النزاع تجاري حول الإدارة وتشغيل الخدمة
الأوساط المالية والاقتصادية في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة, وفي مصر وفرنسا تحديدا تتابع عن كثب أزمة موبينيل, ويخشي الجميع أن تكون نهايتها كارثية فتصيب الجميع بالأذي وقد لا ينجوا أحد من آثارها السلبية خاصة أنها الشبكة الأولي للمحمول ويتزايد عدد المشتركين فيها يوما بعد آخر.
وأظهرت أحدث إحصائية صادرة عن الجهاز القومي للاتصالات أن عدد مشتركي موبينيل يقترب من 25 مليون مستتخدم, السؤال المحوري الذي يشغل بال المتابعين للشأن الاقتصادي في مصر هو: علي أي شاطئ سترسوا سفينة موبينيل؟!. هل ستبقي في قبضة أوراسكوم تليكوم لتواصل إدارتها بمزيد من النجاحات مع تحقيق توافق في بعض النقاط مع الشريك الفرنسي.. أم أن إصرار الجانب الفرنسي للاستحواذ علي كامل أسهم موبينيل سيبقي هدفا أصيلا لفرانس تليكوم لن تحيد عنه؟
وطني تفتح هذا الملف الاقتصادي الشائك ساعية بموضوعية لطرح كافة الحقائق أمام قرائها.
د. حمدي عبدالعظيم الرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية والخبير الاقتصادي المعروف يؤكد أن فكرة استحواذ شركة فرانس تليكوم علي كامل أسهم شبكة موبينيل مرفوضة تماما, وأنه كمواطن مصري لا يتصور أبدا أن قطاع الاتصالات في مصر يمكن أن يقع بأكمله في قبضة أجانب, مما يخلق وضع حساس ولذا فإنه يختلف مع رؤية الحكومة المصرية حول هذا النزاع, والتي تعتبره نزاعا تجاريا مخضا بين شركة قطاع خاص مصرية وهي أوراسكوم تليكوم وشركة أجنبية شريكا معها وهي فرانس تليكوم.
وأضاف د. حمدي أن عدم تدخل الدولة بالصورة الواجبة من الممكن أن يشجع شركاء أجانب كثيرون للاستحواذ علي أنشطة صناعية وتجارية وخدمية في بلادنا ثم نفاجأ وكأننا لا نملك شيئا ولا ندير شيئا وإنما فقط تحولنا إلي مستهلكين لما يقدم لنا, وهذا بالطبع منطق غير مقبول لأنه يتعارض مع خطة الدولة في النهوض بالاقتصاد الوطني وتشجيع المستثمرين المصريين.
تدخل الحكومة
ويري د. عبدالمطلب عقدة الخبيرة الاقتصادي أنه في إطار العولمة والاستثمارات الدولية في مختلف بقاع العالم تسعي بعض الشركات الأجنبية الكبري للدخول في شراكة في بادئ الأمر مع شركة أو مجموعة شركات وطنية في البلد الذي تستثمر فيه ثم بعد أن تستقر لها الأحوال تسعي للاستحواذ أي للاحتكار دون أي شراكة, وهو ما يحدث حاليا في بلادنا من خلال الخلاف المحتدم بين فرانس تليكوم وأوراسكوم تليكوم علي شبكة موبينيل في مصر.
ويقول د. عبدالمطلب إنه في حالة نجاح فرانس تليكوم في مسعاها وتم لها بالفعل الاستحواذ, فلا مفر أمام ساويرس إلا تأسيس شركة رابعة للمحمول في مصر بما يملكه من رؤوس أموال كبيرة وإمكانيات فنية وتقنية عالية, إلي جانب ما يتمتع به من كاريزما خاصة نالت إعجاب وتقدير المصريين مما يجعله قادرا علي أن يسحب البساط من فرانس تليكوم.
وأضاف د. عبدالمطلب أن عدم تدخل الدولة إنما هو في صالح مناخ الاستثمار في مصر, خاصة أن مصر تبذل جهودا حثيثة لجذب رؤوس أموال أجنبية للاستثمار في ظل الأزمة المالية العالمية التي أثرت بالسلب علي الكثير من المناطق التي كانت جاذبة للاستثمارات, إلي جانب أنه في حالة تدخل الدولة وانحيازها قد يتم تفسير ذلك بالخطأ مما يؤدي إلي تصعيد الأمور وتعقيدها, لاسيما أن الاستثمارات الأجنبية علي ضخامتها تصونها وتحميها اتفاقيات وإطارات قانونية محلية وعالمية, ولنا في قضية رامي سياج مع الدولة أكبر دليل. حيث استطاع الاحتماء بالمؤسسات الدولية وعلي رأسها البنك الدولي للحصول علي حقوقه, ولم يتم إنهاء هذا الملف المعقد إلا برضوخ الحكومة للقرارات الدولية ثم دخولها في مرحلة تفاوض مع سياج لتنتهي الأزمة بأقل خسائر ممكنة, ودعا د. عبدالمطلب الطرفين الفرنسي والمصري للتفاوض والوصول لأفضل الحلول المقبولة من الجانبين بما لا يخل بحقوق أي طرف, وبما لا يخل أيضا بحقوق العملاء والمساهمين والعاملين.
حيثيات المحكمة
ويطرح شعراوي عبدالباقي رئيس مجلس إدارة جمعية أفق للاتصالات رؤيته من زاوية مختلفة تماما وقال إن شركة أوراسكوم تليكوم المملوكة لساويرس استطاعت أن تؤسس لنحو 17 شركة صغيرة متعاقدة مع موبينيل تقوم بكافة خدمات التليفونات المحمولة من توزيع خطوط إلي سداد فواتير وغير ذلك من الخدمات المختلفة, وأن هذه الشركات تقدر أرباحها سنويا بنحو 1.5 مليار جنيه مصري, ومن ثم فالخلاف بين الجانبين هو في الأساس خلاف حول الإدارة. فشركة فرانس تليكوم تسعي للسيطرة علي الإدارة وتشغيل الخدمة, والاستحواذ بالتالي علي أرباح الشركات المتعددة المتعاقدة مع موبينيل.
وعن تطور النزاع قال عبدالباقي إن القضاء المصري في منتصف يناير الماضي أنصف ساويرس حيث أبطل القضاء قبول عرض الشراء الإجباري المقدم من شركة أورانج التابعة لفرانس تليكوم, لشراء 100% من أسهم الشركة المصرية لخدمات التليفون المحمول موبينيل لسعر 245 جنيها للسهم الواحد, ورفضت الهيئة العامة للرقابة المالية التظلم الذي قدمته شركة أوراسكوم تليكوم المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس ضد هذا العرض.
وأضاف عبدالباقي قائلا: أكدت حيثيات محكمة القضاء الإداري أن هيئة الرقابة المالية خالفت اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال 6 مرات.
أوضحت المحكمة بداية الطبيعة الإدارية لشركة موبينيل المملوكة لكل من فرانس تليكوم فرنسية الجنسية وتمتلك 71% من رأس المال, وأوراسكوم تليكوم مصرية الجنسية مملوكة لساويرس وتمتلك باقي الحصة, وتمتلك موبينيل حصة مسيطرة من رأسمال الشركة المصرية لخدمات التليفون المحمول تبلغ 51% من رأسمالها, بينما تمتلك أوراسكوم حصة مباشرة في الشركة المصرية تبلغ 20% من إجمالي رأس المال وتخضع النسبة المتبقية 29% للتداول الحر.
بتاريخ 2001/8/29 تم توقيع اتفاق بين مالكي شركة موبينيل وهمها أورسكوام تليكوم وفرانس تليكوم تضمن أنه في حالة الاختلاف بين المساهمين يتم التزايد فيما بينهما علي شراء أسهم الآخر بالكامل, علي أن تكون المزايدة بعرض شراء أعلي نسبة 5% علي الأقل من سعر الشراء للعرض السابق عليه.
نشأ خلاف بين الشركتين في عام 2007 فقدمت أوراسكوم عرضا لشراء أسهم أشركتي أطلس ووايرفوي التابعتين لفرانس تليكوم, وتزايد المساهمون حتي قدمت فرانس تليكوم عرضا لشراء جميع أسهم أوراسكوم موبينيل بسعر 441 جنيها مصريا للسهم, فلجأت أوراسكوم المصرية للتحكيم الدولي, وصدر حكم من محكمة التحكيم الدولية بباريس في 10 مارس 2009 بإلزامها ببيع جميع أسهمها في موبينيل وعددها 9079 سهما إلي الشركة الفرنسية بسعر 441 جنيها بقيمة إجمالية تزيد علي 4 مليارات جنيه.
* ثار خلاف جديد بين الشركتين عقب صدور حكم التحكيم حيث رأت الشركة الفرنسية عدم التزامها بتقديم عرض شراء إجباري, ورأت أوراسكوم عكس ذلك, وقررت هيئة الرقابة المالية أن الشركة الفرنسية يجب أن تقدم عرضا موحدا لشراء الأسهم في شركتي موبينيل والمصرية لخدمات التليفون المحمول, فاستجابت الشركة الفرنسية وقدمت ثلاث عروضا متتالية في أبريل ومايو ويوليو 2009 بأسعار 187 و227 و230 جنيها للسهم, ورفضت الهيئة جميع هذه العروض لمخالفتها السعر المحدد من قبل التحكيم الدولي.
* استعرضت المحكمة مواد اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال وحالات وجوب تقديم عروض الشراء الإجبارية, وذكرت الحالات الثلاث المنصوص عليها في اللائحة لقبول عرض الشراء والمقترنة بـ6 شروط أهمها أن يكون العرض غير معلق بشرط, وألا يهدر مبدأ الشفافية والمساواة, وأن يفصل بين كل عرض مقدم وسابقه 6 أشهر علي الأقل, وألا يقل السعر عن أعلي سعر دفعة مقدم العرض في عرض شراء سابق, وأن يقدم العرض خلال 30 يوما علي الأكثر من تاريخ الاستحواذ.
* حددت المحكمة المخالفة الأولي بأن الشركة الفرنسية خالفت لائحة سوق المال بتقديمها 4 عروض متتالية خلال 7 أشهر, ويفصل بين العرضين الثالث والرابع أقل من 5 أشهر, مما يجعل العرض الأخير المقدر بـ245 جنيها الذي قبلته الهيئة المالية جديرا بالرفض.
* ذكرت المحكمة أيضا أن الهيئة خالفت اللائحة بأن تجاهلت المادة 355 منها ولم تقم بإعلام المساهمين في شركتي موبينيل والمصرية لخدمات التليفون المحمول وجمهور متداولي الأسهم بمشروع عرض الشراء ومذكرة المعلومات المرفقة بها ولم ترسلها لإدارة البورصة المصرية لتقوم بنشرها علي شاشتها فور تلقيها.
استمرار الشراكة
د. إيهاب الدسوقي أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات يري أن لأوراسكوم تليكوم حقوقا أصيلة أظهرها القضاء المصري وأيدها. فعلي سبيل المثال أكدت المحكمة أن تراكمات توزيعات الأرباح هي حقوق خالصة لأوراسكوم ومنعتها فرانس تليكوم وأنها لا يمكن أن تكون عنصرا في تقييم سهم الشركة المصرية لخدمات التليفون المحمول, خاصة مع علم هيئة الرقابة المالية المسبق بوجود النقدية السائلة في حسابات موبينيل وأنها ناتجة عن تراكم توزيع الأرباح وبالتالي خروجها تماما من حسابات تقييم الأسهم.
وأضاف د. الدسوقي أنه من أسباب الحكم الذي أصدره القضاء المصري في يناير الماضي لصالح أوراسكوم وجود مخالفة جسيمة لهيئة الرقابة المالية حيث اعتمدت سعر يقل بنحو 28 جنيها عن السعر المشتق من حكم التحكيم دون تقييم سعري مستقل لسبب هذا الفرق مما يجعل الموافقة قرارا تحكيميا لا تسانده أسس الدراسة والفحص, خاصة مع مخالفة الهيئة لتقرير المستشار المالي المستقل شركة برايم الذي انتهي إلي أن القيمة العادلة للسهم تتراوح بين 263 و265 جنيها, وأن القيمة العادلة للاستحواذ بين 283 و338 جنيها علما بأن الهيئة هي من كلفت أوراسكوم بانتداب مستشار مستقل لبيان السعر الحقيقي للسهم.
وأيد د. إيهاب الدسوقي تأكيد المهندس نجيب ساويرس علي رغبته بالاستمرار في مفاوضاته الودية مع شركة فرانس تليكوم سعيا للوصول إلي أفضل الحلول لفض هذا النزاع الذي يوثر بالسلب علي صورة المناخ الاستثماري في مصر, وأن التوصل لحل وسط يرضي الطرفين في شأنه أن يجعل الطرفين يدخلان بثقلهما لرفع مستوي قطاع اتصالات المحمول في مصر وفتح المزيد من فرص العمل أمام الشباب المصري.