فجأة استيقظ وزير الصحة وقرر إيقاف كافة إعلانات الأدوية التي تبث علي الفضائيات دون الحصول علي تصريح مسبق, وذكرت بعض الصحف أن الوزير تقدم ببلاغ إلي النائب العام بشأن هذه القضية. القرار جيد, لكنه متأخر. فقد تحولت القنوات الفضائية في السنوات الأخيرة إلي مرتع للدجل والشعوذة باسم الطب, إلي الحد الذي جعل قنوات ##هامشية## يشتد عودها بسبب إعلانات أدوية الأعشاب, والأدوية مجهولة المصدر.
من نماذج هذه الإعلانات دواء يشفي المريض من داء السكر, بحيث يصبح إنسانا طبيعيا في غضون أيام معدودات, ودواء آخر من العشب يعالج عشرين مرضا مجتمعين, ودواء ثالث من الأعشاب أيضا يعالج تأخر الإنجاب في أسبوع واحد, ودواء رابع يعالج الضعف الجنسي, إلخ. وبعض الإعلانات تقدم في رداء ديني مما يضفي عليها جاذبية, وقدسية, وتأثيرا علي عقول المشاهدين. فقد بات المواطن المصري نتيجة حالة التجريف الثقافي والمعرفي لعقود طويلة يجري وراء الغريب والخرافة والفرصة التي لا تتحقق إلا مرة واحدة.
الفضائيات التي تقدم هذه النوعية من الإعلانات منها ما هو ديني سلفي أو قناة أفلام أو قناة منوعات, أي أنها خليط من الخطابات الدينية المتشددة, والابتذال الفني, والترويج الاستهلاكي للبضاعة والجسد.
إذا كان شأن هذه الفضائيات معروفا, فالسؤال هو: لماذا أصبح المصريون ساحة تجارب للنصابين والجهلة والمشعوذين؟. شخص يضحك علي العشرات, ويجمع منهم الملايين لاستثمارها بفوائد مرتفعة, ليس لسبب إلا لأن هؤلاء يبحثون عن الكسب السريع, ولم يسألوا أنفسهم عن ماهية المشروع الاستثماري الذي يدر ربحا تصل نسبته إلي ثلاثين وأربعين بالمائة. وآخر ينصب علي العشرات في تقسيم للأراضي, وثالث ينتحل صفة طبيب ويمارس المهنة لسنوات طويلة, ودجال يمارس الشعوذة ويكتسب القداسة, وهكذا.
الإجابة عن السؤال تمثل مفتاح الشخصية المصرية المعاصرة التي تبحث عن ##الخوارق## للإفلات من الواقع, ولكن ما مسئولية أجهزة الدولة في السماح لهؤلاء النصابين والمشعوذين بممارسة العمل لسنوات؟ والأهم, مسئولية الدولة في انخفاض الوعي الثقافي والمعرفي للجمهور, بحيث تحولوا إلي فريسة سهلة لكل نصاب ومشعوذ.