في المؤتمر الذي نظمه الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي منذ أيام بالقاهرة تحدث بصراحة السيد هاني فحص, المرجع الشيعي اللبناني المعروف وقال إن الخلاف المذهبي بلغ معدلات مقلقة في المنطقة العربية. وأشار إلي أنه لم يعد قادرا علي العودة إلي قريته ##الشيعية## نظرا لأنه لم يعد مقبولا من عشيرته, لمواقفه النقدية لحزب الله, خاصة بعد أن فرض شروطه بالسلاح علي مجمل اللعبة السياسية اللبنانية. الخلاف المذهبي علي أشده. مواقع الإنترنت الشيعية والسنية تتبادل اتهامات قاسية, ترسخ ذاكرة الكراهية علي الجانبين. وأية محاولة للتهوين مما يجري, ورفض المواجهة المباشرة له, يعني باختصار شراء مزيد من الوقت للكراهية.
منذ الغزو الأنجلو-أمريكي للعراق والخلاف الشيعي السني في خلفية المشهد شئنا أم أبينا. ما جري في لبنان من انقسام بين فريقين أحدهما سني يقوده سعد الحريري, والآخر شيعي مكون من حزب الله وحركة أمل يقوده حسن نصر الله, والموقف الملتهب في غزة بين دعم إيراني ##شيعي## لحماس, ودعم سعودي مصري ##سني## للسلطة الفلسطينية, والاقتتال الدائم بين الشيعة والسنة في العراق, وصعود دور الأقليات الشيعية في الخليج, وكثرة الحديث عن الهلال الشيعي, ووجود مد شيعي في دول سنية وصل إلي جزر القمر, كل ذلك يكشف عن عداوات تاريخية بعيدة الجذور بين الشيعة والسنة تحت السطح السياسي الساخن.
هذا النزاع ممتد, يكتسب زخمه من التاريخ. والأقليات المسيحية ليست بعيدة عن المشهد. في كل مكان يشهد مواجهات شيعية سنية عادة ما تأتي بنتائج وخيمة علي المسيحيين رغم أنهم ليسوا طرفا في الصراع. في العراق حدث تهجير, وقتل, واستهداف مستمر للمسيحيين وممتلكاتهم. وفي لبنان وجد المسيحيون أنفسهم بين المطرقة والسندان. لم يكن لهم صوت في الأزمة, ووجدوا أنفسهم فريقين منقسمين أحدهما إلي جانب سعد الحريري بزعامة سمير جعجع, والآخر إلي جانب حسن نصر الله بزعامة العماد ميشيل عون. ووقفت القيادة الدينية المارونية علي مسافة متساوية من كل الأطراف حماية للكيان المسيحي في مواجهات دامية, لم تعد دينية بل مذهبية سياسية.
الخلافات المذهبية تمزق المنطقة, والجميع يدفع الثمن, بما في ذلك من هم خارج الصراع ذاته.
سامح فوزي