الصوم الكبير هو أولا صوم الأربعين المقدسة,الذي صامه ربنا يسوع المسيح,راسما أمام المؤمنين بقدوته وسيرته,ركنا ركينا من أركان العبادة,وما ينبغي أن يصحبه من تأملات وصلوات وتلاوات في الكتب المقدسة.
قال الإنجيل المقدس:ثم صعد يسوع بواسطة الروح إلي البرية..فصام أربعين يوما وأربعين ليلة(متي4:2,1),(مرقس1:13,12),ولم يأكل شيئا في تلك الأيام(لوقا4:2).وينتهي صومالأربعين المقدسةبيوم الجمعة السابق علي يومالجمعة العظيمة,ويعرف في المصطلح الكنسي بيومجمعة ختام الصوم.
ولهذا الصوم الاعتبار الأول بين جميع الأصوام العامة المعروفة في الكنيسة المسيحية وتقدسه جميع الكنائس الرسولية الأرثوذكسية والكاثوليكية.إذ المقرر أنه الصوم الذي قدسه الرب يسوع بنفسه وهو الذي أسسه ,وأبدأه.
جاء في الدسقولية(تعاليم الرسل):ليكن عندكم جليلا صوم الأربعين تذكارا للفضائل والحسنات التي للرب.وليكمل هذا الصوم قبل الفصح. ويكون بدؤه من يوم الاثنين, الثاني من الأسبوع, من يكون كماله في يوم الجمعة الذي قبل الفصح .وبعد هذا اهتموا بأن تكملوا أسبوع الفصح المقدس(أسبوع الآلام),وأن تصوموه كلكم بمخافة ورعدة وتصلوا(الباب18).
وجاء في قوانين الرسل:أيما أسقف أو قس أو شماس أو إيبدياكون أو أناغنوستيس أو مرتل ,لا يصوم صوم الأربعين المقدس الذي للفصح,وصوم يومي الأربعاء والجمعة,فليقطع ,ماخلا إذا امتنع لأجل مرض جسدي.وإذا كان عاميا فليفرز(المجموعة الثالثة,قانون49).
إن مخلصنا يسوع المسيح قد طوي الأربعين يوما,جائعا ولم يأكل شيئا,لكن أكثر المسيحيين يصومون يوميا إلي الغروب ثم يفطرون علي طعام نباتي,ثم إنهم لايصومون صوما انقطاعيا في يومي السبت والأحد علي ما تأمر القوانين الكنسية,وإنما يصومون عن الزهومات فقط,لذلك أضافت الكنيسة علي الأربعين المقدسة أسبوعا يسمي بـمقدمة الصوم الكبيروالسبب في إضافة هذا الأسبوع إلي الأربعين المقدسة:
أولا:تقديس هذا الصوم الأربعيني الذي صامه فادينا يسوع المسيح بنفسه لمدة أربعين يوما متصلة.أما نحن فنصومه يوما بيوم,ولا نصوم في يومي السبت والأحد إلا عن الزهومات فقط.ونلاحظ أنه يقع في الأربعين المقدسة خمسة أيام سبوت,يستعاض عنها بخمسة أيام تسبق الأربعين تصام انقطاعيا,أضيفت إلي الصوم في مقدمته,وهي الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة,وبديهي أن يلحق بهذه الأيام الخمسة,يوما السبت والأحد اللذان يليانها ليكون الصوم متصلا بالأربعين المقدسة.وبذا صارت مقدمة الصوم أسبوعا كاملا تعويضا عن أيام السبوت الخمسة التي لاتصام بالانقطاع عن الطعام في الأربعين المقدسة .
جاء في مجموعة القوانين التي صدرت في عهد البابا خرسطوذولوس(عبد المسيح)البطريرك السادس والستين من بطاركة الكرسي المرقسي(1046-1077م):ولا يجوز لأحد من المؤمنين أن يصوم يوم السبت,إلا السبت الواحد في كل سنة,وهو السبت الكبير الذي هو آخر الصوم(تاريخ البطاركة-المجلد الثاني,الجزء الثالث,صفحة167)وجاء في الدسقوليةتعاليم الرسل:يجب ألا نصوم يوم السبت دائما لأن الرب استراح فيه من جميع عمله,بل يجب أن نصوم ذلك السبت وحدهسبت الفرحلأجل أن خالق الخليقة كلها كان فيه مدفونا في المقبرة(الباب 18).
ثانيا:لما كان صوم الأربعين المقدسة محترما جدا,وهو من أهم أصوامنا وأقدسها مناسبة فقد أمرت الكنيسة بأن يصومه الأقوياء الأصحاء من المؤمنين إلي غروب الشمس,أو إلي الساعة الخامسة مساء ولايفطرون إلا علي القليل والزهيد من الطعام الخالي من الدسم فإشفاقا علي المؤمنين كان من اللائق أن يدخل المتعبدون إلي الصوم الأربعيني الذي ينبغي أن يصام بالنسك والزهد,بأسبوع يتدرج به الصائم مكتفيا بالانقطاع من الطعام إلي ماهو في حدود قدرته من دون إرهاق شديد,بعد فترة فطر,ولهذا التدبير حكمته لصحة الروح والنفس والبدن.
وهنا نلاحظ أن إخواتنا من الروم ومن يتبعهم من الكنائس التي تسير علي الطقس البيزنطي كاليونان والروس والبلغار وغيرهم يصومون هذا الأسبوع الإضافي المسمي بمقدمة الصوم الكبير,علي البياض أي يمتنعون فقط عن اللحوم ولكنهم يأكلون فيه البيض واللبن ومستخرجاته من الزبد والجبن.
وينفي العالم الشيخ جرجس بن العميد الملقب بابن المكين من آباء الكنيسة البارزين نفيا باتا ما ذهب إليه بعض المسيحيين من تعليل صوم هذا الأسبوعمقدمة الصوم الكبيربأنهأسبوع هرقلويذهب إلي أنه قد أضيف إلي الأربعين المقدسة في أيام البابا ديمتريوس الكرام في القرن الثاني للميلاد (188-230),وإن البابا ديمتريوس الكرام هو الذي أضافه ,بإجماع آباء الكنيسة في الشرق والغرب,وأن مجمع نيقية المنعقد سنة325م والمجامع التي بعد نيقية قد أيدت صحة هذه الإضافة.فلقد كان بعض المسيحيين قبل عهد البابا ديمتريوس يصومون الأربعين المقدسة بعد عيد الغطاس مباشرة اقتداء بالسيد المسيح ,ويصومون أسبوع الآلام في الأحد الذي يلي عيد الفصح اليهودي.
ويلحق بصوم الأربعين المقدسة,بعد جمعة ختام الصوم,صوم آخر,هو صوم أسبوع الفصح أي أسبوع الآلام والذي ينتهي بعيد القيامة المجيد,وهو صوم مستقل لا علاقة له أصلا بالصوم الأربعيني.ذلك لأن آلام المسيح له المجد لم تعقب صوم مخلصنا في البرية, ولكن الكنيسة منذ القديم ألحقت أسبوع الآلام بالصوم الأربعيني لكي تقوي فيه روح العبادة والزهد,إذ جاء عقب صوم طويل.ودليلك علي أن صوم أسبوع الآلام ملحق بالصوم الأربعيني ,وليس جزءا منه,أن الصوم الأربعيني ينتهي بما يعرف بـجمعة ختام الصوموهي عيد كنسي جليل نحتفل به قبل أن يبدأ أسبوع الآلام وبذلك صار الصوم الكبير ثمانية أسابيع أو 55 يوما.
وعلي ذلك فالصوم الكبير,ومدته خمسة وخمسون يوما أو ثمانية أسابيع يتألف ويجمع بين ثلاثة أصوام هي علي الترتيب:
1- الأسبوع الأول,وهو مقدمة الصوم الكبير.
2- صوم الأربعين المقدسة.
3- أسبوع الآلام,أسبوع الفصح.
وجاء في قوانين الكنيسة والصوم ليس هو عن الخبز والماء,بل الصوم المقبول أمام الرب هو القلب الطاهر.وإذا كان الجسد جائعا وعطشانا,والنفس تأكل في الأعراض ,والقلب يتنجس باللذات ,فما هو الريح الذي لصومك؟(مجموعة القوانين لابن العسال,الباب 15,فقرة34)
+++
ومن أحكام الصوم أنه لايعقد فيه زواج ,وتمنع فيع المعاشرات الجنسية بين المتزوجين يقول الروح القدس بفم النبي يوئيل: قدسوا صوما,نادوا باعتكاف..ليخرج العريس من مخدعه,والعروس من حجلتها (يوئيل 2:16,15).
ويقول الإنجيل المقدس وكان تلاميذ يوحنا والفريسيون يصومون,فجاءوا إليه,وقالوا له:لماذا يصوم تلاميذ يوحنا والفريسيون ,وأما تلاميذك فلا يصومون؟فأجاب يسوع وقال لهم:هل يمكن لبني العرس أن يصوموا والعريس معهم؟مادام العريس معهم لايمكنهم أن يصوموا ولكن ستأتي الأيام ,حين يرفع العريس من بينهم,فعندئذ سيصومون في تلك الأيام (مرقس2:18-20),(متي9:15,14),(لوقا5:33-35).
والمعني واضح أننا في الأصوام لا نمتنع فقط عن الطعام ولكن أيضا عن العلاقات الزوجية. وفي الكتب المقدسة بينات كثيرة علي ذلك ,يقول الوحي الإلهي علي فم القديس بولس الرسول في رسالته الأولي إلي أهل كورنثوس:
(علي الزوج أن يوفي امرأته حقها ,كما علي المرأة أن توفي زوجها حقه,لا سلطة للزوجة علي جسدها فإنما هو لزوجها.وكذلك الزوج لاسلطة له علي جسده,فإنما هو لزوجته لا يمتنع أحدكما عن الآخر إلا علي اتفاق بينكما ,وإلي حين ,حتي تتفرغا للصوم والصلاة..)(.1كورنثوس7:1-5).
أنظر أيضا واقرأ (سفر الخروج19:1,15).(صموئيل21:5,4),(طوبيا6:18),(دانيال6:18).
جاء في القانون الثاني والخمسين من قوانين مجمع اللاذقية المنعقد سنة364 لميلاد المسيح:لايجوز أن تقام في أيام الصوم الكبير أعراس أو أعياد ميلاد أنظر واقرأ:The rudder of the Orthodox christians or all the sacred and divine canons b y d. cummings, chicago,p573. ثم كتابمجموعة الشرع الكنسي أو قوانين الكنيسة المسيحية الجامعة التي وضعتها المجامع المسكونة والمكانية المقدسةمنشورات النور-بيروت1975صفحة.235
وقد أورد الصفي ابن العسال في كتابهمجموع القوانيننفس القانون في الصياغة التالية:ولا يجب في الأربعين أن يصنعوا عرسا ولا نفاسا,ولا دعوات ولا متكآت للشراب (الباب 15-تحت رقم26).
وجاء في القانون السابع عشر من قوانين القديس باسيليوس الكبير (نحو330-379م).ولايقرب أحد زوجته في أيام الصوم(انظر مجموع القوانين لابن العسال-الباب15:مادة28).
وجاء في القانون الثلاثين من قوانين القديس باسيليوس:
(..وهو شيء خارج عن الزيجة أن يلتصق واحد بزوجته في الأربعين يوما كلها من أولها إلي آخرها.والويل لمن يفعل هذه الخطيئة في البصخة المقدسة أسبوع الآلام(أنظر كتاب مجموع القوانين لابن العسال-الباب 15-مادة32).
وورد أيضا في قوانين البابا عبد المسيح(خرسوذولو) (1046-1077م).
والأربعون يوما الصوم,تصام بالزهد والتواضع وتجنب الشهوات ,ولا يكون فيها تزويج (تاريخ البطاركة,المجلد الثاني,الجزء الثالث,صفحة166,والمجموع الصفوي,الباب15-بند35).
وجاء في القانون الحادي عشر من قوانين الكنيسة في عهد البابا غبريال الثاني المشهور بـ (ابن تريك1131-1145).
لايعمل أحد عرسا في صوم الأربعين المقدس..فمن فعل ذلك فهو تحت المنع.ويقول القديس العلامة الأنبا ساويرس أسقف الأشمونين من آباء القرن العاشرإنما الصوم الامتناع عن شهوة النكاح التي صارت لنا من الخطيئة أيضا..ويقول:إن الصوم ليس هو الصوم عن الأطعمة فقط,بل إنما نحن نصوم عن الأطعمة لكي نضعف أجسادنا عن شهوة الزواج.الزواج هو الصوم عنها وليس عن غيرها.وأناس كثيرون لقلة علمهم يصومون عن الأطعمة,ولايصومون عن الشهوة التي بسببها صاموا عن الأطعمة(الدرالثمين في إيضاح الدين-المقالة الثامنة).
لذلك حرصت البطريركية والمطرانيات,منذ القديم,علي وقف منح التصاريح بالزواج قبل موعد بدء الصوم بأسبوع.