في ظاهرة تعد الأكثر بروزا في المجتمع المصري أصبحت الرياضة تشكل ثورة اهتمامات الشباب والتي حظيت فيها كرة القدم بنصيب الأسد-حسب التقارير الرسمية- ولأجلها أصبح الشاب علي استعداد للتضحية بوقته وماله, حتي أصبح أغلبهم يحلم باللعب في أحد الأندية الأكثر شهرة أو الاحتراف خارج مصر. وباتت متابعة الشباب للمباريات وانتمائه لأحد الأندية يشكل هويته,مما يجعله يغفل الجوانب الأخري في مجال العمل العام, ومن بينها العمل السياسي وهذا ما تؤكده الإحصائيات مما يجعلنا نتساءل: لماذا أصبح الشباب يذهب بالآلاف لمشاهدة مباراة ويذهب بالعشرات للتصويت في الانتخابات العامة والوقفات الاحتجاجية السلمية؟
قال بيشوي عادل طالب بنظم ومعلومات بأكاديمية المستقبل,إن عزوفه عن التفكير في السياسة يرجع لاعتقاده أن الحكومة هي المعنية بها ولا وجود للمشاركة الشعبية بصورة واقعية فعالة, فلدي الحكومة الكوادر المؤهلة لمتابعة هذه المهام. علي عكس الرياضة التي تعتبر مصدر سعادة وتشويق للمواطنين خاصة الشباب.
أكدت ندي عزيز ليسانس أداب قسم لغات شرقية جامعة القاهرة, أن السبب الرئيسي في عدم اكتراث الشباب بالسياسة هو ترغيب الحكومة للشباب للاهتمام بالرياضة لإلهائهم عن المشاركة السياسية وترهيبها للاهتمام بها باستخدام العنف مع ممارسيها.
والجدير بالذكر أن الموقع الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدمفيفا أكد خلال تقرير له أن عدد مشاهدي بطولة كأس العالم الأخيرة ,وصلوا قبل مباراتين من ختامها إلي 1.15 مليون مشاهد, مؤكدة أن الشعب المصري شديد الشغف بكرة القدم. وفي سياق آخر ذكر تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرارات التابع لمجلس الوزراء, أن 8% فقط من شباب مصر يشاركون في الانتخابات البرلمانية والعمل السياسي العام بما في ذلك النشاط الحزبي, فيما هناك 92% منهم لا يذهبون إلي صناديق الاقتراع ويعزفون تماما عن المشاركة في الحياة السياسية.
أرجع ضياء رشوان نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية مسألة عزوف الشباب عن المشاركة السياسية لشقين أولهما عامل الحب الذي يجعل الفرد يتابع بشغف, والشق الآخر ما يعود عليه بالصالح والنفع فالسياسة في مصر لا عائد ولا نفع منها بالنسبة لهم, فدائما يسمع الشاب عن كم الانتهاكات التي تحدث لممارسيها من اعتقالات واعتداءات جسدية ونفسية, كما يري ما يحدث من تزوير ورشاوي تتلاعب بإرادة الشعب, فيدرك آنذاك أن السياسة مسألة عبثية ومسرحية هزلية يمارس أبطالها الدور بشكل ركيك يصرفهم عن متابعتها. وأضافرشوان أن رياضة كرة القدم تختلف عن السياسة من حيث الشفافية مما يجعلها أكثر مصداقية لدي الشاب الذي يهتم بالقيم والمثل العليا.
وذكرت د.منار الشوربجي أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية, أن السياسة هي جزء لا يتجزء من حياة المواطن, فبعدما فرضت الحكومات منذ ثورة يوليو 52 قيود وعقوبات علي ممارسيها انصرف الشباب عن الاهتمام بها, علي عكس الرياضة التي تلقي ترحابا حكوميا كبيرا.
وعن الجانب النفسي أشار د.شاهين رسلان أستاذ الصحة النفسية بجامعتي القاهرة وحلوان, إلي أن الرياضة تفرغ كبت الشاب من الضغوط المختلفة التي يتعرض لها بالإضافة لكونها لعبة شعبية سهلة الممارسة لا تحتاج لتكاليف باهظة كالألعاب الأخري,مما ينشئ الشاب مدركا لقوانين اللعبة ومهاراتها المختلفة.
أما د.أمجد خيري استشاري الطب النفسي والعلوم السلوكية فأكد أن الشباب يعاني من حالة فقدان الثقة السياسية حيث يشعر أن صوته لاقيمة له وغير مؤثر نظرا لما أنتجه نظام الحكم بعد 1952 بتفريغه لمضامين الحياة السياسية إلغاء الأحزاب مما ولد حالة من الفقر السياسي أدت لتلاشي شكل الحياة السياسية مؤكدا أن الحياة السياسية تحتاج لعملية تأهيل فالشعب لا يري أن تداول للسلطة إلا بعد وفاة الحاكم وليس كما يحدث في الخارج خلال انتخابات حرة كل ذلك يدفع الشباب ليتوافق مع القيم الرياضية فالرابح دائما هو من لديه القدرة علي اللعب الجيد, علي عكس صندوق الانتخابات الذي ينصر أصحاب النفوذ والجاه.
وقال د.عبد الرؤوف جبر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس, إن الرياضة تستحوذ علي عقلية الشباب لكونها أحد أشكال الترفيه التي تستحوذ علي طاقتهم كما تقع تحت مظلة فريقأي مشروع جماعي مما يضفي عليها طابع القوة علي عكس الحركات السياسية التي لا يحميها أي سقف حزبي نظرا لضعف الحركة الحزبية مدللا علي قوله بظهور أكثر من مائتي حركة سياسية منذ 2005 وحتي 2009 لا وجود لأغلبها الآن علي الساحة فالحركات السياسية والاجتماعية الحقيقية النابعة من الشعب لا تستطيع أي قوة أن تزعزها, كما أرجع عدم اكثرات الشباب بالسياسة لانعدام التربية السياسية وافتقاد الانتماء السياسي لدي أغلب فئات الشعب, خاصة الأجيال الشابة.