كشفت الحكومة الإثيوبية عن البدء في تصميم وإنشاء أضخم سد متعدد الأغراض علي النيل الأزرق في المنطق الحدودية بين إثيوبيا والسودان ويحمل اسم بوردر يمكنه من احتجاز أكثر من 17 مليار متر مكعب من المياه سنويا.
يأتي هذا الإعلان بعد أزمة توقيع بورندي علي اتفاقية عنتيبي الأمر الذي أثار القلق في مصر علي كافة المستويات السياسية والشعبية في وقت واحد.
وقال المراقبون إن الجانب الإثيوبي قام بتصعيد الموقف بشكل غير مسبوق وكسر كل القواعد والمبادئ المتفق عليها من خلال مبادرة دول حوض النيل وأضاف أن موقف مصر من الاتفاقية الإطارية وتخوفها مما تسعي إليه باقي دول حوض النيل كان في محله تماما. حيث ثبت أن النية كانت مبيتة للإضرار بمصالح مصر.
من جانبه أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية الإثيوبية أن بلاده تريد التوصل إلي الاستخدام العادل لمياه النيل عبر مفاوضات سياسية.
كما أعلن تيفيرا بيين رئيس قسم السدود والتصميمات الكهرومائية بوازة الموارد المائية الإثيوبية أن بلاده تجري دراسات استكشافية ودراسات جدوي في مناطق تيكينز واكوبو وأبي علي النيل الأزرق لتطوير نظم الري من أجل زيادة إنتاج المحاصيل مشيرا إلي أن الخطة تتضمن أيضا إقامة سدود كهرمائية لإنتاج الطاقة بعرض استخدامها في الصناعات وأن حكومته تسعي للحصول علي تمويل من بنك التنمية الأفريقي ومؤسسات أخري لتمويل الدراسات التي تغطي مختلف مجالات التنمية.
ولكن التساؤل الذي يقلق المصريين هو ما مدي خطورة السدود الإثيوبية علي حصة مصر من المياه وكيف يري الخبراء وكيف ينظر السياسيون لملف المياه في ظل الفترة الراهنة؟
علميا حذرت دراسة علمية أجراها فريق من العلماء العاملين بالهيئة القومية للاستشعار عن البعد وعلوم الفضاء, من مخاطر تنفيذ المشروعات المتوقعة بدول حوض النيل, التي يمكن أن تمثل خطورة عند تنفيذها علي الموارد المائية لمصر.
وكشفت الدراسة أن أماكن مشروعات السدود علي الهضبة الإثيوبية, المزمع تنفيذها خلال المرحلة المقبلة, بهدف استخدام المياه في الزراعة وتوليد الطاقة, ينتج عنها استهلاك حوالي 2.6 مليار متر مكعب من المياه سنويا خصما مباشرا من الإيراد المائي لمصر. مشيرة إلي أن هناك خطورة تدريجية من التنمية المخطط تنفيذها بالمنابع الإثيوبية, حيث إن هذه المشروعات يمكن أن تستهلك في حال إتمام تنفيذها حوالي 25 مليار متر مكعب سنويا, أي حوالي 17 مليار متر مكعب سنويا عند أسوان.
وأوضحت الدراسة – التي استهدفت تقييم الوضع الحالي والمستقبلي – الإيراد الطبيعي لنهر النيل, أنه عند تنفيذ المشروعات المخططة طبقا للخطة الرئيسية للمياه لكل دولة من دول البحيرات الاستوائية لتعظيم مخزونها والاستفادة منها في توليد الكهرباء, سوف يؤثر علي إيراد مياه نهر النيل. منوهة إلي أنه إذا أقيم سد علي بحيرات ألبرت وأدوارد سيتم تخزين 270 مليار متر مكعب, مما ينتج عنه منع سريان المياه إلي النيل الأبيض كلية لمدة 17 سنة وهي (المدة الزمنية اللازمة لامتلاء الخزان للسعة المطلوبة).
وأشارت الدراسة التي اعتمدت علي استخدام تقنيات الاستشعار من البعد, إلي أن تعلية سد شلالات أوين علي مخرج بحيرة فيكتوريا, سيقوم بتخزين 3000 مليار متر مكعب من المياه, وسيترتب علي ذلك منع سريان المياه إلي النيل الأبيض لمدة 57 عاما تقريبا, وأن أكثر المشروعات تأثيرا علي موارد نهر النيل الأبيض, هو إقامة سد علي مخرج بحيرة ألبرت, نظرا لعدم وجود بنية تحتية في المناطق المتاخمة لها.
كانت صحيفة أديس فورتشن الإثيوبية الأسبوعية, نشرت أخبارا تفيد أن البنك الدولي قام بتمويل بناء عدد من السدود في إثيوبيا بالتعاون مع الحكومتين الصينية والإيطالية فقد استكملت إثيوبيا إنشاء أعلي سد في القارة الأفريقية علي منابع النيل, وهو سد تيكيزي الذي يبلغ ارتفاعه 188 مترا, كما شرعت الحكومة الإثيوبية في سد كرادوبه علي الحدود بين أمهرة وأوروميا, وهناك سد آخر يجري بناؤه وهو سد بليسه, وهو مشروع لإنتاج طاقة كهرومائية, تعمل إثيوبيا علي تصديرها لدول الجوار.
أما مشروعا سدي كـلكـل كيبه الأول والثاني فهما مشروعان لتوليد الطاقة المائية, ويقومان بتحويل جزء من مياه نهر كلكل كيبه مباشرة إلي نهر أومو بعد تمريرها علي محطة توليد طاقة كهرومائية تبدأ بقدرة 420 م.و, وترتفع عام 2011 إلي 1840 م.و, ويقع المشروع علي بعد حوالي 300 كم شمال غرب أديس أبابا.
المياه خط أحمر
قال محسن الخازندار الخبير في مجال المياه: أصرت دول المنع علي توقيع اتفاقية (إطار) وطلبت من مصر والسودان التوقيع, وأعطتها مهلة زمنية لمدة عام لمن أراد, وبذلك أرادت هذه الدول أن تفرض علي مصر والسودان رؤيتها, ومن ثم يتم تغيير الاتفاقيات السابقة التي تحدد حصة مصر والسودان من المياه, وبديهي أن الأمر بهذه المثابة شديد الخطورة, لأن حصة مصر من المياه لا تكاد تكفيها, ومن ثم فإن هذه المسألة بالنسبة لمصر المياه خط أحمر
يبلغ الاستهلاك المصري من الماء حاليا يبلغ 80 مليار متر مكعب من النيل يؤمن النيل منها 75 % ومياه الصرف 20 % والباقي أي 5% من مياه الأمطار والمياه الجوفية, ونلاحظ أن المياه التي تأتي عن طريق معالجة الصرف الصحي والصناعي هي ذاتها استرجاع لمياه النيل أصلا, أي أن الموارد المائية المصرية خارج النيل لا تتعدي 2 – 5% فقط.
النيل هو شريان الحياة بالنسبة لمصر, وأي اقتراب من هذا الموضوع هو خط أحمر يمس حياة المصريين وليس نوعا من الترف مثلا ونصيب الفرد المصري حاليا من المياه حوالي 700 متر مكعب من الماء سنويا, وهو رقم شديد التدني بالنسبة للأرقام العالمية, ومرشح للمزيد من النقصان مع زيادة عدد سكان مصر حيث يبلع نصيب الفرد في العالم 4000 متر مكعب من المياه سنويا.
والموقف المصري قائم علي أنه لا يجوز تغيير الاتفاقيات الدولية بخصوص المياه, والقانون الدولي يؤيد ذلك.
أضاف أن دول المنبع تري أن تلك الاتفاقيات تمت في مرحلة الاستعمار, ومن ثم فإن قراراها لم يكن بيدها في ذلك الوقت ولا يمكن الاستمرار في هذا الأمر, لأنه تم علي حساب مصالح وحقوق شعوبها, وفي الحقيقة فإن تلك الاتفاقيات التي تمت إبان مرحلة الاستعمار لا تخص المياه فقط, ولكنها تخص الحدود كذلك, التي اعتبرتها منظمة الوحدة الأفريقية حدودا منتهية لا يجوز إعادة النظر فيها, وإلا فتحنا الباب لصراعات بين دول أفريقية كثيرة.
كل طرف له حجته القانونية والإنسانية, فلا يمكن إنقاص نصيب مصر من المياه التي تعاني أصلا من ضعفها وإلا كان ذلك نوعا من قتل الشعب المصري والقضاء علي مستقبله, وكذا لا يمكن تجاوز حق دول المنبع في تنمية مواردها ورفع مستوي شعوبها, ويمكن الوصول إلي صيغة توافقية في هذا الصدد لو خلصت النوايا, فمثلا يبلغ الإيراد السنوي في بحيرة فيكتوريا 144 مليار لتر مكعب, وما يتم استخدامه منها يبلغ 21 مليار لتر مكعب, أي أن هناك 93 مليار متر مكعب من المياه تضيع, وبحيرة ألبرت يبلغ إيرادها السنوي 34 مليار متر مكعب يتم استخدام 26.5 مليار متر مكعب, ويضيع 6.7 مليار لتر مكعب, نفس الأمر بالنسبة للمياه الاتية من هضبة إثيوبيا, حيث يضيع معظمها في المستنقعات, وفي المحصلة فان موارد النيل 1660 مليار متر مكعب سنويا لا يصل إلي مصر والسودان منها إلا 74 مليار لتر مكعب أي حوالي 4%, والباقي يضيع أو جزء كبير منه.
أوضح مختار الشريف الخبير الاقتصادي: السد المزمع إنشاؤه في إثيوبيا اتخزين 15 مليار متر مكعب من المياة تخص مصر منها 10 مليارات والسودان 5 مليارات وذلك انتقاصا من حصة مصر المائية.
وهذا السد الذي يصمم باستخدام تكنولوجيا متقدمة لتوليد الكهرباء ومياه الشرب ويجب ألا ننسي أن هناك في دول المنبع عموما مشاكل في مياه الشرب ونسبة الفقر تتعدي الـ50% من عدد السكان و4 دول من دول حوض النيل هم اكثر الدول فقرا ليس في أفريقيا فقط ولكن علي مستوي العالم.
إثيوبيا مشكلتها في الأراضي الزراعية حيث تستهلك 3% فقط من مياه نهر النيل في الزراعة وهي تود استصلاح أراض بعيدة لا تصلها مياه النيل وتحتاج لمياه بكميات كبيرة جدا قد تؤثر في حالة إنشاء سدود لتخرينها علي حصص مصر والسودان وهناك دول يمر بها نهر النيل ولكنها لا تستفيد منه وبدأوا يتعاملون بمبدأ حق استغلال الموارد الطبيعية وبدأت هذه الدول تقارن نفسا بالدول البترولية التي تبيع البترول وهو مورد طبيعي موجود في باطن الأرض يتم بيعة والتربح منه فلماذا لا تباع مياه النيل وهي مورد طبيعي أيضا وتم طرح هذه الأفكار منذ زمن ولاقت تقبلا من المجتمع الدولي ولكن هذا يتعارض مع مصالحنا ومصر تتمسك بالحقوق التاريخية المكتسبة والتي مر عليها زمن طويل.
مصر تري أن مياه نهر النيل أكثر من احتياجات كل دول المنبع والمصب المشكلة هي كيفية الاستفادة المشتركة من هذه المياه فإن ما يسقط علي دول المنبع 1660 مليار متر مكعب يصل لمصر 84 مليار متر مكعب يعني حوالي 5% فقط المطلوب تفعيل عملية الاستفادة ولكنهم يبحثون عن الاستفادة السريعة بغض النظر عن المشكلات التي يمكن حدوثها.
وعلي الرغم من كثرة الحديث عن موضوع الجهات المانحة أكد الشريف أنه حتي الآن لم يتم عمل مشروع ضخم يضم دول حوض النيل ويحظي بموافقتها وهذا شرط أساسي للدول والجهات المانحة وهذا الأمر ليس وليد اليوم وهناك خـطط مصرية في هذا الصدد وضعت, لكنها لم تـكتـمل بسبب عدم توافـر مناخ الثـقة بين البلدان مثل: فكرة استفادة دول الحوض بجـزء من الفواقد المائية للتـساقط المطري علي حوض النيل وإنشاء صندوق لتمويل المشروعات يلحق بالبنك الأفريقي للتنمية بصورة مؤقـتة, فضلا عن مساعدة مصر لدول أعالي النيل في بناء السدود, كما يجري حاليا, بشرط عدم حجـزها المياه واستفادة دول الحوض منها.
إن المخاطر المتوقـعة تتلخـص في أن تـمضي هذه الدول غـير عابئة بالرفض المصري في إقامة سدود ومشاريع علي النيل تؤدي لنقص موارد المياه المقبلة لمصر والسودان, في حين تحتاج مصر للمزيد من المـياه بأكثر من حصـتها الحالية 55.5 مليار متر مكعب التي ترفض دول أعالي النيل حتي أن تحصـل عليها.
وأمـن دول حوض النيل كـتلة واحدة ووضع أسـس لهذا الأمن تقوم علي تكافـل وتكامـل دول المنابـع والمصب علي تلبـية احتياجات بعضها البعض والتكامل بين بعضها البعض في توفير المياه أو الكهرباء وتبادل السـلع والبضائع والأغذية وحماية أمنها المـشترك.
من جانبه أكد الدكتور هاني رسلان الخبير الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام: أن توقيع دول المنبع لاتفاقية عنتيبي وانضمام بورندي مؤخرا قرار يمثل خطورة كبيرة لمصر وخطورة علي الدول الموقعة أيضا حيث ستواجة صعوبات بالنسبة للتمويل الدولي من الجهات المانحة لمشروعاتها المائية.
ولكننا في مصر يجب ألا نعول علي هذه الصعوبات لأنها لا تمثل ضمانا حقيقيا لمصر حيث يمكن أن تلجا دول المنبع إلي جهات اخري مثل الصين وغيرها لتمويل هذه المشروعات.
غياب المعلومات والفشل في التنبؤات
حذر مصدر مسئول بوزارة الموارد المائية والري من خطورة قيام إثيوبيا بإقامة 4 سدود كبيرة, منها: سد تاكيزي لتخزين ثلاثين مليار متر مكعب من المياه, بالإضافة إلي سد بوردر علي الحدود الإثيوبية – السودانية لتخزين أكثر من 41 مليار متر مكعب من المياه وهو ما يهدد الأمن المائي المصري, في الوقت الذي اتضح فيه عدم توافر المعلومات الكافية عن هذه السدود أو دراسات الجدوي لها في الأجهزة المعنية مثل قطاع مياه النيل المسئول المباشر عن الملف فنيا وتفاوضيا, مما يكشف حجم فشل السياسة المصرية في التعامل مع ملف المياه.
أشار الخبير الدولي للمياه, مغاوري دياب إلي أن السياسة الخارجية المصرية لابد أن تتغير تجاه دول حوض النيل بعد أن أثبتت الفترة الماضية فشل الأجندة المصرية في مفاوضات حوض النيل بدليل توقيع بوروندي علي الاتفاقية الإطارية رغم اطمئنان الدبلوماسية المصرية علي عدم توقيعها.
وأكد دياب ضرورة امتلاك المفاوض المصري حججا قانونية أقوي فالأمر لا يحتمل الدبلوماسية الناعمة, مع التركيز علي حجم الضرر البالغ الذي ستتعرض له مصر في حالة تمرير الاتفاقية الإطارية دوليا وإقليميا.
لابد من التنسيق الكامل مع شمال السودان علي اعتبار أن مصر هي المتضرر الوحيد من أي مشروع مائي يقام علي نهر النيل بالسودان, وأن يكون المفاوض علي دراية كاملة بما يفكر فيه المفاوض السوداني ومحاولاته المستمرة بالضغط علي مصر بملف حلايب وشلاتين. كما أن مصر لا تمتلك دراسات فنية قوية عن طبيعة حوض النيل وتركيز الباحثين والقيادات في وزارة الري علي دراسة المياه فقط ومدي تدفقها دون التركيز علي جغرافية حوض النهر, وهو ما يصعب علي مصر اتخاذ قرارات علي أسس فنية فيما يتعلق بأي سد تقوم به دول المنابع علي مجري النيل وتحديد مدي تأثر مصر من هذه المنشآت.
وأضاف دياب أنه يستوجب علي مصر وضع خطط دول المنابع مثل بوروندي ورواندا لبيع المياه نصب أعينها, نظرا لاحتياجات هذه الدول التنموية وعدم حاجتها للمياه, وعدم تهميش هذه المطالب.
وفيما يتعلق بالموقف المصري الحالي تجاه دول حوض النيل أكدت السفيرة مني عمر أن وزارة الخارجية والجهات المعنية بالملف لاتزال في مرحلة صياغة الموقف وفقا لمقتضيات المرحلة الحالية والتشديد علي التعاون مع السودان شمالا وجنوبا لتحقيق المصلحة المشتركة.
وأكدت أن مصر لم تتخذ أي قرار رسمي حتي الآن للرد علي شرعية اتفاقية الإطار القانوني والمؤسسي التي وقعت عليها خمس دول إضافة إلي بوروندي التي انضمت لها قبل أيام.