ليس هناك حاجة إلي التأكيد علي أن مواقف الرئيس الأمريكي ليست محل اتفاق, وكثير منها يبدو مجافيا للواقع. المستنقع العراقي خير مثال علي ذلك. وما يقترب من نصف الأمريكيين أنفسهم يرفضون سياسات الإدارة الأمريكية الحالية. القضية لا تحتاج إلي تفصيل أو شرح. ولكن الموقف الذي يحتاج إلي تفسير هو رد فعل شرائح من المعارضة تجاه زيارة الرئيس الأمريكي الأخيرة لمصر, والتي وصلت إلي حد توجيه الشتائم إليه, والمطالبة برفض استقباله.
هؤلاء المعارضون يحتار المرء في فهم الاتجاهات التي تحكم نظرتهم للأمور. لا أتحدث هنا عن معارضة الإدارة الأمريكية, فالأمريكيون يفعلون ذلك كل لحظة, ونحن من حقنا أن نعترض علي السياسات الخارجية الأمريكية التي تنال من مصالحنا, وتؤثر علي مستقبلنا. لا أحد يحجر علي حق الشعوب في أبداء رأيها, والاحتجاج, والمعارضة.
القضية مختلفة. تتعلق بالازدواجية في المعايير أكثر ما تتصل بالمواقف المبدئية الثابتة.
المعارضون- وبعض ممن يقتفون خطاهم في الحكومة- يشكون, وينتقدون الإدارة الأمريكية إذا اقترب أحد من موضوع المعونة الأمريكية المقدمة لمصر, ويعتبرونها حقا مكفولا لهم, لكنهم يريدون أن يحصلوا علي المعونة, ويواصلوا نقدهم للأمريكيين. وهم لا يتورعون عن نقد الأمريكيين ليل نهار, ولكن في الوقت نفسه يرجون تأييدهم, ودعمهم في مسيرتهم لتحقيق الديموقراطية, كما يتصورون. يتصرف كثير من شرائح المعارضة انطلاقا من مبدأ ”الحب والكراهية”, يكرهون الأمريكيين, لكنهم لا يريدون الابتعاد عنهم. وكشوف الزائرين في السفارة الأمريكية بالقاهرة خير مثال علي ذلك.
وسلالم نقابة الصحفيين مغلقة أمام المعارضين المتظاهرين في وجه النظام, لكنها تفتح أمامهم إذا كانت المظاهرة ضد زيارة الرئيس بوش. وحسب ما ذكرت الصحف أن نقيب الصحفيين كان يقف إلي جوار المتظاهرين, وعندما علا هتاف أحدهم ضد النظام, أسرع بوضع يده علي فمه ليسكته. تحولت سلالم نقابة الصحفيين إلي لغز كبير. فقد خاض نقيب الصحفيين حربا ضروسا ضد ما سمي ”اختطاف سلالم النقابة” من قبل القوي السياسية المعارضة. وجري الاتفاق في مجلس النقابة علي أن التظاهرات المسموح بها فقط هي ذات طبيعة مهنية صرف, أي للدفاع عن الصحفيين, وقضاياهم. ثم تحول الأمر إلي الموافقة علي التظاهرات ذات الطبيعة الوطنية العامة أي التظاهرات ”المجانية” في رأي كثيرين. وهي تعبر عن حالة نضال مجاني, في مواجهة بوش أو أولمرت, أمريكا أو إسرائيل, تظاهرات تصب في النهاية في خدمة الموقف الحكومي, أكثر مما تظهر مواقف حقيقية جادة في مواجهة سياسات الآخرين التي تضر بالمصالح المصرية العليا. النضال بالهتاف وليس بالسياسة والمواقف الجادة المؤثرة.
سلالم النقابة ليست للتظاهرات جميعها. هي فقط مخصصة لتظاهرات مهنية, وهذا حق لكل صحفي, وتظاهرات ”مجانية”, لا طائل من ورائها. أما تظاهرات المعارضة ذاتها فليس لها محل علي سلالم النقابة, أو في أي مكان آخر.
استغرب موقف المعارضين الذين يشاركون في مثل هذه المسرحية الهزلية, لكني لا استغرب موقف الحكومة التي تسمح بالتظاهرات التي تصب في مصلحتها, وتحجب التظاهرات الأخري التي تعاندها. فالحكومة حرة تختار ما يحقق مصالحها, ولكن- للأسف- المعارضة ليست حرة, ولا تعرف أين مصالحها.