لكل نظام بيئي سواء كان طبيعيا (نهرا أو بحرا أو بحيرة أو غابة) أو صناعيا (حيا -قرية- مدينة -عشوائية) عنصران أو مكونان أساسيان هما: الطاقة (Capacity) والحمل أو الحمولة (Load) . الطاقة أو القدرة هي ما يستطيع النظام البيئي أن يتحمله من ضغوط والحمل أو الحمولة هي مقدار الضغوط, الواقعة عليه بالفعل.
والحالة المثالية هي أن تكون الحمولة علي قدر الطاقة , وهي حالة نادرة ,ففي أحيان كثيرة تكون الحمولة أقل من الطاقة. مثلا الإنسان يستطيع أن يعمل لمدة ثماني ساعات يوميا ولكنه يعمل بالفعل لمدة نصف ساعة (مثل الموظفين في مصر) أو مثل السيارة النقل التي حمولتها (أي طاقتها) 10 طن ولكنها تسير حاملة 3 أو 4 طن. في مثل هذه الحالات تكون هناك طاقة مهدرة وخسائر محققة , ولكن في حالات أخري يكون الحمل أكبر من الطاقة أو القدرة ( مثل الطالب في أيام الامتحانات أو الموظف الغلبان الذي يحمله رئيسه أعمال موظفين آخرين فيضطر إلي العمل 15 ساعة كل يوم , أو السيارة التي حمولتها 10 طن لكن السائق الطماع يحملها 12 أو 15 طنا .. في مثل هذه الحالات التي يتم فيها تحميل النظام أو الناس أكثر من طاقتهم ووضع ضغوط عليهم فوق قدرتهم يحدث تدهور للنظام. كأن يمرض الموظف أو الطالب أو يموت (يطب ساكت) أواستهلاك السيارة في فترة أقصر من عمرها الافتراضي.
التدهور بكل صوره هو النتيجة الطبيعية لتحميل النظام البيئي الطبيعي أو المصنوع ضغوطا فوق قدرته أو طاقته. وبالإضافه الي ما ذكرناه من أمثلة للتبسيط نسوق أمثلة أخري مما يحدث في الطبيعة أو المجتمعات:
* النهر أو البحيرة أو المزرعة السمكية وهي مصادر للثروة السمكية: عندما نصطاد منها كل أو معظم ما فيها من أسماك بما فيها الأسماك الصغيرة أو الزريعة (الصيد الجائر) تتدهور أو تنعدم الأسماك فيها.
* المراعي الطبيعية عندما نربي عليها أعدادا من الحيوانات أكثر من طاقتها تأكل الحيوانات الكثيرة كل الغطاء النباتي فيحدث تدهور للمراعي.
* الغابة عندما نقطع منها معظم أشجارها فإنها تفقد قدرتها علي التجدد وتتدهور ولا تصبح غابة.
* الأرض عندما نزرعها زراعة كثيفة جدا ونرويها بمياه كثيرة دون صرف تتدهور وتفقد خصوبتها وتتراكم علي سطحها الأملاح ويقل إنتاجها أو ينعدم (وهي صور مما نطلق عليه التصحر).
* المدينة التي تم تخطيطها ليعيش عليها ثلاثة ملايين نسمة عندما تكتظ بعدد 15 مليون (كما في القاهرة) تتدهور كل مرافقها فيختنق المرور والنقل بها ولا تستطيع شبكات المياه والصرف بها تحمل ضغوط السكان المتزايدة , ويمتد التدهور والانحلال ليصيب أخلاق السكان وسلوكياتهم.
* المجتمعات تتدهور بالطبع عندما تزيد عليها الضغوط بما يفوق طاقتها أو قدرتها علي التحمل. عندما تكون المرافق والخدمات متدهورة والمساكن غير آدمية مكتظة بسكانها والشوارع مزدحمة بالمارة والسيارات والمخابزالمتدهورة لا تفي باحتياجات الناس من الخبزالجيد, وشبكات المياه والصرف الصحي متدهورة فتصيب الناس بالأمراض, والمؤسسات التعليمية متخلفة ومتدهورة فتقدم تعليما يصيب الطلاب بالبلاهة والتخلف, والمؤسسات الصحية لا تقدم للناس العلاج الكافي .. إلخ صور التدهور التي نلاحظها الآن في المجتمع المصري , يؤدي كل ذلك إلي تدهور المجتمع حيث تختل فيه كل الأشياء وتختلط المعايير وتنحل الأخلاق والسلوكيات وتنتشر فيه مظاهر غريبة مثل الشحاذة والنصب والاحتيال والدعارة والسرقة والقتل والإدمان والانتحار والتعصب والتطرف .. إلخ.
أتاح التقدم العلمي والتكنولوجي في العالم للإنسان القدرة علي تغيير الطبيعة وللوفاء باحتياجات السكان المتزايدة استطاع الإنسان أن يحمل النظم البيئية الطبيعية فوق طاقتها فحدث التدهور البيئي الخطير الذي يهدد استمرار الحياة علي سطح الأرض (التصحر – الجفاف _ الفيضانات – التغيرات المناخية وأخطرها الإحماء العالمي _ انقراض الأنواع النباتية والحيوانية .. إلخ).
كما أن فساد النظم السياسية الدكتاتورية الفاسدة والمستبدة, قد جعل الحكام أكثر قدرة أو جرأة علي تحميل مجتمعاتهم ومواطنيهم فوق طاقتهم أو فوق قدرتهم علي التحمل. وهذا هو السبب الرئيسي في تدهور المجتمعات . والتدهور في كل الحالات درجات ولا يحدث فجأة , فالنظم البيئية الطبيعية أو المجتمعات تستطيع أن تتأقلم أو تتكيف وأن تتحمل الضغوط حتي لو كانت فوق طاقتها .. لكن إلي حد معين ولفترة محدودة من الزمن , وحين تزداد الضغوط إلي درجة لا تطاق فإن النظم البيئية الطبيعية تنحل تماما أو تموت (عندما لا تنبت الأرض أو تجدب تماما أو لا تعطي الأنهار والبحيرات أي أسماك مثلا) وفي حالة المجتمعات البشرية يحدث الانفجار حتي يعود التوازن المطلوب بين الحمولة والطاقة.
* عميد كلية زراعة المنيا الأسبق