في برنامج تلفزيوني تطرق إلي أزمة القمامة المتراكمة في شوارع القاهرة. فاجأت مقدم البرنامج بعبارة ربما استدعت منه التفكير العميق. قلت له: ##لا توجد عاصمة عربية, ولا أقول أوربية توجد بها قمامة مثل القاهرة##. هذه العبارة ليست للمبالغة.
بالفعل لا توجد عاصمة عربية تعاني من الترهل والتسيب مثلما تعاني القاهرة, والتي أضيف إلي شوارعها أطنان من القمامة, استدعت تدخل رئيس الجمهورية شخصيا بالأوامر والتوجيهات حتي تتحرك البيروقراطية الحكومية لاستعادة حد أدني من النظافة للشارع المصري.
لن أتحدث عن الخليج العربي الذي هو صورة منسوخة من حيث الشكل من شوارع أوربا, مع اختلاف في المضمون, ولكني سوف أتحدث عن عواصم عربية أخري.
عمان, عاصمة الأردن, مدينة شديدة الانضباط إداريا, قواعد المرور بها صارمة, ومستوي الخدمات العامة بها لائق, ومن أبرز ملامحها وجود ##رصيف## في الشوارع بما في ذلك قلب عمان القديمة يسير عليه المارة, أما المقاهي والمحال التي تفترش الأرصفة, وتحتل نهر الشارع, فلا وجود لها علي الإطلاق.
تونس, العاصمة الجميلة, شوارعها يسودها النظام والترتيب والنظافة, ويعد الذوق ملمحا أساسيا في التعامل, وتسودها حالة ليبرالية اجتماعية. وإذا دخلت الأماكن التي عادة ما تتكاثر فيها الروائح, والقمامة, والمياه الراكدة مثل أسواق الأسماك, فسوف تجدها نظيفة علي نحو يذهل المارة.
الرباط, العاصمة السياسية للمغرب, شوارعها منضبطة, أسواقها القديمة نظيفة, لا مجال فيها للقمامة المتكاثرة, وأبرز ما يميزها قطاراتها التي تسير مثل عقارب الساعة, تحمل سمات الفخامة, حتي المحصل في القطار لديه ملابس باهية, كاب علي رأسه, وقفاز في يديه, ومستوي نظافة القطار تضارع مثيلاتها في قطارات أوربا.
بيروت, رغم ما بها من مآس, لا تزال جميلة باهية, معدلات النظافة بها شاهد عيان علي حيويتها وجمالها.
في كل هذه الأمثلة فإن مستوي المطاعم العامة, أو ما نسميه نحن ##الشعبية##, أرقي من مستوي مطاعم النجوم الخمس في القاهرة من حيث جودة الطعام, والنظافة, وربما السعر أيضا.
القاهرة في أزمة وجود.