لم يعترض المجتمع علي مشاركتها في الثورة ولا التصدي بصدرها لطلقات الرصاص ولم يطلب منها أن تقبع في البيت حماية لها من القنابل المسيلة للدموع ومن لسعات ضربات العصي والرصاص.. بل لم يستطع أحد أن يعزي قلبها المنفرط علي ابنها الشهيد.. فكلنا يعرف أن المرأة المصرية كانت ومازالت شريكة أساسية في الثورة والميدان وأنها كانت هكذا في كل الثورات ولكنها أول من يتم إقصاؤها واستبعادها بعد الثورة, والذين لم يخشوا عليها من الرصاص ينفرط قلبهم عليها بعد زواله!!!
الفكر المظلم الذي تواجهه الآن المرأة المصرية في محاولة شرسة لانتهاك كل حقوقها وحرياتها يتجاهل أنها شريكة أساسية في المجتمع و ثورته, ويعود بنا إلي مناقشات ومجادلات ظننا أنها حسمت ولم تعد تحتاج إلي مناظرات بل ومهاترات.. والحقيقة أننا لن نستسلم مهما اضطررنا أن نبدأ جهادنا من نقطة الصفر.
ننسي كثيرا في خضم الحديث عن التزام مصر باتفاقيتها الدولية أن هناك اتفاقية ##السيداو## التي وقعت عليها مصر وهي الاتفاقية الدولية لمكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة وأن مصر هذه ليست النظام السابق وليست حسني مبارك ولا سوزان مبارك وأن التحرير لم يطالب بإسقاط الدولة بل النظام الفاسد.
عندما انطلق الشعب المصري برجاله ونسائه في ثورة يناير طالب بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.. وإذا تأملنا في هذا الشعار نجده يتنافي كليا مع محاولات إقصاء المرأة.. فالعيش وهو المطلب الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق بتعطيل نصف طاقة المجتمع -كم أشعر بالخجل من مناقشة هذه البديهيات- بل وتحويلها بالتالي إلي مستهلك يعيش عالة علي نصفه العامل وربما تتفرغ للإنجاب فتفرخ لنا أفواها يعجزالنصف المنتج عن سد حاجتها.. ولكن الأهم أن المجتمع يصبح هو الخاسر الأكبر لأننا إذا قصرنا فرص العمل علي الذكور بحجة التغلب علي البطالة وانحزنا لمن يقولون بدلا من أن يجلس الرجل العاطل في البيت فلتجلس زوجته فإننا نغتال حق المجتمع في معيار الكفاءة وأن من يعمل يكون الأكفأ ليقدم الأفضل لمجتمعه.
كيف لنا أن نتجاهل أن أكثر من نصف الأسر المصرية تعولها امرأة!! فكيف تعول أسرتها وهي محرومة من العمل؟!.. أول نتيجة هي الزج بأطفالها إلي العمل وحرمانهم من التعليم أو انضمامهم إلي أطفال الشوارع.
كيف لنا أن نتجاهل نتائج دراسات عديدة بل ومشاهدات ميدانية تدلل علي أن عمل المرأة يعود بإيجابية علي المستوي المعيشي لأبنائها أكثر مما للأب الذي يهتم أكثر بنفسه أو بالادخار أو بالزواج الجديد؟!
أما شعار الحرية الذي خرج الثوار من أجله فإنه ينتهك الآن ببشاعة عندما يطالب المتشددون في طريقهم إلي الحكم بتقييد الحريات في نمط اللبس والخروج والعمل.. أليس انتهاكا للحريات أن تحرم المرأة من سوق العمل أو أن تفرض عليها الوصاية في قرارها أو أن يصبح قرارا مشروطا بالحالة الاجتماعية أو بالإنجاب.. أو أن يفرض عليها مع من تتكلم؟ إنه قمع الحريات بأبشع صوره.
أما العدالة الاجتماعية التي خرج من أجلها الثوار فهي إزالة الفوارق الاقتصادية بين طبقات المجتمع كما تعني تكافؤ الفرص وحصة تشاركية في خير المجتمع.. هل يتفق هذا المطلب الرئيسي للثورة مع إقصاء المرأة من سوق العمل فتصبح النساء أكثر فقرا لصالح الرجال؟ وأن توزع ثرواته حسب النوع !!
[email protected]