ما نقلته الصحف من أنباء عن سير عملية الترشيح في الانتخابات المحلية يثير كثيرا من الآسي, وهو ما دفع البعض إلي التوقع بأن هذه الانتخابات ستكون الأكثر بعدا عن مفهوم العملية الانتخابية في التاريخ المصري. آلاف المرشحين وجدوا صعوبات جمة في التقدم بأوراق ترشيحهم, وبعضهم- من الإخوان المسلمين- تعرضوا للاعتقال, وتشكو أحزاب المعارضة المدنية, مثل الوفد والتجمع والناصري, من وجود عراقيل أمام مرشحيهم في التقدم بأوراق الترشيح, ويتباهي بعض المسئولين من أن كثيرا من الدوائر الانتخابية حسمت بالتذكية.
من الواضح أن هناك مخاوف جادة من الإخوان المسلمين, وكثير منها حقيقي. والانتخابات المحلية لها أهمية لا يدركها كثيرون. فهي من ناحية, في ظل التعديلات الدستورية الأخيرة تشكل سندا تصويتيا لمن يريد الترشح في الانتخابات الرئاسية. ومن ناحية ثانية فهي عادة ما تشكل البداية الجادة للهيمنة علي المجتمعات علي المستوي الشعبي. هذا ما حدث في خبرة جبهة الإنقاذ في الجزائر في الثمانينيات, عندما كانت المحليات هي البوابة الملكية للفوز في الانتخابات العامة. وبعد حصول الإخوان المسلمين علي ثمانية وثمانين مقعدا في مجلس الشعب في انتخابات عام 2005م, اتخذ قرار بتأجيل الانتخابات المحلية لمدة عامين خوفا من استغلال زخم الصعود السياسي في البرلمان في الهيمنة علي المجالس الشعبية. كنا نتوقع أن تلجأ الحكومة- خلال هذه الفترة- إلي سياسة مختلفة, وهي تفعيل الأحزاب المدنية, والقوي السياسية الأخري وذلك بهدف إحداث توازن في المجتمع المصري. ولكن هذا لم يحدث, واستمر الحال علي ما هو عليه, وهو اللجوء إلي المواجهة الأمنية فقط.
السياسة تحتاج دائما إلي سياسة. الإخوان المسلمون يفوزون في الانتخابات ليس لبرنامج يطرحونه, لأنه لا يوجد لديهم برنامج مختلف, وليس لتميز كوادرهم السياسية, ولكن لأن الساحة السياسية خالية. الحزب الوطني يهيمن, دون ممارسة سياسية جادة, وأحزاب المعارضة ضعيفة منكفئة علي ذاتها, لا تقوي علي المنافسة, وبعضها يتمني البقاء, وحسب. لا يمكن أن يستمر الحال هكذا. المطلوب هو عمل سياسي يفرز قوي سياسية حقيقية, تحصل كل منها علي وزنها الطبيعي في الشارع السياسي. قد تنجح المواجهة الأمنية لساعة, ولكنها لن تنجح كل ساعة. فمنذ أكثر من خمسين سنة, وبالتحديد في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين, والإخوان المسلمين في حالة صدام مع كل الأنظمة السياسية, بدءا بالنظام الملكي, مرورا بالناصري وانتهاء بالفترة الحالية. في كل هذه المراحل لم يغب الحل الأمني عن المشهد, وبالرغم من ذلك لم تكن له الجدوي المطلوبة.
لا يمكن أن نترك المواطن في حالة ”تصحر سياسي”, ثم نقول لماذا يفوز الإخوان المسلمين, وننسج الأساطير, وندبج التحليلات؟. الساحة خالية. المطلوب هو عمل سياسي منظم, يدمج ملايين المواطنين في العملية السياسية, وتنشط الأحزاب المدنية علي الساحة, وتنكشف أمام المواطنين قدرة كل تيار, وحدود ما يقدمه لنهضة المجتمع المصري, وما إذا كان جديرا بالانتخاب من عدمه.
هذا هو الحل للخروج من حالة الشرنقة السياسية, دون خوف من قوي سياسية بعينها, تحمل مشروعا ووجدانا مختلفا. الممارسة السياسية تصحح نفسها, والفعالية تواجه الانتهازية, والانتخابات في نهاية المطاف تعني المشاركة, لا المصادرة!