زرت مؤخرا قرية في الجيزة, وجدت قضية ساخنة لا تحظ بأي اهتمام من النخب السياسية في وسط القاهرة, التي تنشغل بأحاديث لا علاقة لها بهموم المواطن الحقيقية.
هناك مصريين لا تعرفهم مؤسسات الدولة, نظرا لأنهم غير مقيدين بسجلاتها, وهو ما يطلق عليهم مصطلح ##ساقط قيد##. هؤلاء ليسوا عشرات أو مئات بل آلاف. لا يحملون ##شهادة ميلاد##, وبالتالي لا يحق لهم التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المكفولة للمواطنين. هؤلاء البشر ليس لهم الحق في ##التطعيمات المجانية## لأن ليس لهم شهادة ميلاد, ولا يلتحقون بالمدارس, ولا يستخرجون بطاقات رقم قومي, وليس في إمكانهم متابعة الحياة بشكل طبيعي. تتعدد المشاكل في مجالات عديدة منها: توثيق الزواج, والحصول علي الميراث, فتح حساب في البنك مشكلة, واستئجار شقة, والالتحاق بعمل ثابت في المؤسسات الحكومية, والتمتع بمظلة التأمين الاجتماعي, والحصول علي الدعم المقرر للسلع عبر بطاقات التموين, إلخ. والسبب أنهم لا يحملون أوراقا رسمية, أي هم يعيشون في الدولة, لكن لا تعرف الدولة عنهم شيئا. يضاف إلي هذه المجموعة فئات أخري لم تستخرج بطاقات الرقم القومي, بما يترتب عليه من تداعيات بالنسبة لها. ونحن دولة بيروقراطية من الطراز الأول, ليس من اليوم, ولكن منذ أيام الفراعنة, تشتهر بالحصر, والجرد, والتوثيق. الدفاتر هي الشغل الشاغل للبيروقراطي. فما معني ذلك؟, يعني أن المشكلة ليست فقط لهذه الفئة من المصريين, ولكن مشكلة للدولة ذاتها.
القضية لها أبعاد كثيرة. هناك من يرفض استخراج الأوراق الرسمية لفقره, وارتفاع تكاليف الحصول عليها, وهناك من يفرض قيودا قاسية علي المرأة تمنعها من القيد في سجلات الدولة, وهناك من يرغب في التهرب من الخدمة العسكرية, وآخرون يرغبون في تزويج الفتيات مبكرا, وبالتالي يرفضون استخراج شهادات ميلاد لهن منذ البداية, وفريق آخر يمل من البيروقراطية, وطول الوقت, ولا يري ضرورة في امتلاك أوراق رسمية.
وجدت في القرية وحدة مجهزة من مصلحة الأحوال المدنية لاستخراج الأوراق الثبوتية للمواطنين, جهد جيد, ولكن متي يصل هذا الجهد لكل قرية, ونجع, وجيب سكاني مغلق؟.