عيد الميلاد هو الاحتفال بالمسيح كلمة الله المتجسد.في شخص المسيح ”صار الكلمة بشرا وعاش بيننا” (يوحنا14:1).تقول الرسالة إلي العبرانيين: ”كلم الله آباءنا من قديم الزمان بلسان الأنبياء مرات كثيرة وبمختلف الوسائل.ولكنه في هذه الأيام الأخيرة كلمنا بابنه” (1:1-2).يسوع المسيح هو كلمة الله الذي أخذ صورة بشرية.في القديم كلمنا الله بالأنبياء.كانت كلمتهم مثل رسالة يرسلها لنا.ولكن من يحب لا يكتفي بأن يرسل خطابات من بعيد,يريد أن يلتقي الحبيب ويتحدث معه وجها لوجه.وبما أن الله قدير ولا شئ عنده مستحيل,فقد جاء بنفسه ليلقانا,في شخص ابنه الحبيب المسيح كلمته الذاتية,”صار الكلمة بشرا وعاش بيننا”.
يسوع المسيح هو كلمة الله الأزلي.يقول القديس يوحنا الإنجيلي: ”هو في البدء كان عند الله.وكان الكلمة الله” (يوحنا1:1-2).صار الكلمة بشرا,فأعلن الله نهائيا للبشر.فيه نري الآب,ونعرفه علي أفضل ما يمكن للإدراك البشري أن يبلغه.حقق المسيح الكلمة وعود الله وعهوده للآباء والأنبياء.عاش بيننا بصورة منظورة في حياته وبشارته الأرضية.أخبرنا عن الله,وأعلمنا أننا أبناؤه وأنه أبونا,وأننا كلنا إخوة.جاء ليشهد للحق.ولم يكتف يسوع بالكلام,وإنما عمل أيضا.وكانت أعماله هي أبلغ كلماته.في كل ما صنع,أعلن لنا أعمال الآب.كان يعمل ويعلم.وما كان عليه يسوع من رحمة وشفقة,وصفح ومغفرة,وحب بلا حدود,هو إشعاع لكيان الله نفسه.
والمسيح حاضر وعامل في الكتاب المقدس,كلمة الله الموحاة.فهي ”ليست كلام بشر,بل بالحقيقة كلام الله” (1تسالونيكي2:13).ويسوع نفسه كإنسان تغذي بكلام الله,وجعل منه غذاء للجموع التي كانت تأتي إليه بكل آمالها وآلامها.وقد قال القديس إيرونيموس,ومن بعده تكرر الكنيسة: ”من يجهل الكتب المقدسة,يجهل المسيح”.في الكتب المقدسة يكلمنا الرب,إذ يكشف لنا فيها فكره ورغبات قلبه,وتدابير حبه للبلوغ إلينا,وسبل طاعة الإيمان للوصول إليه.الله ليس صامتا.إنه يحدثك,يدعوك أن تجعل من حياتك حوار حب.
لذلك قال المرنم في المزمور: ”كلامك سراج لخطواتي ونور لطريقي” (119:105).ويقول القديس بطرس إنها: ”سراج منير يضئ في كل مكان مظلم,إلي أن يطلع النهار,ويشرق كوكب الصبح في قلوبكم” (2بطرس1:20).لا نستطيع أن نتصور الحياة بدون نور.وكلمة الله تحيي.قال يسوع: ”الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة” (يوحنا6:63).إنها تنقل من الموت الروحي إلي الحياة,وتفتح الآفاق المنغلقة علي آفاق لا متناهية الحدود,وتحول الاستسلام إلي شجاعة المبادرة والإقدام.
فكلمة الله ستبقي بلا ثمر,إذا لم نترجمها بأعمال ملموسة.لن يكون لها صوت ومصداقية,إذا لم ترافقها أفعال منظورة تؤيدها.علينا أن نجسدها في حياتنا وفي عالم اليوم,فتعلن شهادتنا العملية أن كلمة الله حية وفاعلة,قادرة أن تغيرنا وتغير العالم,ليصير وفق مشيئة الله عالم أبناء الله الواحد.ليلة الميلاد تذكرنا أن رسالتنا هي أن ننشر الخبر السار للعالم: ”هكذا أحب الله العالم,حتي وهب ابنه الأوحد…ليخلص العالم” (يوحنا3:16-17).