشاكله وأهميته…
في البداية اعترف الدكتور كمال السعدني نائب الأطباء الشرعيين بمصلحة الطب الشرعي بوجود عجز كبير في الأطباء الشرعيين في مصر والبالغ عددهم 200طبيب فقط, وهذا يعتبر أهم مشاكل الطب الشرعي في مصر, ولهذا تفرض عليهم ضوابط صارمة في حالة سفرهم للخارج. بحيث لا تزيد مدة سفر الطبيب الشرعي إلي الخارج علي 5 سنوات فقط.
أما عن دور الطب الشرعي في العمل القضائي فإنه يعد إحدي الجهات الفنية التي تلجأ إليها المحكمة والنيابة عندما تحتاج إلي مشورة متخصصة لإثبات صحة الدعوي…ففي حالات تشريح جثث الضحايا والتزوير والاغتصاب وقضايا النسب والأسلحة ومعاينات موقع الجريمة ترجع المحكمة لرأي الطب الشرعي, ولكن للمحكمة كل الحق في الأخذ برأي الطب الشرعي أو عدم الأخذ به طبقا لتوافق الطب الشرعي بالقضية مع باقي الأدلة المادية الأخري داخل القضية, ورغم أن الطب الشرعي وتقريره يعد من أهم الأدلة غير القابلة للشك والمؤثرة في سير القضية إلا أن تقرير الطب الشرعي كثيرا لا يعتد به كدليل قوي, وهناك العديد من القضايا التي يعجز الطب الشرعي فيها عن إبداء الرأي فتقوم المحكمة بالاستناد إلي الأدلة المادية الأخري وكذلك فبالرغم من أهمية هذه التقارير الطبية إلا أنها تطل تقارير استشارية ربما يلجأ إليها القاضي أو يرفضها.
اختفاء الإدلة
أما المستشار محمد عبد الرحيم الحناوي رئيس محكمة الإسكندرية سابقا ومستشار وزير العدل حاليا قال: أكثر مشاكل الطب الشرعي تأخر صدور تقرير الطب الشرعي خاصة في حالات إثبات النسب وفي قضايا النسب تحديدا يكون قرار تحديد الحامض النووي DNA , والذي يكون نتيجته صائبة بنسبة 98% إلا أنه يبقي للقاضي الحق في عدم الأخذ به في قضايا النسب إذا تشكك القاضي فيه أو جاء مخالفا لشهادة الشهود أو خالف باقي الأدلة المادية المذكورة في تحقيقات النيابة ومحاضر الجلسات وعندما يشك القاضي في نتيجة تقرير الطب الشرعي يطلب عرضه علي كبير الأطباء, وأحيانا تأتي نتيجة التقرير الثاني مخالفة للتقرير الأول وهو ما يستدعي وضع برامج تدريبية للأطباء قبل الالتحاق بالطب الشرعي والاستعانة بالأطباء المدربين.
أضاف الحناوي قائلا:إنه بالرغم من أهميته في الفصل في القضايا إلا أن القانون هو الذي أعطي القاضي الحق في الامتناع والأخذ بالتقرير كله أو بجزء منه أو عدم الأخذ به كدليل, كما أعطي القانون القاضي الحق والسلطة في استدعاء الطبيب الذي أعد التقرير للاستفسار منه عن نقطة معينة, وهناك الكثير من القضايا التي كانت الطب الشرعي السبب في تبرئة متهم أو إثبات إدانته ولكن ظلت هناك 15% من قضايا القتل لم يستطع الطب الشرعي إبداء رأيه أو إثبات تقريره معللا ذلك لأسباب غير معلومة.
الشك في تقرير الطب الشرعي:
ودافع الدكتور سالم محمد السيد أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق بجامعة بنها عن مصلحة الطب الشرعي قائلا:انتدبت للانضمام إلي لجنة كبار الأطباء الشرعيين بمصلحة الطب الشرعي وهي اللجنة التي يلجأ لها في حالة التشكيك في تقرير الطب الشرعي, وتكون بقرار من رئيس المحكمة لذلك ولسب وجودي فيها مدة ليست بقليلة أدافع عنها من أي اتهام موجه لها. حيث إنها تم إنشائها عام1928 وعلي يد الإنجليزي سيدي سميث وتتكون من قسم الطب الشرعي الميداني والطب الشرعي المعملي وهو قسم تطلب الحصول علي بكالوريوس طب وجراحة, وهناك قسم المعامل الكيميائية, وتطبيق في المصلحة النظم بالمعايير العالمية في إصدار التقارير ولدينا أجهزة علي أحدث تكنولوجيا موجودة في العالم وأعلي الإمكانيات التي تساعدنا علي ذلك, إلي أن أبرز الاتهامات التي توجه إلي مصلحة الطب الشرعي تتعلق بحالات الاغتصاب وكيفية معاملة صاحب الحالة. حيث هناك توجهات مشددة للأطباء الشرعين فيما يتعلق بقضايا الاغتصاب بفحص المتهم والمجني عليها بأسلوب يتماشي مع حالته النفسية والتي غالبا تكون مدمرة نفسيا تماما حيث فحص كل الجروح علي جسد المجني عليها وكذلك الحامض النووي DNA والذي يكون علامة قاطعة غير قابلة للشك في حدوث الجماع الجنسي, وكذلك يتم الكشف علي جميع أجزاء جسد المجني عليها بداية من شعر الرأس وحتي أظافر القدم الواحدة وملابسها وأيضا الأعضاء التناسلية للتأكد من وجود الحامض النووي DNA للمتهم أم لا, وأيضا جسم المتهم الذي قد يكون مصابا بجروح نظرا لمقاومة المغتصبة له وأخذ عينة منDAN الخاص به ومقارنته بـDNA الذي وجد علي جسد المغتصبة.
أضافت د.رجاء المرسي أستاذة القانون بحقوق حلوان بقولها: في جميع الأحوال يعد عامل السن مهما بالنسبة للمغتصبة وذلك في قضايا الاغتصاب أو هتك العرض لأنه إذا كانت الضحية تحت سن الـ 18 تعتبر الجريمة اغتصابا حتي ولو تم ذلك برضائها, أما إذا كان سنها بين 6, 8 سنوات فهو سن عدم التمييز ويدخل ضمن نطاق اغتصاب الأطفال, وكذلك الحالة العقلية سواء كانت مريضة أو من ذوي الاحتياجات الخاصة أو غير قابلة للأهلية.
أكد د.رجاء بقولها: عامل الوقت مهم جدا في كشف جرائم الاغتصاب فلا بد عرض الضحية علي الطبيب الشرعي بعد جريمة الاغتصاب مباشرة حيث إنه بعد مضي 5أيام يكون من الصعب إثبات أي شئ لذلك لا تكون مصلحة الطب الشرعي مسئولة عن كل حالات التأخير, كما أن الأجهزة الدقيقة لدي المصلحة لا تقبل الشك فهي تقوم برسم النبضات العصبية والعضلات وهذا يتطلب سرعة العرض علي الطبيب الشرعي, ولذلك فأول ما يوضع بالتقرير الخاص بالطبيب الشرعي هو تاريخ حدوث الواقعة ومقارنته بتاريخ عرض المغتصبة علي الطبيب الشرعي والذي قد يكون في حالة وصول المدة الزمنية لأكثر من 5 أيام فرق بينها أحد أهم ثغرات دفاع المتهم للهروب من حكم القضاء بالتشكيك في التقرير.