هذه المرة لا نريد أن نغرق في التفاصيل, ويتوه الموضوع كالعادة وسط ركام القصص, والروايات, والحكايات المنثورة. ما حدث في عين شمس, من استهداف لمبني خدمات كنسي من قبل السكان, بعد تلقيهم جرعة تحريض, يحتاج إلي وقفة, وتحليل, بحيث لا يضيع الموضوع في مساجلات عقيمة. هناك من يقول إن المبني بدون ترخيص, وهناك من يقول إن المبني له ترخيص. بصرف النظر عن هذا وذاك, فإن هناك نقاطا ينبغي وضعها فوق الحروف.
بداية, إذا كان المبني بدون ترخيص, فإن الطرف الذي يملك التصدي للأمر هو السلطات المحلية, التي تملك سلطة الترخيص للمباني. وبالتالي, فإن الأفراد العاديين, أيا كانوا, ليس لهم أن يطبقوا القانون بأيديهم. ومن أدراهم أن هذا المبني غير مرخص له؟. الغريب أن المصريين, كل لحظة, ينتهكون القانون بأشكال مختلفة. هناك إخلال فاضح بقواعد المرور,وسعي دائم للتهرب من الضرائب, إلخ. وعندما يتعلق الأمر ببناء كنيسة, أو مبني تابع لكنيسة, يهب الجمهور العادي لتطبيق القانون بأيديهم؟ بماذا نفسر ذلك؟. ما سر حرص الجمهور العادي الذي ينتهك القانون كل لحظة أن يكون في صف تطبيق القانون في حالة بناء مبني يستخدم في الأنشطة الكنسية الخدمية؟
هذا إذا افترضنا أن المبني غير مرخص له.
إما إذا كان المبني الكنسي مرخص له, أي حاصل علي موافقة الجهات التنفيذية والأمنية, فإن معني ما جري أن الأفراد العاديين, بدافع من التعصب ورفض الآخر الديني المختلف, يمنعون تنفيذ قرار صادر عن إحدي جهات الدولة. هنا يصبح الجدل منصبا علي قدرة الدولة علي الدفاع عن هيبتها, وقدرتها علي تنظيم المجتمع. فما معني أن الدولة تبدو رخوة, ضعيفة, غير قادرة علي مواجهة نزعات التعصب التي تتفشي علي المستوي الشعبي؟
هذه المرة لا نريد أن نتوه في التفاصيل. المسألة واضحة. هناك تعصب يستشري في الأوساط الشعبية, ينمو ويترعرع دون أن يجد سياسات عامة فعالة تصده. وهناك دولة لا تريد أن تضبط الأمور, تاركة الناس يعيشون في فوضي العشوائية, واللا معني. ما السبب- حتي الآن- في عدم تقديم قانون بناء دور العبادة الموحد إلي مجلس الشعب؟ لماذا لم يقر رغم مرور أكثر من سنتين علي إعداده؟ إذا كان العديد من الأحداث الطائفية من العديسات إلي عين شمس مرورا ببمها, وكفر دميان, وغيرهما وقعت بسبب مواقف مشابهة تتعلق ببناء أو ترميم كنائس أو مبان تابعة لكنائس, فهل لا يستحق ذلك دراسة والبحث عن سياسات وتشريعات تضبط الأمور, تحافظ علي هيبة الدولة من ناحية, والعلاقات الإيجابية بين المسلمين والمسيحيين من جهة أخري؟
الظاهر أن إدراك المسألة الطائفية علي مستوي النخبة السياسية الحاكمة لا يزال محدودا, وهو ما أدي إلي ##فقر الخيال## السياسي والقانوني في التعامل مع القضايا الشائكة, تاركين المسألة برمتها للفوضي, والعشوائية, وانفعالات الأفراد.
نحن لا ندافع عن الأقباط أو حقهم في بناء كنيسة أو مبني تابع لكنيسة, فهذا حقهم لا نقاش في ذلك, ولكن ما نسعي إليه هو الحفاظ علي هيبة الدولة, قوية, فاعلة, وليست مفعولا به.