في عام الاحتفال بمرور ستين عاما علي صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948م), تستعد كثير من الدول إلي إحياء هذه المناسبة المهمة. لم نسمع صوتا مؤثرا حتي الآن في الواقع المصري. ولا نعرف علي وجه اليقين شكل الاحتفال بهذه المناسبة, ولاسيما أن مصريين شاركوا في صياغة الإعلان العالمي, وكانت لهم بصمة واضحة في ذلك مثل محمود عزمي. وبعد مرور هذه العقود, تطورت أجيال حقوق الإنسان, من حقوق مدنية, إلي حقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية. اليوم العالم المتقدم لا يبحث في قضايا الحقوق السياسية, مثلما ننشغل نحن نهارا وليلا, لكنه يبحث في مستوي أرقي وهو الاهتمام بالكيان الإنساني, أي بالحقوق الثقافية. في هذا السياق تعمل منظمة ”اليونسكو”, التي تقدمت مصر بترشيح الوزير فاروق حسني لتولي منصب المدير العام لها, علي قضية التنوع الثقافي, والحفاظ علي هذا التنوع, من خلال تمكين كل المجموعات المختلفة التعبير عن نفسها.
ونظرا لأن الحقوق الثقافية من الاتساع بحيث يصعب حصرها, وهي موجودة – تقريبا – في معظم المعاهدات والإعلانات الدولية, مما يجعل التعامل معها أمرا صعبا. ولتحقيق ذلك, تشكلت مجموعة عمل دولية في إطار معهد حقوق الإنسان بجامعة فريبور بسويسرا لوضع إعلان عالمي يشمل الحقوق الثقافية للإنسان. ينطلق إعلان ”فريبور”- الذي صدر في 7 مايو 2007م – من مرجعية ”الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”, والعهدين الدوليين للأمم المتحدة, والإعلان العالمي لليونسكو حول التنوع الثقافي, وغيرها من الصكوك العالمية, والإقليمية ذات الصلة.
يستند الإعلان إلي مفهوم ”التنوع الثقافي”- وفق إعلان اليونسكو – الذي يذهب إلي أن المجتمعات اليوم تنطوي علي تفاعل أفراد ومجموعات ذوي هويات ثقافية متعددة, ومتنوعة, وديناميكية. من هنا فإنه من الضروري البحث في السياسات التي تشجع علي دمج ومشاركة المواطنين, فالتعددية الثقافية هي ”الرد السياسي علي واقع التنوع الثقافي” (المادة 2).
ويذهب إعلان ”فريبور” إلي أنه لا يمكن حماية التنوع الثقافي دون احترام فعلي للحقوق الثقافية” (المادة 4). من هنا فإن الحقوق الثقافية ترتبط بمباشرة حقوق الإنسان والتنمية, وهو ما لفت إليه الإعلان في المادة (6) بالقول ”وإذ نعتبر أن احترام التنوع الثقافي, والحقوق الثقافية, عامل حاسم للشرعية, ولتناسق التنمية المستدامة القائمة علي عدم تجزئة حقوق الإنسان”.
في مجال الحديث عن الهوية الثقافية يشار إلي الحق في اختيار الهوية, وما يرتبط بذلك من حرية التفكير والمعتقد والدين والرأي والتعبير, وما يتعلق بذلك من ممارسة هذا الحق في التربية والإعلام. ويكون لكل شخص حرية الاختيار في الانتساب, أو عدم الانتساب إلي الجماعة الثقافية التي تروق له, وتوفير التربية الدينية والأخلاقية التي تتماشي مع حرية التفكير والمعتقد والدين, وحرية المؤسسات التربوية, وتسييرها طبقا للمعايير المعترف بها في مجال التربية.
مفهوم الحقوق الثقافية يطرح ملفات كثيرة في عالم اليوم, لم تعد هناك مجتمعات خالصة لأبناء ثقافة أو دين واحد, بل تشهد درجات من التنوع, والمشكلة ليست في التنوع, ولكن في إدارة رشيدة للتنوع. إنها مشكلة الدانمارك ولبنان والعراق ومصر, وكل من يتردد في قبول التنوع.