إذا كان هناك العديد من المقالات والكتب والدراسات والأبحاث التي حذرت من انهيار الأوضاع في مصر بصورة واضحة ومباشرة, فالعادي أنه لا ينتبه لها أحد, لأن المعروف أنه لا أحد يقرأ في مصر. وقد كشف تقرير التنمية البشرية عن فضيحة عدم القراءة هذه من خلال النسبة الهزيلة لتوزيع الكتب, ولكن لا أجد حجة يمكن استخدامها كمبرر أمام بعض الأفلام السينمائية التي حذرت في مشاهد صريحة بل تنبأ بعضها بهذا الوضع السيئ والمرعب الذي تعيش فيه مصر هذه الأيام.
في هذا التقرير نلقي الضوء علي بعض هذه الأفلام التي دق بعضها جرس الإنذار مبكرا جدا, ولكن لم يستيقظ أحد.
ثرثرة فوق النيل
قبل نكسة يونية 1967 تنبأ الكاتب الكبير نجيب محفوظ بحالة الضياع التي تعيش فيها مصر تحت ظل الحكم الشمولي الذي جعل اللجوء إلي المخدرات الملجأ الوحيد للهروب من الواقع والذي كان ينطلق بسرعة إلي الهاوية المدمرة, وهو ما عبرت عنه شخصية عماد حمدي في الفيلم والذي كان يردد دائما أن الدنيا عريانة ومقلوبة. والهاوية تفتح فمها للمجتمع ولا أحد ينتبه. إنها نفس حالة الانحدار والضياع التي يعاني منها المجتمع المصري حاليا.
هي فوضي
النبوءة الأخيرة للمخرج العبقري يوسف شاهين ظهرت في فيلم هي فوضي والذي تعرض لهجوم رهيب من بعض النقاد والكتاب, واعتبروه يبالغ في تضخيم دور أمين الشرطة -الديكتاتور- الذي يبيح لنفسه فرض الإتاوات والاغتصاب والقتل وتلفيق القضايا.
لقد عبر شاهين بصدق عن توحش الجهاز الأمني وكراهية المصريين البسطاء له نتيجة كثرة الضغط الذي يتعرضون له من ظلم الشرطة وتزوير الانتخابات والفساد.
أيحدث الانفجار ويقتحمون قسم الشرطة -رمز النظام- ويجبرون هذا الديكتاتور المتسلط الصغير- تخيل كل مندوب شرطة علي شاكلته كان ديكتاتور- ويجبرونه علي الانتحار..
لقد خرجت مشاهد هذا الفيلم المصنوعة بدقة إلي أرض الواقع ورأينا جهاز الشرطة يرتدي طاقية الإخفاء وينتحر.. والهجوم علي الأقسام وحرقها ودخلنا في دوامة الفوضي. لقد أصرت الرقابة علي المصنفات الفنية علي وضع علامة الاستفهام بعد كلمة هي فوضي؟ لكي يتحول العنوان إلي سؤال لا إلي تقرير واقع.
عمارة يعقوبيان
رواية فارقة كتبها علاء الأسواني وحول نصها لفيلم وحيد حامد شارك في بطولته عدد كبير من النجوم علي رأسهم عادل إمام ونور الشريف وخالد صالح. وهي رواية تقرأ فساد هذه الأيام وخطورته.
كشفت الرواية بوضوح عن تزوير انتخابات مجلس الشعب وكل من يقومون بهذا التزوير.
تكمن أهمية هذا الفيلم أنه كان البداية للأعمال التي تكشف الواقع المعاش-وليس كما كان الأمر سائدا في الكثير من الأفلام السينمائية من استخدام فترات زمنية قديمة أو اللجوء إلي التورية والرموز- ورغم هذه الجرأة في مقارنة قريبة جدا بين الشخصيات الفاسدة في الحكم وفي الفيلم فإن أحدا لم ينتبه أو ير بعمق الخطر القادم!
طباخ الرئيس
هل يعرف الرئيس ما يحدث للشعب الغلبان المطحون؟ أم أنه يطالع التقارير الوهمية التي يقدمها له مساعدوه الفاسدون؟ هذا السؤال كان محور فيلم طباخ الرئيس الذي قام ببطولته طلعت زكريا عن قصة ليوسف معاطي. وقد حصل الفيلم علي التصريح بموافقة رئاسة الجمهورية.
ولا ندري هل كانت الرئاسة بموافقتها علي هذا الفيلم تريد استخدامه كمجرد نوع من التنفيس مثل بعض البرامج الحوارية والتوك شو -لأن هذا الفيلم لو أخذ محمل الجد- كان لابد أن ينتبه الرئيس للصورة التي قدم بها علي الشاشة. ولكن للأسف اعتبر الفيلم مجرد وردة في عروة قميص النظام الذي يتشدق ليلا ونهارا بالديموقراطية دون أن يستمع إلي كلمات طباخ الرئيس.
هناك أيضا الكثير من الأفلام الشبابية التي أشارت إلي تراكم الفساد وتغوله وخطورته علي الحياة والنظام ولكن كل ذلك اعتبر مجرد أفلام وكلام فاضي. من ذلك فيلم واحد من الناس الذي قام ببطولته كريم عبدالعزيز وأشار إلي تسلسل الفساد والفاسدين وتغلغلهم في كل مناحي الحياة ولكن اعتياد الفساد لم يجعل أحدا ينتبه لنتائجه السوداء وحرقه للجميع في النهاية.
دكان شحاتة
أحاط بفيلم دكان شحاتة للمخرج خالد يوسف العديد من التكهنات والتفسيرات.. فهناك من رأي في الفيلم الانفجار القادم والتي عبرت عنه المشاهد التسجيلية للكوارث التي يعاني منها المجتمع مثل الحرب علي رغيف العيش وسرقة القمح والفساد المتجذر في عمق مصر وقد عبرت عنه كلمات الشاعر جمال بخيت في قصيدة طويلة تغلغلت بين مشاهد الفيلم منها ما يعبر عن المواطن المصري الآن:
مش باقي مني
غير شوية دم
متلوثين بالهم
مرين وفيهم سم
وعن الفساد
مال البلد محمية
محمية بالحرامية
وعن ندرة وجود رغيف العيش
لا دبابة ولا جيش.. حرب رغيف العيش..
وهكذا يصل الفيلم في النهاية إلي قتل الفساد للبراءة مما يحول البلد لجحيم عشنا مشاهده بالكامل علي أرض الواقع. من انتشار البلطجية والهجوم علي الآمنين والخراب.. حتي نزول الدبابات للشوارع..
سوف يبقي دكان شحاتة واحدا من أهم الأفلام التي قرأت الواقع وسبقت بتقديم صور الخراب, لكن المشكلة أننا إذا كنا لا نقرأ فإننا أصبحنا أيضا لا نمتلك وعي مشاهدة الأفلام, فهي فقط أعمال للتسلية. وهو ما أثبتت الأيام القليلة الماضية كذبه علي الملأ.