الناس لم تشعر بثمار الثورة بعد, لأن ما كان معظمهم يبحث عنه ليس هو ما تحقق, بل حدثت فيه انتكاسة. الثورة قامت علي ضلعين أساسيين: الديموقراطية والعدالة الاجتماعية. ليس كل الناس خرجت من أجل الهدفين معا. هناك من كان منشغلا بالعدالة الاجتماعية, وهناك من كان مسكونا بحلم الديموقراطية. وعندما نجحت الثورة في اقتلاع نظام مبارك بدا أن هناك هامشا متسعا من الديموقراطية يتشكل, ولكن العدالة الاجتماعية تعثرت, والأوضاع الاقتصادية ارتبكت, والمطالب الفئوية تصاعدت, وقصص سرقة المال العام أسهمت جميعا في شعور قطاع عريض من المجتمع أن الثورة يجب أن تحقق مطالبه الآن, وليس غدا.
الثورة لم تكمل خمسة شهور, وتطلعات الناس في تصاعد, وفي نفوسهم غضب. تحقق بعض من الديموقراطية, ولكن لم تتحقق العدالة الاجتماعية. إذا استمر الحال علي ما هو عليه, ولاسيما أن أداء الحكومة بطئ, لا يلائم إيقاع الحالة الثورية, فإن ذلك قد يؤدي إلي أن يصبح الحديث عن الثورة في أوساط النخبة, أما الغضب علي الثورة فيكون من نصيب الجماهير. النخبة المولعة بالديموقراطية تنشغل بالدستور والانتخابات, أما الجماهير التي تسعي وراء لقمة العيش, والحياة الاجتماعية الكريمة, وفرص الحياة الطيبة قد تري في الثورة عملا سلبيا, وقد تقود ثورة مضادة إذا استطاعت ذلك.
رفقا بالناس. الثورة ليست كلها سياسة, ولكن جماهير خرجت للتحرير تبحث عن مجتمع يوفر لها حياة إنسانية, كرامة وخبز وعدالة اجتماعية, وبالتالي فلن يكون سهلا التضحية بالعدالة الاجتماعية لصالح الديموقراطية لأن الجماهير لم تطلب الأخيرة علي حساب الأولي, بل طلبت الأولي في المقام الأول, والثانية مجاورة لها. المطلوب أن نحقق الاثنين معا.