[email protected]
مازال الأقباط يدفعون ثمن السيناريو الهابط المتكرر الذى اعتدناه طويلاً.. من حقوقهم ودور عبادتهم وممتلكاتهم وأمانهم.. وحياتهم أيضاً.. إنه السيناريو المعتاد.. عواطف متأججة بين طرفي علاقة, أحدهما مسلم والآخر مسيحي.. علاقة في الخفاء.. يدعمها الحرمان والتفكك الأسري لدي الطرفين ويعزز أواصرهما الخوف من المجتمع المتخلف الذي يرفض الانفصال الهادئ لبعض الأزواج الذين بات استمرار زيجتهم مستحيلا.. الرغبة في التحدي تزج بهم إلي الإثم والحرام.. مدفوعين بعواطفهم مغيبين عن العواقب.. ثم تحدث الكارثة.. ويكشف المستور..
هذا النوع من العلاقات قائم في كل مكان وزمان وبين أطراف من نفس الديانة.. فلا الأرض فردوس ولا الناس ملائكة.. وكثيرا ما نجد علي صفحات الجرائد أمثلة لجرائم قتل كان السبب فيها اكتشاف الخيانات الزوجية ويكون طرفا الخيانية مسيحي ومسيحية أو مسلم ومسلمة.. تقع الأزمة عندما تختلف ديانة الطرفين.. اعتدنا تلك الأزمات وغالبا ما يدفع بعض المحيطين بالطرفين الثمن.. ثم ينعقد الصلح العرفي خاصة في صعيد وريف مصر وينتهي الأمر.
لماذا الآن؟؟
أطفيح.. الأمر مختلف تماما فالظرف المصري كاملا مختلف.. أطفيح قرية تتبع محافظة حلوان.. مجتمع أقرب إلي الصعيد في عاداته.. والقصاص من أجل الشرف قد يبدو لبعض أهل الحضر في إعلاء القانون إنما عند مجتمع الصعايدة هو الثأر من المرأة التي جبت العار والرجل الذي مثل لها الغواية.. وأبدا لم نسمع أن هذا المجتمع يتمثل الثأر عنده في جرائم الشرف من طائفة كاملة وحرق دار لعبادة.. وهذا ما يدفعنا للتساؤل: لماذا الآن؟؟
لماذا الآن؟؟ ومن الذي له المصلحة الكبري في استخدام تطرف المتطرفين.. وجهل الجاهلين وترك البلطجية والمجرمين يهدمون كنيسة قرية صول بكل هذه الهمة والحماسة وكأنهم يقدمون خيرا للوطن وفعلا حميدا له أجر في السماء؟! أياد خفية تعبث بمقدرات الوطن وتجهض الثورة.. إنها الثورة المضادة.. ورغم قناعتي أنها الثورة المضادة التي أشعلت مصر فتنة طائفية في ثلاثة أيام من أطفيح إلي المقطم.. إلا أنه لابد من الاعتراف أن وقود الثورة المضادة والذي بدونه لم يكن لها اشتعالا.. هو الجهلاء والمأجورون والمدفوعون مضافا إليهم السلفيون الذي امتطوا الحدث ونادوا باستعادة كاميليا شحاتة- زوجة كاهن المنيا التي قيل إنها أسلمت ثم عادت للمسيحية- والذين تحرشوا بمتظاهرات اليوم العالمي للمرأة وضربوهن أمام نقابة الصحفيين لمطالبتهن بالمساواة مع الرجل.. ولم ينقذهن سوي الجيش والمواطنين العاديين من المارة.. ويا لسخرية القدر أن يصدر عن السلفيين هذا الفعل في نفس التوقيت الذي انتوا فيه الخروج بمظاهرتهم والتوجه نحو متظاهري ماسبيرو من الأقباط لتبدأ المجزرة المصرية.. فانقلب السحر علي الساحر..
حتي الشيعة..
تفاصيل هذه المظاهرة تبرز أهداف الثورة المضادة, ففيها هتفت السيدات تغيير.. حرية.. عدالة اجتماعية- رجالة ستات إيد واحدة.. وأثناء هذا الهتاف دخلت سيدة منقبة تهتف ضد النساء.. مما دفع الرجال السلفيين للإشارة إليها والهتاف الست المصرية أهي.. ثم هتفوا مشيرين إلي المتظاهرات شيعة.. شيعة.. عملا.. عملا.. هكذا تنجلي الغمامة عن المشهد.. ويبدو واضحا تماما.. إنهم يريدون تقسيم مصر مسلم ومسيحي.. رجل وامرأة.. سنة وشيعة.. وما خفي كان أعظم.. فهل نرضخ للتقسيم؟؟ هل نساهم في حرق الثورة المصرية التي دفع ثمنها أبناؤنا من دمائهم وراح ضحيتها مئات الشباب من خيرة مصر.. لست مع ترك الحقوق ولا مع صم الأذن ولا مع الخاضعين الراضخين غير المطالبين بحقوقهم.. لكنني أيضا لست مع المهيجين ومروجي الشائعات.. ظنا منهم أنهم يحاولون نيل القدر الأكبر -الآن- من الحق المهضوم عقودا طويلة.
الأمر معقد تماما وله أوجه عديدة أولها أن الفتنة المشتعلة لها أسباب ترجع لجذور طائفية.. لكن تم استخدامها لتدعيم الثورة المضادة.. الفتنة أضرم نيرانها الجهلاء وزكاها السلفيون ونشرها بقوة المستفيدون من فلول النظام البائد الذين مازالوا يدافعون عن بقائهم علي حساب مصر بأكملها.. والمعضلة الحقيقية أن بعض المصريين من الطرفين لا يصدقون الخطة الموضوعة لدفن مكاسب الثورة والقضاء عليها فلا يسمعون إلا لصوت الدفاع والزود عن الدين والحق المغتصب ولا يعني ذلك ترك الحقوق ولنك متي نبدأ ومتي نتوقف وماذا نطلب وأين ومتي نطلبه.. ولكن مصر أولا.. فهل يعلم أحد شيئا عن باقي الخطة؟؟ نشر العقيد عمر عفيفي المستقيل من الداخلية وخارج مصر الآن بعض أسرار تلك الخطة علي صفحته الشخصية في موقع فيس بوك.. إن المخطط القادم بعد الفتنة الطائفية وإحراق الكنائس بأيدي الجهلاء الذين يتم استخدامهم من عناصر مستفيدة هو اغتيال بعض الشخصيات العامة والقيادات في التيارات الدينية المختلفة..
الموقف ضبابي
ثانيها.. الموقف الضبابي للجيش في مواجهة واقعة هدم الكنيسة بقرية صول.. فعلي الجيش توضيح موقفه حتي لا يظن بعض الأقباط أنه كان صامتا فقط لكوننا أقباطا وأنا علي يقين أن هذا ليس بحقيقي.. فعندما تعدي رهبان دير الأنبا بيشوي علي الأراضي المحيطة بالدير والمملوكة للدولة كنت أول المؤيدين لموقف الجيش باستثناء إطلاق النار.. وقلنا آنذاك القانون فوق الجميع ولا فرق بين راهب أو شخص عادي في المعاملة.. كلنا مصريون.. وكنت أنتظر نفس رد الفعل أمام هدم الكنيسة.. فمن هدموها هم في عرف القانون بلطجية ومجرمون, فلماذا لم يتم التعامل معهم؟؟ وعندما أقول التعامل معهم لا أقصد إطلاق النار وإنما أقصد السيطرة عليهم واعتقال العناصر القيادية فيهم وإخضاعهم للجيش؟؟ أفلا يستطيع جيشنا الباسل الذي مهمته الأولي حمايتنا من الأعداء فعل هذا؟؟ إنها أسئلة استفهامية وليست استنكارية.. هذا بالإضافة إلي التأخر في إصدار البيانات والقرارات التي تعتبر سرعة اتخاذها هي الفيصل في الأوقات الحرجة ولنا خير مثال فيما فعله الرئيس السابق مبارك من تأخر في مخاطبة الجماهير وتأخر تنفيذ مطالبها فكان الثمن هو رحيله.
ثالثا: العلاقات غير المشروعة في المجتمع المصري.. وهي بمثابة خطوط حمراء.. يترفع الكثيرون عن عبورها أو الخوض في تفاصيلها. . ناسين أننا عبرنا عهد التابوهات المقدسة.. ودخلنا عصر المصارحة والمصالحة مع أنفسنا ومع المجتمع وها هي النتائج اليوم تثبت أن علاقة واحدة غير مشروعة قد يدفع ثمنها بلد كامل من أمانه واستقراره.. وقد تكون سببا في تسييد فئة لا نرتضيها واعتلائها سدة الحكم كالإخوان مثلا.. أعلم أنه ملف غاية في الحساسية خاصة في الصعيد والريف.. لذلك التنوير هناك أصبح واجبا قوميا.. والتنوير هنا لا يعني أن نفرض علي الناس حياة لا يرضونها أو نجبر زوجة علي العيش مع زوجها رغما عن إرادتها أو احتمال رجل لزوجة لا يستطيع الاستمرار معها.. ولكن أعني هنا بالتنوير هو تجديد الفكر.. فمن يرغب في عدم الاستمرار عليه طلب الانفصال في هدوء.. وليعش حياته كما يحلو له فيما بعد فلسنا أوصياء علي أخلاقيات الناس.. ورغم مرارة الانفصال عن الأبناء إلا أنها من المؤكد أرحم حالا من مرارة العار كما يسمونه هناك..
فاتورة الحب الحرام
أمر رابع: لابد من إطلاق الحريات الخاصة وردع كل من تسول له نفسه المساس بها حتي نغلق هذا الملف للأبد إن كنا نريدها دولة مدنية.. فكلما ينادي بإعادة فلانة وعلانة لحضن الإسلام.. لأنها أسلمت ثم عادت.. وأيضا كل من يدعي خطف وأسلمة بعض الفتيات والسيدات رغما عنهن علي الجميع ترك الأمر لصاحب الأمر.. وصاحب الأمر هنا هو صاحب المشكلة.. لا تعتدوا علي الحريات الشخصية فأمس من غادرت وتركت زوجها ثم عادت كانت كاميليا شحاتة المسيحية 23 سنة.. واليوم هي فلانة من قرية صول وهي مسلمة 36 سنة.. والدائرة تدور ويوم لك ويوم عليك.. فهل نستمر في صراع الدفاع عن النساء الهاربات من أزواجهن أم الأجدي بنا أن نبحث عن أسباب التفكك الأسري الذي يدفع المرأة في كل دين وكل مكان حضر كان أو ريف أو صعيد لخيانة زوجها ثم ندفع جميعا فاتورة الحب الحرام..
ولي هنا سؤال مهم: أما آن الأوان للنظر في أمر آلاف الأسر المسيحية المعلق مصيرها بسبب قصور قانون الأحوال الشخصية عن حل مشاكل المسيحيين؟ نعم فرض الظرف نفسه علي الجميع.. وعلينا الآن أن نفرض مصر علي كل الظروف حتي نمر من هذه المرحلة بسلام.
وأخيرا كل ما أخشاه بعد تفاقم الأمور -حتي كتابة هذه السطور- واستمرار الفوضي والاحتجاجات والتراشقات بين كل الفئات.. أن ندفع المؤسسة العسكرية دفعا وهي غير عازمة النية علي ذلك أن تضطر لاعتلاء الحكم رغبة في تحقيق الأمن للمواطنين وحتي لا تضيع مصر.. وهنا سوف نكون خسرنا الدولة المدنية التي ظلننا ننادي بإقامتها وسنعود ستين عاما للوراء ونخسر كل مكاسب الثورة..