ألغي الرئيس أنور السادات جهاز الرقابة الإدارية عندما تخطي الخطوط الحمراء- في رأيه- أثناء ممارسته لعمله, وأعاده إلي الحياة الرئيس حسني مبارك. ومن حين لآخر يظهر دور الجهاز في الدفاع عن النزاهة, ومحاربة الفساد, عبر الكشف عن قضايا فساد. وإلي جوار الرقابة الإدارية, يظهر الجهاز المركزي للمحاسبات, وهو يلعب بمثابة المراقب المالي للحفاظ علي المال العام. وفي الأعوام الأخيرة بدا أن الحكومة غاضبة من الجهاز الذي يقوم بمراقبتها, حيث يذهب رئيسه جودت الملط إلي مجلس الشعب منتقدا أدائها, كاشفا عن أوجه عديدة لإهدار المال العام بإحصاءات وأرقام, ولكن ما يلبث أن ينفث الرجل عن غضبه, ويمضي. تكتب الصحافة بضعة أيام عن ذلك, ثم ينسي الجميع الموضوع, وكأن الغرض من عرض تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات هو التنفيث لا أكثر ولا أقل.
مأساة أن يحدث ذلك في بلد نام ديموقراطيا. في كثير من الأحيان ننتقد مجلس الشعب لعدم قدرة أعضائه- نتيجة هيمنة الأغلبية المنتمية للحزب الوطني- علي مساءلة الوزراء علي نحو يفضي إلي محاسبة وزير بإسقاطه, أو إسقاط وزارة بأكملها, أو تقود المساءلة إلي استقالة وزير أو وزارة. لم يحدث هذا, وأغلب الظن أنه لن يحدث. واختزل مجلس الشعب دوره في الوظيفة التشريعية فقط, والتي نشكو من ضعف حرفيتها, وتأخرها في نظر قوانين مهمة في أحيان كثيرة. والسبب هو الحكومة التي تقدم مشروعات القوانين, وتختار الوقت والظرف الذي يجعلها تطرح مشروع قانون بعينه. نعرف ذلك, أما أن يتعثر الدور الذي يقوم به الجهاز الرقابي ماليا فهذا أمر يحتاج إلي تحليل جاد.
المطلوب من الجهاز المركزي للمحاسبات, وغيره من الأجهزة الرقابية هو مخاطبة المجتمع صاحب المصلحة الأساسية من خلال كسر حاجز السرية- الذي لم يرد له ذكر في القوانين المنظمة لها- علي تقاريرها, ونشرها علي نطاق واسع مما يخلق وعيا بأهمية الحفاظ علي النزاهة في الحياة السياسية, ويساعد المجتمع علي ممارسة دوره الرقابي علي من انتخبهم, والحكومة التي تشكلت نتيجة للعملية الانتخابية. فإذا كان مجلس الشعب غير عابئ بالتقارير الرقابية, والحكومة مطمئنة إلي أغلبيتها البرلمانية المريحة فهل هناك حل آخر سوي مخاطبة الشعب مباشرة؟