واشنطن- الصحافي الأمريكي التحقيقي بوب وودوارد, الحائز علي جائزة بوليتزر المرموقة مرتين لعمله المميز في الحقل الصحفي, قابل حوالي 150 صحفيا قادمين من 125 بلدا في جلسة تفاعلية عقدت في وزارة الخارجية الأمريكية. وشكل هذا الحدث جزءا من برنامج إدوارد آر. مورو الخامس للصحفيين الذي سمي كذلك تخليدا لذكري ذلك الصحفي الرائد والحائز علي عدة جوائز تقديرية.
استهل وودوارد ملاحظاته في مركز لوي هندرسون للمؤتمرات في وزارة الخارجية في 27 أكتوبر بالقول انه, بصفته صحفيا, فربما يكون انتقاديا في ملاحظاته للقياديين والموظفين السابقين والحاليين في الحكومة خلال عرضه الذي استغرق 90 دقيقة. ثم سأل الصحفيين الموجودين في القاعة, ##كم منكم من يستطيعون الدخول إلي وزارات الخارجية في بلادكم ليقولوا ما يعتقدونه حقيقة او ما اكتشفوه؟ ارفعوا أيديكم. وكم يبلغ عدد الذين لا يستطيعون القيام بذلك؟## لاحظ وودوارد ان الحضور كان منقسما بصورة متساوية تقريبا عند الإجابة علي سؤاله.
جمع الوقائع بصورة حيادية
وقال, إنه في الحقل الصحفي ينتهي الأمر دائما في النهاية إلي التساؤل ##ما هي المعلومات وما هي الوقائع## المكتسبة من خلال التدقيق الشديد في التقارير الإخبارية. وشدد وودوارد علي أهمية ما أسماه ##جمع الوقائع بصورة حيادية.##
وقال, ##إن المهم في نهاية المطاف, في الصحافة في هذا البلد هو ما هي المعلومات … المتوفرة لنا.##
كسب وودوارد, رئيس التحرير المشارك في صحيفة واشنطن بوست, والمؤلف الذي حققت كتبه افضل المبيعات, هو وكارل بيرنشتاين, ونالا الشهرة في السبعينيات من القرن العشرين بعد المساعدة في كشف وقائع ##سلسلة ووترجيت## من القصص الإخبارية بينما كان الاثنان يعملان كمراسلين في صحيفة واشنطن بوست. سارع نشر هذه القصص التي فضحت الفساد السياسي والحيل القذرة بتوجيه من مسئولين في البيت الأبيض خلال رئاسة نيكسون, فدفعت في نهاية المطاف الرئيس نيكسون لإعلان استقالته في 8 أغسطس .1974
قال وودوارد, انه كصحفي, يبدأ كل يوم بان يطرح علي نفسه سؤالا أساسيا واحدا: ما الذي يخفيه المسئولون الحكوميون؟ ##ففي الحكومة ( في الولايات المتحدة) التي قد يشكلها الديموقراطيون, أو الجمهوريون, او أي حزب آخر, هناك دائما شيئ مخبأ##, وهكذا تكون وظيفة الصحفيين معرفة طبيعة هذا الشيء المخفي وتسليط الأضواء عليه لكي يراه الجميع.
قال وودوارد, الذي ألف مؤخرا كتاب ##حروب أوباما##, وهو أول كتاب ينشره حول إدارة أوباما, بأنه حصل علي الوقت لإجراء مقابلات مع العديد من الرؤساء الأمريكيين والقادة السياسيين لآخرين لكونه اشتهر بأنه حيادي ويتطرق إلي الموضوع بدون أجندة جاهزة مسبقا.
الإعداد والأبحاث المتقنة الشاملة
وصف وودوارد هذا النوع من الصحافة للصحفيين ##بالصحافة الهجومية## بحثا عن الوقائع الحقيقية- أينما تقود إليه هذه الوقائع _ ونصح بوجوب الإعداد المتقن الشامل قبل إجراء أية مقابلة و##قراءة كل شيء## كتبه الشخص موضوع المقابلة حول المواضيع ذات الصلة, حتي ولو كان يرجع تاريخها إلي عدة سنوات سابقة. وقال إن هذا الإعداد يظهر مدي الجدية التي تتعامل بها مع الناس الذين تجري المقابلات معهم _ بنفس قدر الجدية والأهمية التي يولونها هم لأنفسهم.
وقال وودوارد, انه كثيرا ما يقضي ما بين 12 و18 شهرا في تأليف أي كتاب, وهكذا يتسني له الوقت لان يكتب بدقة وإتقان. وأضاف, هناك ##الكثير من الضجيج## علي الإنترنت, ونصح الحضور بان يأخذوا وقتا كافيا لكتابة التقارير طبقا لأسلوب ##المدرسة القديمة##. وقال ##لا تستطيع ان تفعل ذلك بسرعة##, حتي في مواجهة الاختصارات الصارمة في التقارير والتقييدات المالية التي أصبحت تصيب وسائل الإعلام, ولا سيما صناعة الصحف في أمريكا.
وقال للحضور إن ##الديموقراطية تموت في الظلام##. فمهما كانت المشاكل, كما قال, كثيرا ما يتمكن المجتمع وصانعو السياسات من إعادة ترتيبها وتصنيفها ومعالجتها, وحذر قائلا بأن السرية تشكل العدو الأكبر وخاصة في الحكومة.
وأجاب وودوارد عند سؤاله عن الأزمة المالية العالمية, بان وسائل الإعلام فشلت في فهم ونشر التقارير حول ما يجري في وول ستريت من الأمور التي أدت إلي نشوء الأزمة المالية. وأضاف, انه لو كانت الصحافة المالية أشد نشاطا وحمية في تقاريرها لربما كانت الأزمة قد تقلصت إلي حدها الأدني, أو حتي كان من المحتمل ان لا تحدث علي الإطلاق.
وقال وودوارد أن يكون المرء صحفيا فإنه يكون صاحب أفضل مهنة في العالم.
وصرحت جاكلين موشا, المراسلة التي تعمل لدي صحيفة ##جارديان ليمتد## في تنزانيا وكانت بين الحضور:ان متابعة الوقائع أمر مهم جدا لان ##الناس يحتاجون إلي معرفة الحقيقة, والوقائع مهمة جدا.##
وقالت, ##إذا كتبت قصتك الإخبارية خالية من الوقائع, فإنها لن تساوي شيئا… عليك ان تظهر الحقائق للتأكد من ان الناس يقرأون القصة ويفهمون مضمونها.##
وأضافت, أن حرية الصحافة أمر أساسي للمراسلين كي يعملوا بحرية. ##فالناس يريدون ان يعرفوا كل شيء وكل الأمور, وهم يثقون بوسائل الإعلام. ففي حال غابت الحرية في بلد معين, فكل ذلك يكون بمثابة لا شيء.##
وقالت كاترين مويزيجوا كيزا, وهي محررة مقالات رئيسية في صحيفة ##نيو فيجين## التي تصدر في أوغندا, ان عرض وودوارد كان مثيرا للاهتمام علي وجه الخصوص عندما تحدث عن أهمية الصبر والتأني والبحث عن الوقائع بجد وجهد فيتوفر له الوقت لتعميق أية قصة إخبارية. ولكنها قالت, ##ليست هناك أية طريقة تستطيع من خلالها أن تجد وقتا كافيا للتعمق في أبحاثك عندما تعمل متعجلا الأمور.##
ووافقت علي النقطة التي أثارها وودوارد بأن من المهم الإلمام بموضوعك جيدا. وقالت, ##إنهما شيئان أساسيان علي الأرجح سوف أحملهما معي إلي مكتب تحرير الأخبار لأعرضهما علي العاملين معي. فأنا اعرف انه في جيلنا من المحتمل التمكن من القيام بكل شيء قام به وودوارد, ولكني اعتقد انه يجب إدخال ممارسات هذه المدرسة القديمة تلك إلي مكاتب تحرير الأخبار.
وقال خولواني نياتي, محرر الأخبار في صحيفة ##ذي ستاندرد##, الصادرة في زيمبابوي ان الجميع ##تعلموا كثيرا## من جلسة وودوارد.
ووصف انتوني مولوا, كبير مراسلي صحيفة تايمز أوف زامبيا, ملاحظات وودوارد بأنها ##كانت ملهمة جدا## لأنها أظهرت للجميع كيف يمكنهم ممارسة الصحافة بشكل أفضل.
وقال, ##في العادة تخضع مكاتب تحرير الأخبار اليوم إلي الكثير من الضغوط بسبب المواعيد القصوي. وقد أعجبت لكونه لا يزال يحتفظ بأسلوبه القديم في أخذ الوقت الكافي والتدقيق في الوقائع… نحن عادة نسارع في إنتاج شيء نصف ناضج … ولكني اعتقد انه يتوجب علينا كصحفيين ان نتعلم كيف نكون صبورين وان نننبش بعمق كي نصل إلي الوقائع التي تكون دقيقة, وصحيحة, ومتوازنة, وغنية بالمعلومات##. وأضاف ##يجب ان يتلقي المحررون والناشرون مثل هذه المشورة لأنهم في أحيان كثيرة هم الذين يضغطون علي المراسلين لكي ينتجوا بسرعة.##
دور المراقب
قال إنوسنت جوفيتو شيتوزي, نائب رئيس تحرير صحيفة ##مالاوي نيوز## الصادرة في بلانتاير , بأنها أعجبت بدور الصحافة الأمريكية ##كرقيب## علي حماية الحريات في أمريكا, ولا سيما حرية التعبير.
قال, ##لقد شاهدت الكثير من المظاهرات. وفي هذا الوقت بالذات خارج (وزارة الخارجية), يتظاهر الناس. وعندما ذهبت إلي البيت الأبيض شاهدت الناس يحملون لافتات ويتظاهرون خارج مكتب الرئيس, وهو أمر لا يمكن ان يحصل في معظم بلداننا. نحن نجد ان الشرطة موجودة هنا ليس لمنعهم بل للتأكد من ان الأمور تسير بانتظام. ويستمر كل واحد في شأنه اليومي, ولا شيء غير اعتيادي, وهذا ما كان مثيرا للإعجاب.##
قال أمادو سورو, مدير النشر في شركة ##البشري إنفوز## في بوركينا فاسو, إن وودوارد أشار إلي الأهمية بالنسبة لجميع الصحفيين بان يكونوا منصفين ويبلغوا الحقيقة للناس. يجب ان يكون ذلك هدفنا الرئيسي في الصحافة.##
وقال جوليوس كانوبا, المراسل القضائي ومنتج برامج لمحطة الإذاعة ستار في ليبيريا , ان وودوارد ##منحنا التشجيع للاستمرار في عملنا كصحفيين.##
وأضاف كانوبا ان حرية الصحافة مهمة جدا, وهي تمثل ##الطريقة الأكيدة لضمان العملية الديموقراطية.## وقال إنه مغتبط لأن بلده أصدر للتو قانونا يضمن حرية الإعلام ويؤمن للصحفيين إمكانية وصول اكثر سهولة للمعلومات. وشدد قائلا, ##وهكذا, فان حرية الصحافة أمر حاسم جدا بالنسبة لأفريقيا## كما لمناطق أخري عبر العالم.
يقوم برنامج ادوارد آر. مورو بدعوة صحفيين صاعدين للقدوم إلي الولايات المتحدة للاطلاع علي المبادئ والممارسات الصحفية. ومنذ أن أطلق هذا البرنامج في عام 2006 رحب بما يزيد عن 600 صحفي أجنبي. يجتمع المشاركون في عاصمة البلاد ثم يسافرون علي شكل مجموعات اصغر حجما وعددا لحضور منتديات أكاديمية ونشاطات ميدانية مع هيئات التدريس والطلاب في بعض اكثر كليات الصحافة اعتبارا والتي تشارك في البرنامج.
ويقوم الصحفيون أيضا بزيارة عدة مدن أمريكية للاطلاع علي تغطية وسائل الإعلام الأميركية لسياسات الولايات والحكومة الفدرالية والحياة المدنية الأميركية وانخراط الناس في الشئون السياسية في المدن الأصغر حجما. وينهي البرنامج نشاطاته في مدينة نيويورك حيث يقوم المشاركون بزيارات إلي مراكز وسائل الإعلام الرئيسية وبحضور منتدي يسلط الأضواء علي الاتجاهات والتحديات الجارية التي تواجه وسائل الإعلام في الولايات المتحدة وحول العالم.
يو اس جورنال