بصرف النظر عن نتيجة الاستفتاء علي تعديل الدستور الذي جري بالأمس, والتي أظن أنها ستأتي متقاربة, فإن التفاعلات التي سبقته, وأحاطت به تثبت أن الثورة حدثت في ميدان التحرير, وأطاحت بنظام حسني مبارك, لكن لم تمتد إلي القوي السياسية بحيث ظلت علي أفكارها القديمة, وإن أظهرت بعض التحول في الشكل لا في المضمون.
في أول مناسبة لاستطلاع رأي الشعب المصري, لا حزب له مرشحون فيها, والتصويت بنعم أو لا سوف يترتب عليهما تقريبا نتائج متشابهة. رغم كل هذه المقدمات, فإن الاستقطاب حدث بين الثوريين. قوي مع التصويت بنعم وأخري مع التصويت بالرفض. ولم تجتهد كلتاهما بالقدر الكافي لإيجاد أرضية مشتركة, تمثل امتدادا للثورة التي خاضاها معا.
عادت الأساليب القديمة. الإخوان المسلمون في صف التصويت بنعم, وحشدت المصلين في المساجد, وألبست التصويت بالإيجاب بردة دينية بوصفه واجبا شرعيا, وسعي القياديون بها إلي وصف الرافضين للتعديلات الدستورية بأنهم ضد الديمقراطية. واللافت أن مؤسسات المجتمع المدني, مثل النقابات التي يسيطر عليها الإخوان المسلمون علقت اللافتات التي تفيد بتأييد أعضائها للاستفتاء ولا أفهم كيف يمر ذلك, هل حدث استطلاع رأي داخلي في النقابة لآراء الأطباء, هل أجريت مؤتمرات جماهيرية لاستبيان رأي أعضاء النقابة قبل أن يجاسر القائمون عليها بإعلان موقفهم بشكل سافر.
والشيء بالشيء يذكر, فقد لجأت القوي الرافضة للاستفتاء لاتهام المؤيدين باتهامات شتي, ونال الإخوان المسلمون نصيبا منها, بوصفهم يريدون القفز علي السلطة, ويستغلون حالة من عدم الاستعداد في صفوف القوي السياسية كي يهيمنوا علي مشهد بائس, خربه نظام مبارك بإتقان وحرفية.
الخلاصة أن القوي الثورية تمزقت في مناسبة أقل سخونة من الانتخابات العامة, وربما الفائز الوحيد هو الشعب المصري الذي ذهب ليستمتع بتجربة ديمقراطية مثيرة في حياته.