تقوم المؤسسة العسكرية وجماعة الإخوان المسلمين والمجموعات الاحتجاجية في الشوارع بتحديد المستقبل السياسي لمصر.
في 21 يوليو, أدي أعضاء الحكومة الجديدة تحت قيادة رئيس الوزراء عصام شرف اليمين الدستورية أمام رئيس ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة##, المشير محمد حسين طنطاوي. لقد كان تغيير الوزراء أمر نادر في عهد حسني مبارك, إلا أن ذلك أصبح حدثا روتينيا تقريبا في هذه الأيام – إلا أنه لا يحظي سوي بأهمية ثانوية في الحياة السياسية المصرية.
وتتصارع حاليا ثلاث مجموعات حول المستقبل السياسي للبلاد, ولا تعد الحكومة المدنية جزءا من هذا الصراع. والمجموعة الأولي هي ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## الذي يحكم البلاد منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك. والثانية هي جماعة الإخوان المسلمين التي شكلت تحالفات مع معظم الأحزاب السياسية الرئيسية ومن المحتمل أن تفوز بأغلبية الأصوات في الانتخابات البرلمانية في خريف هذا العام. والمجموعة الثالثة هي المحتجون الذين يواصلون متابعة مطالبهم من خلال القيام بمظاهرات كبيرة والتي غالبا ما تؤدي إلي توقف الأنشطة اليومية في وسط القاهرة والمناطق الرئيسية الأخري. وفي كثير من الأحيان, تتمتع هذه الأطراف بمصالح متداخلة لكنها متنافسة في معظمها – وهو موقف أدي إلي تعقيد الجهود المتبعة للوصول إلي مستقبل ديموقراطي علماني مستقر في مصر.
لـ ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## – القوة الحالية الأكبر في مصر – مصلحتان رئيسيتان. فهو يهدف أولا إلي تجنب الوقوع هدفا لاحتجاجات ضخمة قد تشكل تحديا كبيرا لشرعيته لدي عامة الشعب. وقد قدم ##المجلس## حتي الآن تنازلات اقتضائية, علي الرغم من كونها سطحية إلي حد كبير, علي أمل وضع نهاية سريعة وهادئة للمظاهرات المستمرة. والهدف الثاني الذي يطمح المجلس تحقيقه هو إنهاء حكمه اليومي لمصر دون أن يفقد العديد من الامتيازات التي تتمتع بها المؤسسة العسكرية تاريخيا, بما في ذلك السيطرة علي مساحات شاسعة من الأراضي وملكية الصناعات الرئيسية, فضلا عن التمتع بميزانية تبقي في منأي عن المراقبة البرلمانية والشعبية. وفي المقابل, سعي ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## إلي استرضاء القوي السياسية التي تتمتع باحتمال أكبر للسيطرة علي البرلمان القادم, وخاصة جماعة الإخوان المسلمين.
وبالنسبة لـ الإخوان, من المتوقع علي نطاق واسع أن تفوز الجماعة بأكثرية الأصوات في الانتخابات بسبب قدراتها الكبيرة في تجنيد الناخبين, حيث تضم شبكة تمتد في جميع أنحاء مصر وتشمل حوالي 750000 عضو. وارتفعت مكانتها بشكل كبير بعد سقوط مبارك: فقد افتتحت علي الأقل ثلاثة عشر مقرا رئيسيا محليا جديدا في جميع أنحاء البلاد, كما دشنت المقرات الرئيسية الإضافية لـ حزب الحرية والعدالة في معظم المحافظات, وعززت دورها بالدخول في تحالف مع سبعة وعشرين حزبا آخر, حيث ضحي العديد من هذه الأحزاب بمطالبهم بتأجيل الانتخابات مقابل التعاون مع جماعة الإخوان المسلمين في صياغة الإجراءات الانتخابية. إن الهدف الرئيسي لـ الإخوان المسلمين هو إجراء انتخابات في أسرع وقت ممكن, قبل أن تتمكن الأحزاب الأخري من تنظيم نفسها بشكل كاف لتصبح أحزابا منافسة لـ الإخوان. وبعد ذلك سيكون هدف الجماعة استخدام نجاحها الانتخابي للسيطرة علي العملية اللاحقة لصياغة الدستور, والتي تأمل من خلالها إقامة دولة إسلامية.
ومن الناحية السياسية, ربما يكون المتظاهرون المؤيدون للديموقراطية هم الحلقة الأضعف في هذه القوي الثلاث, ويعود ذلك جزئيا إلي أنهم مقسمون بين عدد من المنظمات الثورية. ولكنهم يمتلكون كذلك قدرات كبيرة لتعبئة الشعب. وكونهم من العوامل المحفزة علي اندلاع انتفاضة يناير, فإنهم يشتركون علي نطاق واسع في العديد من الأهداف الرئيسية, وهي: محاكمة وسجن مسئولي النظام السابق وتعويض شهداء الثورة وإنهاء المحاكمات والاعتقالات العسكرية وإلغاء قوانين الطوارئ وإصلاح وزارة الداخلية وبناء نظام سياسي ديمقراطي. وقد سعوا إلي تحقيق هذه الأهداف من خلال قيامهم باحتجاجات كبيرة في ميادين وسط القاهرة وإغلاق الطرق الرئيسية. ومن المرجح أن تستمر هذه المظاهرات إلي أجل غير مسمي لأن المحتجين يشعرون بوجود أمل ضئيل في تحقيق مطالبهم من خلال إجراء عملية انتقالية سياسية يتحكم فيها ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## ويسيطر عليها الإخوان المسلمون.
اثنان مقابل واحد
يتفق عادة اثنان فقط من المجموعات الثلاث علي قضية معينة. وفي الأسابيع الأخيرة, زادت التوترات بين هذه المجموعات الثلاث مما خلق وضعا قابلا للانفجار يهدد مستقبل الثورة. وتشمل نقاط الخلاف الأكثر بروزا ما يلي:
##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## وجماعة الإخوان المسلمين مقابل المحتجين حول إجراء الانتخابات أولا. يشاطر الإخوان المسلمون و ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## المصلحة في إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن, وهو الأمر الذي يثير الكثير من الاستياء في صفوف المحتجين. ووفقا لـ جماعة الإخوان المسلمين, أقر استفتاء 19 مارس حول التعديلات الدستورية الثمانية, ضرورة إجراء الانتخابات قبل صياغة الدستور الجديد. ومع هذا, يستمر المحتجون في المطالبة بدستور جديد أولا. وردا علي ذلك, وصفهم رئيس حزب الحرية والعدالة بأنهم ##صهاينة وفلول النظام السابق##, كما هدد الإخوان بالقيام باحتجاجات ضخمة ضد ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## إذا لم يقم بإجراء الانتخابات أولا.
ومنذ ذلك الحين, أسقط المحتجون رسميا طلبهم بـ ##الدستور أولا##, ولكنهم يسعون إلي إطالة الفترة الانتقالية. وكرد علي جهودهم الأخيرة – التي تمثلت بالقيام باعتصام لمدة أسبوعين ضد الحكومة المؤقتة التي يترأسها شرف – قدم ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## تنازلا سطحيا من خلال قيام رئيس الوزراء بإقالة الكثير من أعضاء حكومته (وهو تغيير سطحي لأن معظم الوزراء الجدد يشبهون سابقيهم أيديولوجيا). ومنذ ذلك الحين, أعلنت جماعة الإخوان المسلمين عن دعمها لمجلس الوزراء الجديد بقيادة شرف ونددت بـ ##كافة المحاولات التي تبذلها بعض المجتمعات المحلية للضغط علي اختياره للوزراء##.
الإخوان المسلمون والمحتجون مقابل ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## حول إظهار الوحدة. يشاطر الإخوان المسلمون والمحتجون المصلحة في التوحد خلف مطالب الثورة الأعم والمتوافق عليها. ويحتاج المحتجون إلي تعاون الإخوان المسلمين لتعبئة أكبر حشود ممكنة والضغط علي ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## لتقديم المزيد من التنازلات. ويرغب الإخوان المسلمون تجنب الانتقادات الموجهة إليهم بأنهم قد تخلوا عن الثورة من أجل الشراكة التامة مع ##المجلس##. لقد كان المحتجون بحاجة ماسة إلي تعاون الإخوان ولتصريحاتهم الرسمية لدرجة أنهم قدموا تنازلات كبيرة من جانبهم. فعلي سبيل المثال, أسقطوا رسميا مطالباتهم بـ ##الدستور أولا## لضمان دعم الجماعة لمظاهرات ##جمعة الإصرار## التي جرت في الثامن من يوليو.
يري ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## أن التجمعات ولهجتها التي هي معادية لـ ##المجلس## علي نحو متزايد تهدد الوضع بصورة شديدة. وقد استجاب ##المجلس## حتي الآن بقيامه بتقديم تنازلات سطحية بدلا من اللجوء إلي حملات قمع واسعة النطاق لأنه يتفهم موقف الإخوان المسلمين: فـ الإخوان يشاركون بصفة رئيسية من أجل إضفاء مظهر الوحدة مع المتظاهرين, وليس بسبب شعورهم بمظالم جوهرية. ولكن بانضمامهم إلي المظاهرات, برهن الإخوان قابليتهم علي حشد أبناء الشعب واحتفاظهم بالقدرة علي المشاركة في احتجاجات ضخمة في المستقبل إذا اعتقدوا بأن هناك خطر يهدد مصالحهم.
##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## والمحتجون مقابل جماعة الإخوان المسلمين حول المبادئ فوق الدستورية. بعد تخلي المحتجين عن شعار ##الدستور أولا##, دعوا إلي إقامة مجموعة من المعايير غير القابلة للتغيير لتوجيه المسودة النهائية للدستور الجديد. ويري المحتجون أن هذا الإجراء ضروري لمنع الإخوان المسلمين من فرض الحكم الإسلامي. ويعتبر ##المجلس## أن هذه المبادئ هي وسيلة لحماية الاستقلال الذاتي المستمر للسلطة العسكرية ضد ##أهواء## أي رئيس في المستقبل, وفقا لتعليق نشر مؤخرا من قبل مسئول في ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## اللواء ممدوح شاهين. وبناءا علي ذلك, شكل ##المجلس## لجنة للاضطلاع بهذه المهمة. وعلي الرغم من أن المحتجين لا يريدون منح ##المجلس## استقلالية دستورية, فلن يكون بمقدورهم تحقيق مطالبهم فوق الدستورية إلا بالتعاون مع ##المجلس##.
وفي هذه الأثناء, تري جماعة الإخوان المسلمين أن مثل هذه المبادئ ما هي إلا وسيلة ##للالتفاف علي إرادة الشعب##, ووصفت الحملة المخصصة لها بأنها ##اعتداء علي سيادة الشعب##. وكرد علي هذا الإجراء, أعلنت مشاركتها في المظاهرة المليونية في 29 يوليو, إلي جانب القوي الإسلامية الأخري التي تعارض هذه المبادئ; وتشمل هذه القوي الجماعة الإسلامية, التي لا تزال مدرجة من قبل الولايات المتحدة ضمن المنظمات الإرهابية, وحزب النور السلفي, الذي ندد بالمحتجين الليبراليين ووصفهم كبلطجية وفلول الحزب الحاكم السابق.
الخيارات السياسية للولايات المتحدة
توفر هذه التوترات الثلاثية أملا ضئيلا بالتوصل إلي نتيجة ترضي الإخوان المسلمين و##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## والمحتجين علي حد سواء. ويوحي المسار الحالي بقيام المزيد من المظاهرات, سواء من جانب الإسلاميين المعارضين للمبادئ فوق الدستورية أو المحتجين الذين يسعون إلي عرقلة الانتخابات غير المستعدين لها. كما أن هناك احتمال تزايد أعمال العنف نظرا لعادة ##المجلس## بالسماح للبلطجية المسلحين بإخلاء مواقع الاحتجاج.
ولمنع حدوث مثل هذا العنف وتسهيل التوصل إلي نتيجة أكثر مواتاة للولايات المتحدة والديموقراطيين في مصر, يجب علي واشنطن الاستفادة من علاقاتها مع النشطاء الليبراليين الشباب والجيش بهدف خلق توافق أكبر بين ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## والمحتجين. وتتمثل أحد أكبر بواعث الإحباط في الثورة في ميل ##المجلس## إلي تقديم تنازلات كبيرة لـ جماعة الإخوان المسلمين مع ترك الفتات للمتظاهرين. وقد تمثل حملة وضع مبادئ فوق دستورية نقطة انطلاق لقيام المزيد من الشراكة التعاونية بين ##المجلس## والمتظاهرين.
ومع ذلك, يجب علي واشنطن أن تتقدم بحذر. فكل ضلع من أضلاع المثلث الثلاثة ينظر إلي الضلع الآخر بتشكك كبير, كما أن أي تدخل من جانب الولايات المتحدة ينظر إليه كوسيلة لمنح امتيازات مفرطة لطرف ما, وسيعمل علي توحيد الطرفين الآخرين بصورة حازمة للعمل ضده.
إيريك تراجر, زميل آيرا وينر في معهد واشنطن, ومرشح لنيل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا, حيث يقوم بكتابة بحثه المطول عن أحزاب المعارضة المصرية.
معهد واشنطن