أطلت علينا الصحف القومية الأربعاء الماضي في صدر صفحتها الأولي بأنباء محاكمة رئيس إسرائيلي سابق, وسجن وزيرين سابقين, وقرب محاكمة رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت. بالطبع فإن الذهنية التي تحكم نشر هذه الأخبار, وإبرازها, وإلقاء الضوء عليها يغلب عليها طابع العداء التقليدي لإسرائيل, والرغبة الدفينة في تعرية عورات المجتمع الإسرائيلي, وكشف النقاب عما يجري فيه من فساد بكافة صوره. ولكن لم يخطر بذهن الذين يحتفون بمثل هذه الأخبار أن ذلك في صالح إسرائيل, وقد يكون بالنسبة للبعض سببا أساسيا للإعجاب بها؟.
في قلب منطقة عربية أقل ما توصف به أنها غير ديموقراطية, وأقل ما يوصف قضائها بأنه غير متحرر تماما من هيمنة وتدخل السلطة التنفيذية, توجد دولة أو كيان, سمها ما شئت, يحاكم فيها كبار المسئولين أمام القضاء, ويخضعون لتحقيقات مكثفة, بعضها أثناء توليهم مهامهم الحكومية, وتصدر بحقهم أحكام تنفذ. أليس ذلك مدعاة للإعجاب أكثر من الاشمئزاز والكراهية؟.
بالطبع ليست إسرائيل دولة ديموقراطية كاملة, كما أنها ليست دولة خالية من التمييز والفساد, فهي تحوي ممارسات منهجية لإنكار العدالة لقطاع من سكانها, ويعاني فيها المختلف دينيا أو عرقيا مظاهر من التمييز, وهناك العشرات من الدراسات بعضها كتبها إسرائيليون تتناول أوضاع عرب 1948, كما اصطلح علي تسميتهم, وهم مواطنون إسرائيليون, لكنهم يتعرضون إلي بعض جوانب التمييز في التعليم, وشغل بعض الوظائف العامة, وغيرها.
لكن ما نريد أن نقوله إن المشكلة ليست في إسرائيل, ولكن في وجود بعض الاتجاهات الذهنية لدي قطاع من النخبة العربية يري أن إلصاق كل نقيصة بإسرائيل كفيل بهزيمتها, وتقزيم دورها, وحصارها, وهو أمر غير حقيقي, لأنه مجتمع به مؤسسات, ولديه بنية أساسية, وتعليم متقدم, وينفق علي البحث العلمي, ولديه ترسانة عسكرية لا داعي للخوض فيها. المطلوب ليس تعرية المجتمع الإسرائيلي, ولكن تقوية الذات من خلال العلم والتكنولوجيا والديموقراطية والتقدم الاقتصادي. هذه إسرار نهضة الأمم الحقيقية.