منذ تنحي الرئيس السابق مبارك والإعلان عن ثروات أسرته والوزراء السابقين, والتساؤلات كثيرة حول مصدر وشرعية هذه الثروات الهائل, وبعد التحقيقات التي يجريها جهاز الكسب غير المشروع بوزارة العدل والتأكد من تربح عدد كبير من عناصر النظام السابق من مناصبهم بطرق غير مشروعة بدأت المطالب بأهمية استعادة هذه الأموال.
وأعلن بعض أساتذة القانون عن لجنة لاسترداد الأموال المنهوبة ومحاولة استعادتها من الخارج, وقام القانونيون ببعض الخطوات التي من شأنها معرفة حجم أرصدة الرئيس السابق وأسرته والوزراء السابقين, وتم تجمع بعض المعلومات المهمة التي من شأنها تقوية الموقف المصري القانوني لمحاولة استرجاع هذه الأموال, التي لو عادت ستعمل علي إنعاش الاقتصاد المصري خاصة أن التقديرات الأولية تشير إلي وجود مليارات الدولارات خارج مصر وتم تهريبها بشكل غير مشروع.
قال الدكتور حسام عيسي أستاذ القانون بجامعة عين شمس وعضو هذه اللجنة: أجرينا اتصالات بمحامين في سويسرا وإنجلترا تطوعوا للعمل معنا, وتمكنا عن طريقهم من الحصول علي وثيقتين بالغتي الأهمية, إحداهما صادرة عن فرع بنك رديسيوس في إنجلترا إلي المقر الرئيسي في سويسرا بتحويل 625 مليون دولار لحساب محمد حسني مبارك, والثانية بتحويل سبائك من البلاتين من نفس الفرع إلي المقر الرئيسي في سويسرا لحساب جمال مبارك ويعود تاريخ الوثيقتين إلي عام 2009.
أوضح د. عيسي أن استرداد الأموال المهربة من مصر يحتاج ذلك فترة من الوقت قد تستمر لسنوات ولكن لن يحدث هذا دون صدور أحكام نهائية من جهات قضائية مدنية غير عسكرية لأن أوربا وأمريكا لا تعترف بهذا النوع من المحاكم ولا يثقون إلا في المحاكمة التي تتم للمواطن أمام قاضيه الطبيعي, وبعد إرسال هذه الأحكام إلي جميع الدول المرجح أن يكون فيها أموال مهربة غير شرعية لبعض السياسيين, ومن صدرت ضدهم أحكام نهائية تؤكد عدم شرعية تلك الأموال.
أوضح د. عيسي أن موقف مصر قوي للغاية في ظل توقيع غالبية دول العالم علي اتفاقية مكافحة الفساد وغسل الأموال, والأموال المهربة تدخل في إطار هذه الاتفاقية لأنها خرجت من مصر بشكل غير شرعي, وتكونت عن طريق عمليات فساد, أو من خلال استغلال السلطة, أما الأموال التي تكونت من خلال أرباح طبيعية لنشاط اقتصادي فلا تدخل في هذا الإطار.
نوه إلي أن العالم بعد أحداث 11 سبتمبر أصبح يضع مزيدا من العراقيل أمام تحويل الأموال بين الدول واعتبار غسيل الأموال فرصة لتمويل العمليات الإرهابية, وهو ما دعا إلي قيام غالبية دول العالم بالتوقيع علي المعاهدة الدولية لمنع تبييض الأموال, وبالرغم من ذلك هناك بلدان عربية لم توقع علي هذه الاتفاقية حتي الآن.
استعادة الأموال بالغ الصعوبة!
من جانبه قال صبحي صالح المحامي وعضو مجلس الشعب السابق إن استعادة الأموال المهربة من مصر أمر في غاية الصعوبة ولكنه ليس مستحيلا, فالموضوع يخضع للعديد من الإجراءات التي لابد أن تقوم بها الحكومة المصرية, فلابد من وجود مخاطبات رسمية للدول الأوربية وأن يكون هناك أحكام قضائية نهائية, وأن يكون كل متهم حصل علي فرصته في الطعن علي الأحكام الصادرة ضده, ثم تبدأ عملية استعادة الأموال, أما دون ذلك فلا يمكن استعادة هذه الأموال, ولابد من الإشارة إلي أن هذا الأمر لا يتعلق بالرئيس مبارك السابق وأسرته فحسب بل وكان أعضاء النظام السابق.
أوضح صالح أن هناك تقارير تشير إلي تهريب ما يقرب من 57.2 مليارات دولار خارج البلاد خلال 8 سنوات من عام 2000 وحتي عام 2008, بمعدل 6.34 مليار دولار سنويا وهذه الأرقام رصدها تقرير صادر عن المؤسسة العالمية للنزاهة.
البطء في استرداد الأموال!
من جانبه قال الدكتور رشاد عبده خبير الاقتصاد الدولي: في الحقيقة غير متفائل من مسألة استرداد أموال مصر المنهوبة والتي تم تحويلها إلي الخارج من قبل سياسيين ورجال أعمال محسوبين علي النظام السابق, حيث إن 95% من هذه الثروة تعتبر قد ضاعت بسبب البطء المتعمد أو غير المتعمد في التواصل مع الجهات الأجنبية المعنية بهذه الأموال في الخارج, مما ترتب عليه إعطاء الفرصة للتلاعب وتغيير معالم هذه الحسابات قد يكون عن طريق المكاتب المالية المتخصصة في مثل هذه الأشياء في الخارج.. وكل ذلك بسبب التهاون وإهدار حوالي شهر ونصف دون تحرك حقيقي.
أضاف قائلا: بعض الأموال قد يكون تم تحويلها إلي الدول غير الموقعة علي الاتفاقية العالمية لمكافحة الفساد والتي تنص علي أنه في حالة وجود حكم قضائي بشأن شخص سرق أو حصل علي أموال من الدولة أو المجتمع بشكل غير شرعي, يمكن استعادتها بشرط الحصول علي حكم قضائي يثبت ذلك, ومن الدول التي لم توقع علي هذه الاتفاقية بعض بلدان أمريكا اللاتينية وكذلك بعض دول الخليج, لذلك كان يجب علي وزارة الخارجية المصرية أن تطالب الجهات الأجنبية في الخارج بسرعة تجميد أرصدة وحسابات المسئولين السابقين بمن فيهم الرئيس وأفراد أسرته لحين صدور الأحكام القضائية المصرية في هذه الملفات وهناك دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا طلبوا إرسال خطابات تفيد بطلب تجميد أي أرصدة لديهم تخص المسئولين ورجال الأعمال الذين يخضعون للتحقيقات.
ومن أجل استعادة أكبر قدر ممكن من الأموال المنهوبة شدد علي أهمية التأكد من تجميد أرصدة من هم في موضع مساءلة أولا, حتي تصدر الأحكام القضائية النهائية بشأنهم, ومن ثم مخاطبة البنوك والجهات الرسمية في الخارج بشأن الأموال النقدية السائلة والمنقولة والتي ثبت إدانة أصحابها ومثولهم للمحاكمة, وكل الدول قامت بتجميد أرصدة وحسابات القذافي منذ البداية وبشكل تلقائي.
طرق استرداد الأموال المنهوبة
اقترح الدكتور سلطان أبوعلي وزير الاقتصاد الأسبق ثلاث طرق لاسترداد الأموال المنهوبة في الخارج, الأول هو من خلال برنامج ستاد الذي يتبناه البنك الدولي, والثاني من خلال جهود المواطنين المصريين الموجودين في الدول الأجنبية التي يثبت فيها التهريب وهو ما يعرف بدور المجتمع ثم أخيرا طلب النائب العام بتجميد أرصدة الفاسدين المهربة في الدول الأجنبية, مشيرا إلي أن هناك دولا استجابت بالفعل ودولا أخري لم تستجب بعد.
الفوائد غير شرعية!!
أكد أحمد آدم الخبير المصرفي أن هناك صعوبة في تحديد قيمة المبالغ المحولة من مصر إلي بعض الدول والحرز التي لا تطبق القوانين الدولية التي تحارب الفساد والأموال غير المشروعة خاصة جزر كايمن التي تقبل أي أموال دون القواعد البنكية الدولية المعمول بها في كثير من الدول.
أشار إلي أنه توجد مبالغ للعديد من المحسوبين علي النظام السابق بتلك الجزر, لكن إثبات تلك التحويلات من قبل الجهاز المصرفي في غاية الصعوبة, خاصة أن تلك الأموال المحولة في الغالب ناتجة عن فوائد مالية محققة من أنشطة غير شرعية ومعظمها عملات لصفقات تمت بشكل غير شرعي.
أشار إلي ما أقدم عليه البنك الأهلي المصري منذ عدة أشهر من إصدار أول سندات لبنك حكومي في تلك الجزيرة, حيث بلغت قيمة تلك السندات 600 مليون دولار تم تغطيتها أكثر من مرة.
وقال الدكتور محمود حسين الخبير الاقتصادي ومستشار بنك الاستثمار العربي سابقا: هناك اتفاقية دولية لمكافحة الفساد في إطار الأمم المتحدة تلزم الدول بصفة تلقائية بتجميد هذه الأموال دون أن يطلب منها البلد صاحب الحق في هذه الأموال سواء كانت حسابات أو أرصدة سائلة أو منقولة, لكن استردادها يكون بموجب مستندات تفيد أن هذه الأموال تكونت عن طريق أعمال تتسم بالفساد, لكن أعتقد أن الأمر لم يؤخذ بمحمل الجد حتي الآن, لذلك فإن الرأي العام غير متفائل بشأن الكثير من هذه الأمور, خاصة في ظل غياب المعلومات والبيانات من قبل وزارة الخارجية المصرية.
وتساءل عن البلاغات التي لا حصر لها وقدمت للنائب العام, ولا يدري الرأي العام نتائجها بالنسبة للجهات الرسمية والبنوك في الخارج وحجم الأموال المهربة.