في قنا هناك ما يدعو إلي القلق, ولكن في أبوقرقاص بالمنيا هناك ما يدعو إلي الانزعاج علي مستقبل الدولة المدنية الحديثة في مصر. في قنا المسألة معقدة, القبلية تظهر فيها بوضوح, وخبرة سلبية سابقة لمحافظ مسيحي سببت حالة من الغضب ليست فقط في صفوف المسلمين, ولكن الأقباط أيضا. ويكفي أن نذكر أن المحافظ السابق قسي كثيرا علي الأقباط حتي يظهر في ثوب الاعتدال, ويجامل الأغلبية المسلمة, وبالمناسبة لم يرض عنه هؤلاء ولا أولئك. لأن العدل أساس الملك. الناس خرجت لا تريد محافظا يحمل نفس هذه الخصائص, وجاء السلفيون ووضعوا زيتا علي النار, وصاغوا المسألة في قالب ديني, ألبسها بعدا طائفيا. ونتوقع في الفترة القادمة أن نجد تجمهرات تعترض علي تولي قبطي رئاسة شركة, أو مصلحة, أو حتي إدارة مدرسة, والحل سهل, مظاهرات وقطع طريق وغضب, والكل ينتظر الشيخ السلفي المعروف محمد حسان الذي أصبح أهم شخصية في المجتمع المصري, وبيده مفاتيح الحل.
في أبو قرقاص الوضع مختلف, استهداف لمسيحيين, تهديد بالأسوأ القادم, حرق منازل بعد نهب محتوياتها, وهكذا السلامة الشخصية لجمهور من المسيحيين علي مقربة من الحافة. يد الدولة تبدو مرتخية, الجيش يحمل تركة ثقيلة, ولا يود أن يشتبك مع الناس, والشرطة في حالة انكسار نفسي, وضعف في القدرات, وعدم رغبة في تحمل مسئولية ميدانية علي أرض الواقع. ليس فقط في أبو قرقاص ولكن في أي مكان في مصر, ويمكنك علي سبيل التجربة السير عكس الاتجاه في قلب أكبر ميادين القاهرة لتري أن أحدا لن يقترب منك أو يتحدث إليك.
نسمع الآن حديثا خافتا عن كرامات النظام السابق. في عهد مبارك كان يحدث أسوأ من هذا, وتلاعب أمن الدولة بمقدرات الأقباط, أرواحهم وممتلكاتهم, فما مر بنا لم يكن الأفضل, وما نعيشه الآن ليس هو الأسوأ. أنني واثق أن أربعين عاما من الطائفية قد يستغرق التخلص منها بعض الوقت, ولكني أتطلع إلي قبضة جادة من الدولة حتي يشعر الجميع بهيبتها.